كانت السنة الهجرية الفائتة من أصعب السنوات وأخطرها على العرب والمسلمين، حيث عاشوا فيها أصعب التحديات
حيا العلامة السيّد علي فضل الله الشَّعب الفلسطينيّ الَّذي لا يدافع عن فلسطين والأقصى فحسب، بل عن كرامة الأمة كلّها أيضاً، مؤكّداً أنه يصنع فجراً جديداً قد ينقلنا من واقع الفتن الداخليَّة إلى الحرب على العدوّ الحقيقيّ للأمة.
وجَّه سماحته رسالة لمناسبة رأس السنة الهجرية الجديدة، جاء فيها:
"تمثل هجرة النبي(ص) حدثاً مفصلياً وتأسيسياً في الواقع الإسلاميّ وحياة المسلمين، حيث انطلق من خلالها الإسلام إلى العالم، وقد مثّلت تعديلاً لمسار التاريخ الإسلاميّ من مرحلة الضّعف إلى مرحلة القوّة، ومن مرحلة تلقّي الصّدمات والعدوان من الآخرين، إلى مرحلة صناعة القوة ومواجهة التحدي بتحدٍّ مضاد.. وحملت رسالة القيم والعدل والأخلاق إلى العالم.
وقد كانت السنة الهجرية الفائتة من أصعب السنوات وأخطرها على العرب والمسلمين، حيث عاشوا فيها أصعب التحديات، من خلال الفتن والحروب التي عصفت بواقعهم، وعاشوا ولا يزالون آلام الهجرة، وخصوصاً في العراق وسوريا واليمن، في كلّ الفتن المتحركة والمتنقّلة التي حاصرت بلادنا الإسلامية وجعلتها من أكثر بلاد الأرض التي تعيش المخاطر وتبتعد عن الأمن والهدوء والسّلام.
ربيّ والإسلاميّ بات في أيدي الآخرين، وخصوصاً الدول الكبرى الّتي تتحكَّم بمسار الأمور، وبات الحديث عن دولة تدعم هذا المحور الّذي يُعطى صفة مذهبيَّة معينة، وأخرى تدعم المحور الآخر الذي يُعطى صفة مذهبية أيضاً، وكأننا كرة تتقاذفها المحاور الدولية، التي لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح السنة والشيعة ولا العرب والمسلمين، بل تفكّر في مصالحها وأهدافها.. وربما أصبحنا ميداناً من ميادين التجربة للأسلحة الجديدة، من دون أن نتلمّس خطوط الحل التي لا يمكن أن تأتي إلا من خلال الحوار الَّذي نأمل أن ينطلق على المستوى الداخلي في كلّ بلد من بلداننا التي تعيش الفتن والانقسامات، كما نـأمل أن ينطلق الحوار بين الدول الإسلامية نفسها، لا أن تظهر الدول الغربية أو الشرقية، بأنها هي الساعية لردم الهوة وترتيب العلاقات الإسلامية ــ الإسلامية.
إنَّنا نرى أنه لا سبيل لمواجهة هذا الواقع المأزوم وهذا التَّصاعد في العنف التكفيريّ، إلا بتكاتف المسلمين ووحدتهم، والاعتبار من الهجرة التي أسهمت وحدة الموقف فيها والالتزام بتوجيهات القيادة المتمثلة برسول الله(ص) في ضمان قوة المسلمين، حتى تمكّنوا بعد ذلك من التحوّل إلى عصر الانتصارات الكبرى... ولا شكَّ في أنَّ الحاجة تدعونا جميعاً، وفي هذه الأيام بالذات، إلى التمسّك بالقرآن وهديه وسنَّة الرسول(ص) وتعاليم أهل بيته(ع)، لكي ننهض من كبوتنا، ونسترجع وحدتنا، ونعزّز عناصر القوة في واقعنا.
إنَّنا ومع كلّ ما نشهده من آلام وجراحات، وما نعانيه من فتن وحروب، نتطلَّع إلى فلسطين لنجد الأمل في هذا الشَّعب الصّابر والصّامد، وفي هؤلاء الفتية الَّذين لا يدافعون عن المقدّسات وعن أرض الإسراء والمعراج فحسب، بل يذبّون عن العرب والمسلمين جميعاً، ويقدّمون النّموذج للأمّة كلّها في كيفية نقل المعركة من معارك الفتن والصراعات الداخلية إلى المعارك الاستراتيجية الكبرى التي توجّه فيها البوصلة إلى العدوّ الحقيقي..
إنَّنا في الوقت الَّذي نحيي هذا الشَّعب الأبيّ الّذي تحمّل ويتحمّل أوزار كلّ هذا الضّعف العربيّ والانقسام الإسلاميّ، نشدّ على يده ليصنع للأمة كلّها فجراً جديداً ينتقل بها من ظلمات الفتن إلى آفاق الوحدة والعزة والإباء".