الارباك والتخبط الذي تعيشه تركيا هذه الأيام، كونها "أحد أكبر الخاسرين من التدخل الروسي في سورية"
تصريح لافت صدر عن رئيس الوزراء التركي أحمد داود اوغلو، عقب مرور أيام على بدء الغارات الروسية في سورية. يقول اوغلو، الذي تعتبر بلاده الداعم الأكبر لعدد كبير من التنظيمات المسلحة في سورية ومنها تنظيم داعش، نقلاً عن وكالة الأناضول إنه "اذا كان الغرض من الغارات الروسية مواجهة تنظيم داعش، فلنواجهه جميعنا".
يؤكد ذلك الارباك والتخبط الذي تعيشه تركيا هذه الأيام، كونها "أحد أكبر الخاسرين من التدخل الروسي في سورية"، بحسب الخبير في الشأن التركي محمد نورالدين، مما يفسر هجومها على الخطوة الروسية التي تهدف الى محاربة الارهاب، والقول إن "الغارات الروسية في سوريا ليست موجهة ضد داعش"، بحسب اوغلو، اضافة الى استخدام عضويتها في الحلف الأطلسي ودعوته للتدخل وحمايتها، فجاء الرد على لسان أمين عام الحلف ينس ستولتنبرغ بأن "الناتو سيدرس خلال الأشهر القادمة الاحتياجات الأمنية الجديدة التي ظهرت عند حدوده الجنوبية"، مما يعكس عدم وجود رغبة لدى الحلف بالتصعيد اتجاه روسيا.
هنا يحضر سؤالان: ما الأسباب الكامنة خلف الارباك التركي؟ وفي ظل استمرار الغارات الجوية الروسية، وما تنقله التقارير الاستخباراتية والعسكرية عن فعالية هذه الغارات لجهة ضرب المراكز الأساسية والحيوية للتنظيمات الارهابية وتشتيت الأخيرة واضعافها، هل تستخدم تركيا من قبل واشنطن والغرب كبوابة رئيسية لمواجهة الحلف المدعوم من روسيا، خصوصاً عقب بدء العملية العسكرية البرية الهادفة الى استعادة مناطق في الشمال السوري، سبق أن شكلت السيطرة عليها أحد أهم الانجازات للمسلحين والداعمين لهم وعلى رأسهم انقرة.
الغارة الأولى لروسيا في سورية، كانت بمثابة صدمة لتركيا، يقول نور الدين في حديث لموقع المنار، عازياً ذلك "ربما لضعف استخباراتي لدى تركيا، جعلها تستبعد اقدام موسكو على هذه الخطوة الجريئة بعد مرور أربع سنوات على الأزمة في سورية". الصدمة دفعت أنقرة الى اصدار "مواقف غير واقعية"، على غرار موقف اوغلو، وتصريحات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عن أن "لروسيا مصالح تجارية مهمة في تركيا في قطاعي الطاقة النووية والغاز الطبيعي، ويجدر بها ألا تخسرها من أجل سورية"، في وقت تعد فيه تركيا هي الخاسرة من تدهور العلاقات مع روسيا وليس الأخيرة، لأن "54% من احتياجات تركيا من الغاز الطبيعي مصدرها روسيا، اضافة الى عقد موقع مع موسكو يقضي ببناء الأخيرة محطة اكويو النووية في ولاية مرسين التركية مقابل 21 مليار دولار"، يوضح نورالدين.
بالنسبة لتركيا، فإن ما قبل التدخل الروسي العسكري في سورية ليس كما بعده، فبعد هذا التدخل وجدت هذه الدولة الاقليمية نفسها في مواجهة مع روسيا، التي تعتبر دولة عظمى، بعد أن كانت في مواجهة مع النظام السوري. يترتب على ذلك، بحسب الخبير في الشؤون التركية، "سقوط لفكرة اقامة منطقة عازلة بين سورية وتركيا أو منطقة حظر جوي"، في ظل ضرب الأداة الأهم والأقوى التي كانت تستخدمها تركيا في سورية لأهداف كثيرة: داعش.
هنا لا بد من تكرار ما يؤكده خبراء في سياق شرح أسباب الدعم التركي لداعش، التي تمثل "حاجة أمنية وسياسية وإقتصادية لأنقرة، لجهة أنها تمكنها من لعب دور قوي في مشروع اسقاط النظام السوري، ومحاربة الأكراد، أعداء تركيا، داخل العراق وسورية، ومنعهم من انشاء كيان مستقل في سورية"، الأمر الذي يؤكده نور الدين، لافتاً الى أن "الأكراد تربطهم علاقات جيدة بالروس".
مقابل ذلك، وعند الحديث عن الرد التركي، يؤكد نورالدين أن تركيا مكبلة ومربكة وهذا ما يفسر "لجوءها للأطلسي"، لكنها تبقى حتى الآن "الداعم الميداني الأكبر للتنظيمات الارهابية المنتشرة في سورية"، بحسب الخبير في الشؤون العسكرية الياس فرحات. هنا يحضر السؤال حول مسار الأحداث بعد دخول طائرات السوخوي المجال الجوي السوري، هل يعتبر الحلف المقابل تحديداً واشنطن أن الخطوة الروسية تأتي بمثابة أمر واقع، وهذا الاحتمال تفسره التصريحات والمعلومات عن اتصالات روسية اميركية عقب الخطوة الروسية "بهدف التنسيق، وأن هناك رغبة اميركية بالقضاء على التنظيمات الارهابية، تمهيداً لبدء تسوية سياسية"، أم أن الحلف المقابل سيتخذ قرار المواجهة؟
في هذا السياق، يوضح فرحات، في حديث للموقع، أنه "لا يمكن الدخول في تسويات سياسية من دون القضاء على الارهاب. بالنسبة للارهاب في سوريا فهو ليس عبارة عن تنظيمات ارهابية عادية بل جيوش ارهابية تشكل تركيا القاعدة اللوجستية لها وتتلقى تمويلا من بعض الحكومات والشخصيات الخليجية"، مضيفاً أنه "قد تطول هذه الحرب أو تقصر استتنادا الى نوايا تركيا ودول الخليج في استمرار دعم الارهابيين، أو التخلي عنهم بايعاز غربي واميركي. اذا قررت هذه الدول مواجهة روسيا فنحن امام حرب طويلة، اما اذا اذعنت للارادة الروسية وامتنعت عن مواجهة الروس فنحن امام حسم عسكري سريع يليه تسوية سياسية لا مكان للارهاب فيها".