ابرز ما جاء في الصحف الصادرة بالعاصمة اللبنانية بيروت صباح الجمعة 9-10-2015
تناولت الصحف الصادرة في العاصمة اللبنانية بيروت صباح الجمعة 9-10-2015 آخر التطورات الامنية والسياسية الداخلية، لا سيّما التظاهرات المطلبية في وسط بيروت، وما تخللها من مواجهات بين المتظاهرين والقوى الامنية، أدت الى سقوط جرحى من الطرفين.
هذا وتمّ رصد آخر تطورات العملية العسكرية ضد الجماعات الإرهابية في الداخل السوري.
الأخبار
«العملية الكبرى» مستمرة: دماء جديدة في عروق الجيش
إيلي حنا
تسارعت وتيرة ظهور جوانب إضافية من الاتفاق الذي عقدته القيادة السورية مع حلفائها الروس والإيرانيين وحزب الله. بنود الاتفاق بدأ التحضير لها منذ شهور، سواء على مستوى بنك الأهداف أو على مستوى خطط العمليات البرية المنوي تنفيذها. وبالإضافة إلى «مفاجأة» دخول الطائرات الروسية ضمن معارك الجيش السوري، كانت المفاجأة في التشكيلات السورية الجديدة بحضورها غير المسبوق، ضمن عمليات كبيرة على محاور عدة في وقت واحد.
هذا الحضور اختلف عن السابق، عندما كان المسلحون يستوعبون هجمات الجيش التي كانت تُشن على محور واحد. اما ما شهدته الأيام الماضية، فتمثل في فتح الجيش لعدد من المعارك على اكثر من جبهة في آن معاً، وهو ما لم يحدث منذ بداية العام الجاري.
منذ سنة كاملة كان الجيش السوري يطوي آخر معاركه الجدّية في ريف حماه الشمالي على الطريق الرئيسي بين حماه وإدلب. استردّ أواخر شهر تشرين الاول 2014 بلدة مورك الاستراتيجية ثمّ باءت محاولته التقدّم نحو خان شيخون بالفشل (ريف إدلب الجنوبي)، لتهدأ تلك الجبهة.
ثم كرّت سبحة الخسائر من معسكري وادي الضيف والحامدية في 15 كانون الأول 2014 (كان من أهداف استكمال المعارك بعد مورك فك الحصار عن المعسكرين) وصولاً إلى إدلب وجسر الشغور وأريحا وجميع المناطق الإدلبية منذ آذار الماضي.
بعد سقوط محافطة إدلب (ما عدا كفريا والفوعة)، لم يحاول الجيش سوى استعادة القرى التي خسرها في سهل الغاب لما تشكّله من خطر محدق على محافظة اللاذقية وعلى مناطق سيطرته المتبقية في مدينة حماه وريفها. نهاية شهر آب الماضي، كانت المحاولة الأخيرة في سهل الغاب حيث لم يستطع الجيش سوى التثبيت في قرية خربة ناقوس، بعد سيطرته لساعات على قرى عدة كالمنصورة وتل واسط والزيارة.
حالة من المراوحة الدفاعية بدأت منذ شهور طويلة، ليظهر الجيش في موقع المدافع عن نقاط وجوده فقط، ومنع تمدّد المسلحين بعد فورة كبيرة في الجنوب (خسارة بصرى الشام، ومعبر نصيب، واللواء 52)، وخمس محاولات ضخمة للسيطرة على مدينة درعا وجزء من ريفها (معارك «عاصفة الجنوب»)، وخسارة تدمر ومناطق مهمة إضافية في ريف حمص الشرقي، ومحاولات «داعش» المتكررة للسيطرة على مدينة الحسكة وإسقاط مطار دير الزور المحاصر والأحياء الموالية للدولة السورية في المدينة.
في غياب المبادرة الهجومية، توالت التقارير الغربية والعربية عن انهيار الجيش السوري وانحسار مهمات («من تبقّى فيه») بمنع سقوط دمشق والساحل، ليُفتح البازار السياسي والاعلامي حول جنوح
السلطات السورية نحو التسليم بالتقسيم، وترسيم حدود ما تبقى تحت سيطرتها.
التراجع الميداني لم يُقرأ عند المجموعات المسلحة والدول الراعية سوى باقتراب انهيار المنظومة العسكرية السورية، رغم تكبيد المسلحين خسائر لم تكن في الحسبان، خصوصاً في الجنوب السوري، ومنع تغيير خطوط السيطرة في مدينة حلب وريفها، وإيقاف اندفاعة المهاجمين عند حدود مكاسب «معركة إدلب». في الأثناء، كان الجيش يعمل على تغييرات عسكرية تمسّ الاستراتيجية العامة والتكتيك بالتعاون مع القوى الحليفة. هذه التغييرات ساهمت في تطويع آلاف العناصر الجدد في تشكيلات مختلفة، أهمها ما كشف عنه أمس رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش، أي «الفيلق الرابع اقتحام».
منذ أول من أمس، وُضع الجيش السوري أمام امتحان جديد. الحليف الروسي الذي يقدّم دعماً جوياً ولوجستياً غير مسبوق، لا تكفي ضرباته المركزة لانهيار المسلحين المتمرّسين في الحرب، لذا كان على الجيش أن يُظهر وجهه الجديد بالاقتحام والتثبيث ثم التقدّم نحو نقاط جديدة.
وهذا ما بدأ الجيش يظهره منذ «الهجوم الكبير» الذي انطلق في ريف حماه، إذ استطاعت قواته فتح جبهة واسعة من شرقي مدينة مورك إلى قلعة المضيق على حدود سهل الغاب في عملية من محاور عدة، ليسيطر على مساحة 50 كلم من محور مورك (معركبة، عطشان، سكيك، تلة سكيك، تلة الحوير) و20 كلم في محور المضيق (قرية المغير شرق القلعة، تل الصخر شمال شرق المغير، تل عثمان غرب كفرنبودة...). ثم أمس، أظهر الجيش ميزة جديدة في عمر الحرب المستمرة، بإضافته محورين أساسين في المعركة في ريف اللاذقية الشمالي وسهل الغاب.
انتفت الحاجة السابقة لنقل قوات كبيرة من محور إلى آخر، وإضعاف الوجود في منطقة لتعزيز أخرى.
هذا الامتياز الذي يسترجعه الجيش ساهم في تشتيت قوى المعارضة التي كانت تزجّ، مثلاً، في معارك سهل الغاب الأخيرة قوة كبيرة من إدلب وريفها وصولاً إلى ريف اللاذقية، مع علمها بأنّ المعركة ستتركّز في مسرح عمليات واحد.
صباح أمس، هاجمت وحدات الجيش قرية تل واسط استناداً من خربة الناقوس، وقوة أخرى انطلقت من جورين والبركة باتجاه قرية البحصة، وفي ريف اللاذقية الشمالي قوة من جب الغار باتجاه جب الأحمر وكفرعجوز والسرمانية.
وسيطر الجيش، والقوى الحليفة، على قرية البحصة لتبدأ بالتمهيد الناري نحو فورو والمنصورة.
وفي ريف اللاذقية الشمالي، سيطر الجيش على التلال المحيطة بجب الأحمر وتقدّم باتجاه السرمانية شمال سهل الغاب. وتشرف تلال السرمانية على سهل الغاب بالكامل، كذلك تقطع جب الأحمر طريق الإمداد بين ريف اللاذقية وجسر الشغور في ريف إدلب الجنوبي.
مصادر متابعة أكدت توزّع عدد كبير من مسلحي إدلب على الجبهات المتنقلة في أرياف حماه، إضافة إلى حركة نزوح كبيرة من مدينة إدلب وريفها باتجاه الحدود التركية.
المصادر تؤكد أنّ منطقة العمليات قد تتوسّع سريعاً على نحو مفاجئ للمسلحين ومشغليهم.
وعلى غرار أمس، لعبت الطائرات الروسية دوراً محورياً في استهداف مواقع المسلحين، إضافة إلى دخول المروحيات على خطّ المعركة.
وفي السياق، وفي ظهور نادر في تلاوة البيانات العسكرية، أكد رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش والقوات المسلحة، العماد علي عبدالله أيوب، أنه «بعد الضربات الجوية الروسية التي خفضت القدرة القتالية لداعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى، فقد حافظت القوات المسلحة السورية على زمام المبادرة العسكرية، وشكلت قوات بشرية مزودة بالسلاح والعتاد، كان أهمها الفيلق الرابع اقتحام».
وأضاف: «اليوم بدأت القوات المسلحة هجوماً واسعاً بهدف القضاء على تجمعات الإرهاب وتحرير المناطق والبلدات التي عانت من الإرهاب وويلاته وجرائمه».
«الناتو»: سنحمي تركيا من الروس... وواشنطن ترفض الحظر الجوي
لبّى وزراء الدفاع في حلف شمال الأطلسي «الاستغاثة» التركية باجتماع في العاصمة البلجيكية بروكسل. وأكّد الأمين العام لحلف «الناتو»، ينس ستولتنبرغ، أن «الحلف على اتصال دائم بتركيا لبحث الأوضاع في سوريا»، خصوصاً إن كانت أنقرة بحاجة إلى دعم إضافي من جانب الحلف.
ورحّب ستولتنبرغ بـ«المشاورات العسكرية بين روسيا والولايات المتحدة، التي ترمي إلى ضمان أمن الطيارين المشاركين في العمليات الجوية في سوريا». من جهتها، أعلنت واشنطن أنها «لم تتخذ أي قرار بشأن إقامة منطقة حظر جوي في سوريا». وحذّرت من «خطر المواجهة مع موسكو»، مؤكدة على «مواصلة النقاشات مع موسكو لإيجاد أفضل السبل لملاحقة داعش في سوريا». أما وزير الدفاع أشتون كارتر (الصورة)، فقد شدد على أن «بلاده لن تتعاون مع روسيا في سوريا ما دامت تدعم (الرئيس بشار) الأسد، بدلاً من أن تشجّع الانتقال السياسي للسلطة». كذلك توقّع «أن تبدأ روسيا بتكبّد الخسائر في سوريا نتيجة للهجمات التي تنظمها بالتعاون مع نظام الأسد». ورأى أن ما تقوم به روسيا في سوريا «خطأ استراتيجي سيؤدي إلى إطالة أمد الحرب».
الحكومة إلى «الكوما»
عملياً، فشلت تسوية الترقيات والتعيينات الامنية، فدخلت الحكومة خانة تصريف الاعمال، سواء قدّم رئيسها استقالته إلى الفراغ أو اكتفى بالاعتكاف. بعد الشغور الرئاسي والتعطيل النيابي، حان وقت التعطيل الوزاري. فهل سيبقى التوتر محصوراً في السياسة، أم ينتقل إلى العبث بالأمن؟
تقف الحكومة اليوم على عتبة تصريف الأعمال. محاولات دفعها إلى العمل باءت كلها بالفشل، أو تكاد. عملياً، لم يعد أمامها سوى عقد جلسة يتيمة لبحث ملف النفايات. لكن هذه الجلسة لن تكون مكتملة النصاب السياسي. فالمرجح أن يكون حضور التيار الوطني الحر وحزب الله في حده الادنى، أو أن يقاطعا. حلفاؤهما في تيار المردة وحزب الطاشناق أبلغوا رئيس الحكومة استعدادهم للمشاركة في جلسة لمجلس الوزراء، شرط أن يكون ملف النفايات بنداً وحيداً على جدول الأعمال.
النتيجة أن «جلسة النفايات» ستُعقد. وبعد ذلك، سيكون موقف التيار الوطني الحر وحزب الله والمردة والطاشناق موحداً: الحكومة لن تكون قادرة على العمل على قاعدة «الأمر الواقع» الذي يفرضه تيار المستقبل وحلفاؤه. هذه الخلاصة أفرزتها المفاوضات الفاشلة التي جرت خلال الأسابيع الماضية لحل أزمة التعيينات العسكرية والامنية، وترقيات ضباط في الجيش لإيجاد مخرج لـ»عقدة» العميد شامل روكز. النائب وليد جنبلاط «استسلم» أمس، فتوقف عن المحاولة، بعدما سُدّت في وجهه كل أبواب الحلول. وتُثير معلومات السياسيين «الدهشة» عندما يجزمون بأن الرئيس السابق ميشال سليمان رفض التجاوب مع مبادرات كلّ من جنبلاط والرئيس سعد الحريري والسفير الأميركي ديفيد هيل والسفير السعودي علي عواض العسيري، الذين سعوا لحل الأزمة ودفع مجلس الوزراء إلى معاودة العمل. الرواية «المدهشة» التي يتناقلها السياسيون بثقة تقول إن جنبلاط والحريري وهيل وعسيري تدخلوا جميعاً لدى سليمان، لإقناعه بالطلب إلى وزير الدفاع سمير مقبل حل أزمة ترقية روكز، إلا أن سليمان أصرّ على موقفه الرافض لأي تسوية.
مصادر سياسية تفسّر ما جرى بطريقتين: إما أنها مناورة من تيار المستقبل الذي لا يريد منح العماد ميشال عون أي مطلب في الحكومة، مهما كان الثمن، وإما أن نفوذ الحريري تراجع فعلاً، إلى حدّ أنه صار عاجزاً عن «المونة» على حليفه سليمان. ويقول أصحاب هذا الطرح إن قوة رئيس تيار المستقبل تضاءلت بفعل الإهمال السعودي للملف اللبناني، وخاصة إثر تمنّع الرياض عن حل أزمته المالية التي وصلت حدّتها إلى مستوى غير مسبوق. أضف إلى ذلك أنه حاول أن يلتقي الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في المغرب قبل أسابيع، «لكن الحظ لم يحالفه، فاكتفى بلقاء ولي ولي العهد، محمد بن سلمان، الذي لم يعده بحل أزمته المالية، مكتفياً بالقول: سنرى». وتلفت المصادر إلى أن هذا الوهن الذي أصاب الحريري يجعل حلفاءه متفلتين من ضرورة «الانصياع لطلباته». إلا أن أصحاب الرواية أنفسهم لا يُقنعون الكثير من القوى السياسية بأن سليمان ومقبل قادران على مواجهة الرغبة الأميركية، في حال توافرت هذه الرغبة جدياً.
كل النقاشات والآراء تخلص إلى أمر واحد: إلى رئاسة الجمهورية الشاغرة، ومجلس النواب المعطّل، سينضم مجلس الوزراء. رئيس الحكومة تمام سلام شكا في جلسة الحوار الأخيرة «ضعف حاله». قال إن أحداً من القوى السياسية لا يستجيب لطلباته، «حتى قادة الاجهزة الامنية ما بيردّوا عليي». وتحدّث في الحوار، وفي جلسات خارجه، عن عدم قدرته على الاستمرار إذا لم يكن مجلس الوزراء يعمل بأقل قدر ممكن من الانتاجية. وفي ظل إعداد التيار الوطني الحر لتظاهرته في بعبدا الاحد المقبل، وبعد العجز عن إيجاد حل لأزمة التعيينات والترقيات، باتت القوى السياسية مقتنعة بأن خروج الحكومة من الخدمة بات أمراً واقعاً، على أن يتم إعلانه رسمياً يوم 15 تشرين الأول الجاري، موعد إحالة روكز على التقاعد. وأتى قرار قائد الجيش أمس بتعيين قائد جديد لفوج المغاوير ــ العقيد الركن مارون القبياتي ــ خلفاً لروكز، ليظهر «ثقة القيادة» بأن روكز سيُحال على التقاعد، وأن أي تسوية لن تؤدي إلى إبقائه في الجيش. وفيما كان النائب وليد جنبلاط لا يزال يمنّي نفسه بأن يتمكّن السفير الأميركي من الضغط على قائد الجيش ووزير الدفاع لإقناعهما بالمضي في تسوية تبقي روكز في المؤسسة العسكرية، أكّدت مصادر سياسية وأخرى عسكرية أن قائد الجيش غير معني بالتسويات، والقرار بيد وزير الدفاع، «فليقنعوه».
وباتت القوى السياسية تتحدّث عن خشيتها من «الفراغ الحكومي» الذي سيُضاف إلى التعطيل النيابي والشغور الرئاسي، وإمكان تطوّره سلباً إلى درجة خلق أزمات أمنية، في ظل الوضع المتفجر الذي تشهده الدول المحيطة بلبنان.
من جهة أخرى، أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زواره، مساء أمس، في عين التينة، استمرار الحوار في جولات مقبلة، مشيراً الى أنه اقترح عقدها في 26 و27 و28 تشرين الاول و»تعويض الانقطاع عن الحوار حتى ذلك الوقت». وقال إن تأجيل الجلسات الى 26 من الجاري «ليس بسبب خلافات، بل من جراء الإنهاك الذي رافق جلسات الايام الثلاثة الاخيرة».
وإذ لاحظ أن المشكلة في الحوار «تكمن في تضييع الوقت»، لفت إلى أنه يتسلم من أعضاء الحوار اقتراحاتهم، وهو تسلم أمس اقتراحات النائب وليد جنبلاط، ولا يزال ينتظر اقتراحات فريقين اثنين بعدما استجمع معظم الاقتراحات، على أن تجري جوجلتها لاستخلاص قواسم مشتركة منها للحل.
وأكد بري «السعي الى رزمة حلول هي البنود المدرجة في جدول أعمال الحوار، وأولها البند المتعلق بانتخابات رئاسة الجمهورية وعدم تجاوزه». وشدد على أن طاولة الحوار «تلتزم جدول الاعمال ولم تخرج عليه إلا في بند ملح هو مشكلة النفايات». ولفت الى أن تداول بند الرئاسة في الجلسات الاخيرة «تناول مواصفات الرئيس المقبل دونما الخوض في الاسماء. وقد أظهرت روحية المواصفات في مداخلات الاطراف تقارباً في المواقف بعد سبع جلسات».
أضاف: «بل فاجأنا البعض في كلامه عن النسبية في قانون الانتخاب التي صارت قاعدة لا بد منها، ومقبولة مئة في المئة في أي قانون جديد. هناك أفرقاء يريدون النسبية مطلقة، كما أطالب أنا والعماد ميشال عون وحزب الله، وهناك من يطالب بنسبية مختلطة مع الاقتراع الاكثري، كما يطالب النائب وليد جنبلاط وتيار المستقبل».
إلا أن رئيس المجلس قال إنه «لا علاقة للحوار بالحكومة، وليس مسؤولاً عن عناوين عملها، كما أنه لا علاقة للحكومة بالانتخابات الرئاسية، وعليها أن تنصرف الى شؤون الناس ومعالجتها. لذلك من غير المقبول تعطيل الحكومة ومجلس النواب معاً».
ورأى أن لبنان «يمر في مرحلة صعبة، مثل خسارته عدداً من القروض الدولية، وأخشى ما أخشاه أن نخسر قرض البنك الدولي المخصّص لسد بسري نهاية السنة الجارية». لكنه شدّد على أن الأمن هو «الذي يمسك بالوضع، وكنت قلت للمجتمعين الى طاولة الحوار إذا لم تنجحوا فسيفرض الخارج عليكم الحل الذي لن يكون لمصلحتنا».
النهار
المواجهة الأشرس والأوسع منذ انطلاق الاحتجاج أين الدولة من تنامي العنف في الشارع؟
لم يكن أدل على التصعيد العنيف في المواجهة بين المتظاهرين من الحراك المدني والقوى الامنية طوال ساعات المساء امس وما ينطوي عليه هذا التصعيد من احتمالات مقبلة سوى مشهد محيط مبنى "النهار" في اول شارع ويغان الذي تحول ساحة لأشرس مبارزة حصلت منذ صدام 22 آب الماضي بين الحراك وقوى الامن الداخلي بعد انطلاق التحركات الاحتجاجية. ولعل دخول "سلاحين" جديدين في المواجهة هما حجار المتظاهرين ولجوء القوى الامنية تكرارا، ولكن بكثافة هذه المرة، الى استعمال القنابل الدخانية وخراطيم المياه فضلا عن العراك المباشر والهراوات والمفرقعات، عكس تصاعد الانسداد ايضا في لغة التعامل بين الدولة والحراك مما وضع المتظاهرين والقوى الامنية مرة جديدة "وجها لوجه" بعنف بالغ أدى الى وقوع عشرات الاصابات في صفوف الفريقين. وهو انسداد يسأل عنه في الغالب مجمل الوسط السياسي، الذي مكّن الحراك المدني في الايام الاخيرة من القبض على مزيد من الذرائع والمسببات والحجج لتصعيد تحركه عبر مجموعة اخفاقات تعاقبت تباعا على مرأى من الرأي العام الداخلي. وكان أول الاخفاقات انفجار العراك النيابي في جلسة لجنة الاشغال العامة والطاقة النيابية. وثاني الاخفاقات تمثل في دوران الحوار في مجلس النواب حول دوامة الفراغ الذي أخرج المتحاورين من حلقاتهم كما دخلوا خالي الوفاض. وثالث الاخفاقات تجسّد في العجز غير المفهوم عن تطبيق خطة معالجة أزمة النفايات على رغم اجتماعات المعنيين التي تصل الليل بالنهار على نحو شبه يومي .
لكن ذلك لم يحجب في المقابل انجراف بعض حملات الحركة الاحتجاجية الى منحى عنفي برز ليل امس عبر ظواهر عدة عكست اتجاهات "هجومية" معدة سلفا. وأفادت قوى الأمن الداخلي انها "منعت محاولة لاقتحام فندق "لو غراي" من جانب مشاغبين بعد تحطيم باب مدخله ومناشدة مسؤولين فيه لتدخل قوى الأمن".
في ظل هذه الاجواء خاضت مجموعات من حملات الحراك المدني مواجهات حادة مع القوى الامنية بعدما تحولت التظاهرة السلمية الى صدامات وأعمال شغب وكان فتيلها تقدم المتظاهرين الى الحاجز الاسمنتي الذي اقيم قرب مبنى "النهار" بعد سحب العوائق الحديد فردت القوى الامنية باستعمال خراطيم المياه والهراوات وقنابل الغاز المسيل للدموع. وتواصلت المواجهات طوال ساعات وسجلت حالات اختناق في صفوف المتظاهرين وأفاد منظمو التظاهرة ان ما لا يقل عن 35 متظاهرا أصيبوا في المواجهات. وفي المقابل أكدت قوى الامن الداخلي اصابة عدد من أفراد مكافحة الشغب بينهم ملازم في حال خطرة. كما أوقف عدد من المتظاهرين.
وبرز في هذا السياق موقف للأمانة العامة لقوى ١٤ آذار التي رأت "أن حرية التعبير التي كفلها الدستور و كرّسها ١٤ آذار مع انتفاضة الاستقلال شيء، والتخريب والإعتداء على الأملاك العامة وعناصر قوى الأمن والجيش شيء آخر".
وأضافت: "إن الأمانة العامة لقوى ١٤ آذار تتمنى على المتظاهرين تنقية صفوفهم من العناصر المشبوهة و تطلب من الحكومة أخذ التدابير اللازمة من أجل وضع حد للفلتان الذي تشهده العاصمة، لأن الفوضى لا تخدم إلا أعداء لبنان ولا تحقق مطالب الناس التي هي في حاجة إلى دولة لتلبيتها. لقد انزلقت التظاهرات في اتجاهٍ مشبوه ونطلب من كل المواطنين عدم السماح بإدخال لبنان في مجهولٍ أمني ودستوري وسياسي في مرحلة شديدة الخطورة".
سلام
على الصعيد السياسي، علمت "النهار" أن رئيس الوزراء تمام سلام، تلقى امس سلسلة اتصالات تمحورت على ضرورة عقد جلسة لمجلس الوزراء لمتابعة الملفات العاجلة لاسيما منها ملف النفايات الذي أعاد تأجيج الاحتجاج المدني الى الشارع. وكانت كتل "المستقبل" والكتائب و"اللقاء التشاوري" حضت الرئيس سلام على عقد جلسة. وأبلغت مصادر وزارية "النهار" أن من المرجح أن تعقد هذه الجلسة الاسبوع المقبل، على أن يكون موضوعها الرئيسي النفايات.
وصرّح وزير العمل سجعان قزي لـ"النهار" بأن "اللقاء التشاوري" الذي يضم وزراء الرئيس ميشال سليمان والكتائب وبطرس حرب وميشال فرعون يعتبر "عدم إنعقاد الجلسة نسفا للنظام في لبنان ويجعل السلطة التنفيذية ملحقة بالسلطة التشريعية". وقال: "كما أبلغنا الرئيس سلام ان اللقاء التشاوري لا يقبل إعتبار الرئيس سليمان ليس مكونا أساسيا وهو آخر رئيس للجمهورية ولولاه لما أبصرت الحكومة الحالية النور. كما أن نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل هو مكوّن أساسي ويمثل حالة ميثاقية للطائفة الارثوذكسية". وأضاف: "نحن كلقاء تشاوري متضامنون في ما بيننا ولا مجال لتفرقتنا".
ويشار في هذا السياق الى ان معلومات أوردتها امس "وكالة الانباء المركزية" عن تعيين قائد الجيش العماد جان قهوجي العقيد الركن مارون القبياتي قائدا لفوج المغاوير خلفا للعميد شامل روكز قبل سبعة ايام من احالة الاخير على التقاعد في 15 تشرين الاول الجاري. وعلم ان التسلم والتسليم بين روكز والقبياتي سيجري الثلثاء المقبل.
الحوار
في غضون ذلك، أصر رئيس مجلس النواب نبيه بري على "الفوائد التي يمكن جنيها من الحوار ولقاء رؤساء الكتل النيابية والبحث في البنود التي جرى وضعها وفي مقدمها انتخاب رئيس الجمهورية، النقطة – العقدة التي تشغل مختلف الافرقاء". وجاء تأجيل التئام الطاولة الى 26 تشرين الاول، بسبب سفر البعض وأحدهم بري الذي لا يمانع في انعقاد الحوار في 26 و27 و28 من الجاري للتعويض عن الانقطاع.
وتحدث رئيس المجلس عن اتمام سائر الافرقاء مسألة وضع المواصفات المطلوبة واسقاطها على شخصية الرئيس المقبل، وأنهم قاموا بهذا الواجب.
وكرر بري "للمرة المئة" أمام زواره أن "لا علاقة للحوار بالحكومة، حتى لو كان موعد جلسة الانتخاب غداً وستؤدي الى انتخاب رئيس".
اللواء
مواجهة بالقنابل والحجارة بين قوى الأمن والحراك المدني
14 آذار لمنع الفوضى وجلسة مجلس الوزراء قيد التشاور .. وتفريق المتظاهرين فجراً
في تطوّر هو الأخطر من نوعه، منذ بدء نشاطات الحراك المدني في الوسط التجاري لبيروت، كادت المواجهات بين حملات هذا الحراك والحامية المؤلفة من عناصر مكافحة الشغب في قوى الأمن الداخلي وشرطة المجلس النيابي والمكلفة بمنع المتظاهرين من الدخول إلى ساحة النجمة، ان تتجاوز الخط الأحمر وتهدد المجلس نفسه لولا الإجراءات الاضطرارية التي أقدمت عليها العناصر الأمنية باستخدام خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع، في وجه من وصفهم بيان قوى الأمن الداخلي «ببعض المشاغبين»، الذين اقدموا على «استفزاز عناصر مكافحة الشغب ومحاولة إزالة العوائق الحديدية والاسمنتية وقطع الشريط الشائك، ورشق العناصر بالحجارة وعبوات المياه والمواد الصلبة».
ومضىالبيان الأمني الرسمي إلى الكشف عن ان قوى الأمن «اضطرت إلى استعمال وسائل مكافحة الشغب من خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع التي تستخدم في أرقى الدول الديمقراطية حفاظاً على السلامة العامة ومنعاً لتفاقم الأمور».
واسفرت المواجهة التي خرجت عن المألوف واستمرت حتى ساعات الصباح الأولى، عن توقيف ما لا يقل عن 27 ناشطاً من شبان وفتيات وإصابة ما لا يقل عن 35 بجروح وحالات اختناق بينهم عناصر من قوى الأمن الداخلي، قدر عددهم بيان بـ50 إصابة، ومنهم ضابط تردّد ان حالته حرجة، إلاَّ ان وضعه الصحي أصبح مستقراً ليلاً، بحسب بيان لقوى الأمن.
وفيما ناشدت قوى 14 آذار الحكومة القيام بواجبها «لوضع حدّ للفلتان الذي تشهده العاصمة، لأن الفوضى لا تخدم إلاَّ أعداء لبنان»، واصفة التظاهرات بأنها «انزلقت في الاتجاه المشبوه»، داعية المواطنين إلى «عدم السماح لإدخال لبنان في مجهول أمني ودستوري وسياسي في مرحلة شديدة الخطورة»، كشفت مصادر قريبة من السراي الكبير ان الرئيس تمام سلام يدرس جدياً الدعوة إلى جلسة الأسبوع المقبل لمجلس الوزراء تكون مخصصة فقط لملف النفايات، وهذا الموقف سبق الحراك الذي بدأ قبيل السادسة من مساء أمس، وتزامن مع ترؤس الرئيس سلام اجتماعاً للجنة النفايات، بمشاركة الوزيرين نهاد المشنوق واكرم شهيب، في محاولة لحلحلة العقد التي واجهت خطة الوزير شهيب منذ انطلاقتها، أو التي طرأت، لا سيما لجهة المطالبة باستحداث مطمرين في البقاع وليس مطمراً واحداً، واحدهما يجب ان يكون في البقاع الشمالي، وهو شرط لا عودة عنه لفعاليات عنجر والحملات الداعمة لها للسماح باستحداث مطمر في المصنع.
وعلمت «اللواء» من مصدر وزاري واسع الاطلاع ان احتمالات عقد الجلسة بدت ضعيفة، في ضوء عدم نضوج معطيات القبول بالخطة، بصرف النظر عن مشاركة وزراء «التيار الوطني الحر» في الجلسة أم لا.
واعتبر المصدر ان الحكومة باتت في حكم المعطلة وهي دخلت في «الكوما» بعد ان تأجل الحوار، واتجهت الأنظار إلى ما يمكن ان يحدث في العشرين من الشهر الجاري، وهو موعد عقد أوّل جلسة لمجلس النواب ضمن عقده العادي، حيث ان لدى هذا المصدر معلومات ان أكثر من جلسة ستعقد في إطار جلسات تشريع الضرورة.
ولا يُبدي الوزير المكلّف أكرم شهيّب تفاؤلاً مفرطاً بإمكان تنفيذ الخطة، مكرراً أمام زواره أنه كمواطن ومسؤول قام بواجبه وعلى الآخرين أن يقوموا بواجباتهم ويسهّلوا وضع الخطة موضع التطبيق، قبل دخول موسم الشتاء على نحو يُفاقم المخاطر المترتبة عن بقاء النفايات في الشارع، وما تتسبب به من أمراض.
إلى ذلك، ربطت مصادر سياسية مطلعة بين المواجهة الجادة بين الحراك المدني والقوى الأمنية بالتطورات المحلية والإقليمية، سواء المتصلة بسقوط تسوية الترقيات والتعطيل شبه الكامل لمجلس الوزراء، حيث أن رئيس الحكومة يتهيّب للدعوة إلى جلسة غير منتجة، سواء في ما خص النفايات أو غيرها، وعشية الموقف التصعيدي المتوقّع من النائب ميشال عون في كلمته أمام التجمّع الذي دعا إليه في جوار قصر بعبدا بعد غد يوم الأحد، لمناسبة مرور 25 عاماً على إبعاده عن القصر، أو تلك الجارية في سوريا التي من شأنها أن تغيّر الأوضاع في المنطقة ولبنان لمصلحة فريق 8آذار، على الرغم من تأكيد الوزير جبران باسيل أن فريقه لن يستثمرها في الخلافات الداخلية.
وفيما نفت قوى الأمن ما تردّد عن توقيف متظاهرين جرحى في المستشفيات، مشيرة إلى أن «بعض المشاغبين يقومون بتحطيم آلة سحب النقود ATM قرب فندق «لوغراي» في وسط بيروت، بعد تحطيم مدخل الفندق وكاميرات المراقبة العائدة له، ساهمت التوقيفات في صفوف المتظاهرين إلى تأجيج المواجهات بينهم وبين العناصر الأمنية، وخروجها عن المألوف، حيث اشترط المتظاهرون عدم الخروج من الساحة قبل إطلاق سراح الموقوفين، وهو ما رفضه القضاء.
وأعلن هؤلاء أنهم سيستمرون في التظاهر والتصدي للقوى الأمنية إلى الصباح رغم أن أعداد المتظاهرين تضاءلت كثيراً، عمّا كانت عليه لدى التجمّع قرابة السادسة مساءً، ولا سيما عندما بدأت المواجهات بمحاولات إقتحام الحاجز الأمني، ونجاح بعضهم في تجاوز الأسلاك الشائكة، ورفعه قبل أن يصطدموا لاحقاً بخراطيم المياه، والتي استمرت حتى منتصف الليل، حيث تدخلت فرقة مكافحة الشغب لتفريق المتظاهرين الذين تراجعوا إلى ما بعد تقاطع ساحة الشهداء - رياض الصلح، وعمدت إلى توقيف عدد كبير من الناشطين تردّد أن من بينهم الناشط عماد بزي.
الترقيات
أما على صعيد الترقيات العسكرية، والتي اعتبرها أكثر من مصدر وزاري ونيابي بأنها أصبحت «فعل ماضي»، بعد صدور قرار من قائد الجيش العماد جان قهوجي بتعيين العقيد مارون القبياتي قائداً لفوج المغاوير في الجيش، خلفاً للعميد شامل روكز، وذلك قبل سبعة أيام من إحالته إلى التقاعد في 15 تشرين.
وأكدت مصادر عسكرية معنية لـ«اللواء» أن لا تسوية متفق عليها حتى الساعة، محذّرة من الإستهانة بآراء أعضاء المجلس العسكري الذي سيمتنع معظم أعضائه عن الموافقة على ترقية روكز.
وفيما توقع مصدر نيابي في كتلة «المستقبل» أن تكون ردّة فعل التيار العوني شلّ الحكومة أو «كرسحتها»، أعلن الوزير باسيل أن وزراء التيار لن يخرجوا من الحكومة، إلا أنه شدّد بأن «لا حكومة من دوننا»، وأن لا حل للمشكلة التي ستكبر وتتفاعل إلا بالتراجع عن القرارات بتأجيل تسريح قائد الجيش والمدير العام لقوى الأمن الداخلي.
مواصفات الرئيس
من جهة ثانية، علمت «اللواء» أن الرئيس فؤاد السنيورة عرض لنواب الكتلة التي اجتمعت أمس، بدل موعدها الأسبوعي الثلاثاء لمصادفته مع انعقاد الحوار، المواصفات التي قدمها لانتخاب رئيس الجمهورية والتي تؤكد على الالتزام بالدستور، وأن يكون الرئيس المقبل مقبولاً من بيئته ومن سائر البيئات اللبنانية، مشيراً إلى أن رئيس المجلس ينتخبه النواب الذين يمكنهم نزع الثقة عنه بعد سنتين، وكذلك الأمر بالنسبة لرئيس مجلس الوزراء، في حين أن رئيس الجمهورية يُنتخب لمدة ست سنوات، ولا يمكن نزع الثقة منه طيلة مدته، ولذلك يجب أن يحظى بقبول سائر البيئات اللبنانية.
ونفى المصدر أن تكون الكتلة قد ربطت بين اجتماع مجلس الوزراء وبين الحوار، مشيراً إلى أن المطالبة بعقد جلسة سريعة لمجلس الوزراء لمتابعة ومواكبة تنفيذ خطة الحكومة لمعالجة مشكلة النفايات لا يعني ربط الجلسة بالحوار، مشدداً بأن الكتلة ما تزال متمسكة بأولوية الإتفاق على انتخاب رئيس الجمهورية، لافتاً إلى أن اقتراح النائب وليد جنبلاط بالسير بالسلة الكاملة، ممكن أن يأتي من ضمن سياق النقاش العام، لكن من دون أن يكون قانون الانتخاب هو الموضوع الأساسي، مذكراً بالتوصية التي أقرّها مجلس النواب بالإجماع بأن لا يقرّ قانون الإنتخاب إلا بعد إنتخاب رئيس الجمهورية .
السفير
المتظاهرون يطالبون بإسقاط النظام واستقالة "المشنوقين"
"حراك" الخميس: اعتقالات وإصابات
كاد بيان "الحراك المدني" في ساحة الشهداء في بيروت أن يصل إلى نقطة النهاية، وكادت التظاهرة الشعبية التي ضاقت ذرعاً بممارسات السلطة ورموزها أن تخلي ساحة التظاهر وتتفرق شِيَعَاً، إلا أن العقل الأمني الذي يدير "معركة" السلطة ضد الشعب، أبى أن يترك تحرك اليوم ليصل إلى خواتيمه التي أراد منظمو "الحراك" أن تكون سلمية و"بلا ضربة كف".
شارع "ويغان" المحصن بجدار حديدي قائم على قواعد إسمنتية، كان الشاهد على اعتقال عدد من المتظاهرين بينهم بيار حشاش ووارف سليمان وسينتيا سليمان، الذين نزلوا إلى الشارع، مع من نزل للمطالبة بالحق في العيش الكريم، كذلك فقد شهد الشارع نفسه على طول نَفس شعب أراد الحياة بكرامة تقيه ذل الموت أمام المستشفيات.
لم يعتد "الحراك" مهادنة السلطة وأمنها. أمهل القوى الأمنية ربع ساعة لإطلاق سراح شبابه المعتقلين، مهدداً بتخطي الحائط الذي يفصله عن ساحة النجمة. دقائق معدودة وجاء جواب الأمن عبر مدافع المياه التي أثبتت عجزها أمام إصرار المحتجين مرة تلو الأخرى، لأن من نزل إلى ساحات التظاهر كان بأمس الشوق إليها (المياه)، وهي الزائر الذي لا يأتي إلى بيوت اللبنانيين إلا بشكل متقطع. استقطبت مياه السلطة المتظاهرين بدل تفريقهم، إلا أنها تسببت بإصابات عدة في صفوفهم. هكذا أصيب الناشط عماد بزي في أذنه، الذي عانى صعوبات في السمع فنقل على أثرها إلى المستشفى للعلاج.
الهجمة المائية التي نفذها عناصر مكافحة الشغب لم تفلح في إحباط عزيمة المتظاهرين. أعاد هؤلاء تنظيم صفوفهم. تقدموا بثبات لينفذوا وعدهم، تكاتفوا معاً واقتلعوا الستار الحديدي، ثم عملوا على نقله ليغلقوا به شارعاً مجاوراً كانت قوات مكافحة الشغب تتجمع في نهايته، وتتحضر للإنقضاض على المتظاهرين عندما تحين لحظة المواجهة، فبات التحرك "مضطرا غير باغ" على مواجهة الأمن بأسلاكه الشائكة نفسها.
لم تعد القواطع الإسمنتية تشكل حائلاً أمام جموع المتظاهرين، أسقطوها بأيديهم وأزاحوها من مكانها. استشعرت القوى الأمنية خطورة ما أقدمت عليه. تحركت قوات مكافحة الشغب بعصيها لتنهال بالضرب على متقدمي التحرك، فيما تلبدت الأجواء بدخان القنابل المسيلة للدموع الذي ارتفع في فضاء الساحة حاجبا تمثال الشهداء وشعلة الحرية.
تسارع الأحداث خلط أوراق "الحراك" والسلطة معا. لم يجد المحتجون في جدار القوى الأمنية سوى أنه "جدار العار الذي يحمي زمرة سياسية مغتصبة للسلطة من أهلها الحقيقيين.. جموع الشعب اللبناني". لحظات تبدل المشهد، زاد عناصر الأمن من إطلاق القنابل المسيلة للدموع، ما أدى إلى إصابة عدد من المعتصمين بحالات اختناق.
علت الأصوات التي كانت تطالب باستقالة وزير البيئة محمد المشنوق "لفشله في إدارة أزمة النفايات"، وصدحت بالشعار الشهير "الشعب يريد إسقاط النظام"، داعية أيضاً وزير الداخلية نهاد المشنوق إلى الإستقالة بعد التعاطي العنيف من قبل القوى الأمنية.
حسم "الحراك المدني" أمره. وحدد المتظاهرون لاءات ثلاث: "لا مغادرة للساحات، لا رضوخ للترهيب الأمني ولا للتخلي عن المعتقلين"، وهذا المطلب الأخير (إطلاق المعتقلين) تم إدخاله كبند أساسي في بيان "الحراك" الذي كان منظمو التظاهرة قد أصدروه في وقت سابق وطالبوا فيه "بتحويل الأموال للبلديات، وتخلي السلطة عن تقاعسها والتحرك من أجل تحرير العسكريين المختطفين في جرود عرسال منذ أكثر من سنة، وإقرار قانون انتخابي جديد".
لاحقا أصدرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، بيانا عقبت فيه على الأحداث في ساحة الشهداء، مبررة التصرف العنيف لعناصرها، بإقدام "بعض المشاغبين على استفزاز عناصر مكافحة الشغب ومحاولة إزالة العوائق الحديدية والإسمنتية"، موضحا أن "بعض المتظاهرين قام برشق العناصر بالحجارة وعبوات المياه والمواد الصلبة، ما تسبب بسقوط إصابات في صفوف القوى الأمنية"، مشيرة إلى أنها "وبهدف الحفاظ على السلامة العامة ومنعاً لتفاقم الأمور. اضطرت إلى إستعمال وسائل مكافحة الشغب التي تستخدم في أرقى الدول الديموقراطية".
وعلى الرغم من تراجع أعداد المتظاهرين، إلا أن هناك من فضل منهم البقاء لمواجهة ممارسات القوى الأمنية، ولتبقى الساحة وكأنها "أرض معركة" لا يعلو في سمائها إلا دخان القنابل المسيلة للدموع.. وهتافات الغاضبين.