رغم كل ما تحيكه "اسرائيل" من مؤامرات في هذا العالم العربي والاسلامي منذ عشرات السنين، لانهاء معالم القضية الفلسطينية ، أثبتت التجارب ان الفشل يلاحق العدو بفضل وعي الشعب الفلسطيني والمقاومة بشكل عام.
ذوالفقار ضاهر
رغم كل ما تحيكه "اسرائيل" من مؤامرات في هذا العالم العربي والاسلامي منذ عشرات السنين، لانهاء معالم القضية الفلسطينية وطمسها، بما يخدم كل الافكار الصهيونية في الاراضي المحتلة وكل المنطقة لتنفيذ مخططات الاستكبار العالمي برئاسة ادارة الشر الاميركية، فقد أثبتت التجارب ان الفشل يلاحق كل تلك المؤامرات بفضل وعي الشعب الفلسطيني والمقاومة بشكل عام.
فلا ما يسمى "الربيع العربي" ولا "الفوضى المنظمة والخلاقة" ولا قبلها الاحتلال والقصف والتقسيم والجرائم من غزة الى الضفة الغربية مرورا بالداخل الفلسطيني المحتل لا سيما في القدس، وصولا الى جنوب لبنان وما تعرض له من اجتياحات وعدوان متكرر وصولا الى الجولان السوري وقبله سيناء والاردن وكل اعتداء على اي ارض عربية بهدف تركيع المواطن العربي العادي والبسيط قد نجح لإبعاده عن فلسطين، المحور والقضية.
ورغم كل الاتفاقيات التي عقدت فوق الطاولة وفي السر مع العديد من الانظمة العربية، ورغم التنسيق مع السلطة الفلسطينية ورغم كل محاولات إلهاء الشباب العربي وبالاخص الفلسطيني بمسائل كثيرة لاغفالهم عن قضيتهم الاساس، فشلت "اسرائيل" بكل ما تملك من دعم ووسائل وقدرات في دفع هذا الشباب الفلسطيني للابتعاد عن ارضه او تعلقه بها، رغم تخلي كل الانظمة الرسمية العربية عنها إلا قليلا، فمن لم يتواطأ وبقي على ثباته في صف فلسطين ودعم مقاومته يحاولون تدفيعه الاثمان المختلفة.
ومع كل ذلك بقي الشعب الفلسطيني على جهوزيته وقناعاته ومبادئه وثوابته في رفض المساس بالمقدسات وبـ"قضيته الام"، فوقف هذا الشعب اليوم بلحمه الحي واستخدم ما يتاح له في ما يسمى داخل "حدود 48" من حجر ليضرب او سكين ليطعن او سيارة ليدهس، لمواجهة ما خطط له الصهاينة منذ البداية ألا وهو المساس الفعلي بالمقدسات وفي طليعتها القدس والمسجد الاقصى.
فتحرك الشباب الفلسطيني هذا لا يمكن قراءته بشكل عابر لان بقاء هذا الشعب "العنيد" الى أبعد الحدود على ثباته، رغم كل ما تعرض له منذ عشرات السنين يؤكد فشل فكرة الكيان الاسرائيلي عمليا وعدم قابليته للحياة بشكل طبيعي وعادي، فالشباب الفلسطيني الذي يقاوم اليوم وينتفض بـ"السلاح الابيض" هو شباب بغالبيته من الجيل الذي لا يعرف فلسطين بما تعنيه من معاناة ولجوء ومخيمات واجتياحات وقصف اسرائيلي، وكما يقال هذا الجيل ولد وعاش داخل الكيان الغاصب، وهو الجيل الذي راهن عليه مؤسسو "الكيان العبري" من الصهاينة المخضرمين، بأنه جيل سينسى ارض الاجداد والآباء وسيبتعد عن فلسطين وسينغمس في ملذات الحياة والعولمة وما تقدمه له حكومات العدو من "خدمات" قد لا يجدها في الضفة الغربية او في قطاع غزة.
والنضال الفلسطيني المتجدد هذا عبر السنوات يؤكد ان العدوانية الاسرائيلية بطبيعتها مهما اشتدت، لا يمكن ان تقضي على التاريخ والجغرافيا والتراث والاديان والانسان في فلسطين والشرق الاوسط ولبنان وسوريا والاردن...، فمهما حاولت الادارة الاميركية من تقديم الدعم للصهاينة على مختلف الصعد، إلا انها لن تستطيع القضاء على فكرة فلسطين التي يبدو أنها مغروسة في النفوس كما هي جذور شجرة الزيتون ضاربة في عمق الارض الفلسطينية لا يمكن للاحتلال اقتلاعها مهما اشتدت رياح ظلمه وطغيانه، فقد يسرقها المحتل ويدعي ملكيتها لفترات زمنية معينة إلا ان فلسطين وزيتونها وزيتها المقدس كما مقدساتها لا تسقط ملكيتها بمرور الزمن ولا تتقادمها الايام، ولكن بالعكس هذه الايام كلما مرت ستؤكد ان التمسك بها يزداد صلابة ويترسخ في الوجدان ليتحول في لحظة الحقيقة الى انتفاضة على الذات الصامتة لتقاوم العدو الحاقد.
حول كل ذلك، اعتبر عضو المكتب السياسي لـ"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" علي فيصل ان "الباعث الاكبر لهذه الهبة الشعبية التي تمتد على كامل أرض فلسطين التاريخية هو سياسة الاحتلال الاسرائيلي العدوانية"، واضاف "من الاستيطان والتهويد الى الجرائم وانسداد العملية السياسية التي شاهد الشباب الفلسطيني نتائجها بما أدت الى نتائج كارثية ولم تفضِ الى حلول سياسية بما يؤدي الى انهاء الاحتلال الاسرائيلي او اعادة كافة الحقوق الى الفلسطينيين".
ولفت فيصل في حديث لموقع "قناة المنار" الى ان "الشعب الفلسطيني عاش حالة تراكمية من الظلم العدوان أدت الى هذا الانفجار الذي شمل الضفة والقطاع ومناطق حدود عام 48"، ورأى ان "هذه الهبة الشعبية وضعتنا أمام مرحلة انتقالية سابقة لانطلاق الانتفاضة الشعبية الشاملة التي توحد الارض والجغرافيا والديمغرافيا الفلسطينية لانتزاع كافة الحقوق".
وأكد فيصل ان "هذه الهبة ستتواصل فصولا وسمتها انها وطنية عارمة تشارك فيها كل المكونات الفلسطينية"، ولفت الى ان "البعض راهن ان كل هذه الاتفاقات الامنية والسياسية والاقتصادية مع العدو ستخلق حالة جديدة وبيئة شعبية فلسطينية تتعايش مع الاحتلال في إطار ما يسمى حكم ذاتي موسع"، وأوضح ان "كل الممارسات الصهونية لم تستطع ان تطفئ جذوة المقاومة في نفوس هؤلاء الشباب طوال هذه السنوات التي مرت بل بالعكس جرائم العدو هي التي أججت روح المقاومة الانتفاضة والوقوف بوجه الظلم".
وحول امكانية انتقال الهبة الشعبية الى انتفاضة، قال فيصل إن "هذه الهبة الشعبية كي تنتقل الى انتفاضة تحتاح الى مكونات وعناصر"، واضاف "صحيح ان العنصر الموضوعي المتمثل بالاحتلال موجود وقائم إلا اننا نحتاج ايضا الى العامل الذاتي المتمثل بتوفر الارادة السياسية الفلسطينية الجامعة لمواصلة هذا الفعل الشعبي ليرتقي الى انتفاضة وإنهاء الانقسام وتشكيل قيادة ميدانية موحدة تدير الانتفاضة وتدير الحراك في اطار خطة وبرنامج سياسي يكون له أهداف"، وشدد على "ضرورة ان لا تتوقف الانتفاضة إلا بإنهاء الاحتلال والاستيطان واقامة الدولة الفسلطينية المستقلة وانتزاع حق العودة للاجئين الى ديارهم وتوفير مقومات الصمود الاجتماعي للشعب الفلسطيني".
وبالنسبة لاولويات الحراك الشعبي الفلسطيني، اعتبر فيصل ان "الاولوية اليوم هي للعمل على توسيع رقعة الحراك وتكبير كرة النار الشعبية لتوسيع حجمها على كل الاراضي الفلسطينية المحتلة ولتجمع كل الفصائل لتحقيق أهدافها ومنها إنهاء كل أشكال التنسيق مع العدو واعلان الغاء اتفاقية اوسلو"، ولفت الى ان "الحراك في الميدان تجاوز حالة الانقسام السياسي"، ودعا "لاجتماع عاجل للجنة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية والتي تضم جميع الفصائل للاتفاق على خطة واستراتجية فلسطينية موحدة وتشكيل حكومة وحدة وطنية موحدة".
وعن جدوى تحريك العمل العسكري المقاوم وضرورته اليوم، قال فيصل إن "الشعب الفلسطيني يبتدع في الميدان الاشكال المناسبة مع المرحلة لمواجهة الاحتلال"، ولفت الى ان "الطعن والدهس وغيرها من الاساليب الفلسطينية فعالة اليوم بشكل كبير لانها تخيف الصهاينة وتجعلهم يعيشون في رعب عظيم"، وتابع "يمكن في لحظة معينة محددة ان يتداخل العمل العسكري الهادف لدعم الحراك الشعبي"، واضاف "الهدف الآن حماية امن شعبنا وتوسيع رقعة المقاومة والانتفاضة".
ورأى فيصل ان "تواصل هذه الهبة او الانتفاضة ستجعل هناك نوعا من التعاطف الشعبي العربي والاسلامي معها"، واكد انه "لا يمكن الوثوق او الرهان على النظام الرسمي العربي او جامعة الدول العربية او منظمة العمل الاسلامي ولا على الامم المتحدة"، وشدد على ان "الاتكال اليوم هو على الشعب الفلسطيني والشعب العربي وعلى المقاومة في فلسطين ولبنان على الدول المتحررة من ايران الى اميركا اللاتينية وغيرها من احرار العالم لدعم الشعب الفلسطيني في معركته"، داعيا "السلطة الفلسطينية الى التحلل نهائيا من الاتفاقات السياسية والامنية مع العدو لان هذا العدو لا يفهم إلا لغة القوة والمقاومة التي تردعه عن القيام بجرائمه".
وأفضل ما يمكن به وصف حالة الشعب الفلسطيني، هو ما قاله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمته خلال إحياء الليلة الاولى من المجالس العاشورائية مساء الاربعاء 14-10-2015 "... نسجل من جديد أن هذا الشعب الفلسطيني يفاجئ العالم دائما بتجدده، بتغلبه على جميع المصاعب، على جميع عوامل اليأس والإحباط لقدرته على صنع الأحداث وفرضها على العالم بإبداعه بأشكال جديدة في المقاومة تستطيع أن تضع أقوى كيان بوليسي مدجج بالسلاح بحالة حيرة وذهول وارتباك..".