وما رميتَ إذ رميتَ قلبَ بثينة، يا شجاع، ما كانت الرصاصة لتكون في طريقها إليكِ لولا عشرات النصوص التي رسمت خارطتها وحددت أحداثياتها
علي الديري*
«كانت تطمح لخدمة الإنسانية والوطن عبر التحاقها بكلية الطب»
عم الشهيدة جعفر العباد
وما رميتَ إذ رميتَ قلبَ بثينة، يا شجاع، ما كانت الرصاصة لتكون في طريقها إليكِ لولا عشرات النصوص التي رسمت خارطتها وحددت أحداثياتها، وما رميت إذ رميت يا شجاع الدوسري، لكن ابن تيمية ومحمد عبدالرهاب رمى.
بقلبها الموالي للإنسانية تلقت بثينة رصاصة البراءة من الإنسانية، لتكون شاهدة على ما تفعله نصوص التوحش في قلب الحاضر، لقد خدمت بثينة الإنسانية بقلبها الذي سيظل نصاً ناصع البياض ضد نصوص شديدة السواد. ليست (البراءة) هنا كلمة أدبية أو شاعرية، بل هي مفهوم عقائدي مركزي في نصوص التوحش، وهو يعني التبرؤ بالقلب واليد واللسان من الذين لا يؤمنون بعقيدة التوحيد السلفية التي سكها ابن تيمية.
البراءة هي التوحيد العملي في تعاليم ابن تيمية ومحمد عبدالوهاب. هي ملة إبراهيم كما يشرحها تلميذهما الوفي أبو محمد المقدسي الذي يقول “ملة إبراهيم إذاً هي طريق الدعوة الصحيحة التي فيها مفارقة الأحباب وقطع الرقاب”. أن تتبرأ من بثينة العباد وتنكر عليها توحيدها الذي هو شرك يخطو بها نحو الحسينية الحيدرية (معبد للرافضة الشركيين حسب بيان داعش). التوحيد النظري الذي تدرسه جامعات المملكة وجوامعها لا يكفي. تحتاج توحيد عملي وهو الكراهية وهي لا تكفي فلا بد أن تعضدها بالبغض، وهو لا يكفي فلا بد أن تعضده بالبراءة البادية الظاهرة، وهي موقف عملي يتطلب الإعلان “لا بدّ أيضاً من أن تكون العداوة والبغضاء باديتين ظاهرتين بيّنتين”
وأفضل شكل لهذا الإعلان، هو ما يتجسد عمليا بحيث يُرى ويظهر ويُلمس ويُسكت النفس الأخير أي أن تقتل من تعتبرهم عقيدتك التوحيدية مشركين وكفارا. الرصاصة التي استقرت في قلب دكتورة بثينة كانت دليل النص الذي يحتج بقشوره (أسود التوحيد): ابن تيمية وابن عبدالوهاب وإخوان من طاع الله وجهيمان والمقدسي والبنعلي والبغدادي وابن باز وجماعة السلفية المحتسبة والألباني وإخوان بريدة وجماعة التوحيد والجهاد.
يقول محمد بن عبد الوهاب “أصل دين الإسلام وقاعدته أمران: الأول: الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له والتحريض على ذلك والموالاة فيه وتكفير من تركه. الثاني: الإنذار عن الشرك في عبادة الله والتغليظ في ذلك والمعاداة فيه وتكفير من فعله”.
(التحريض) على المعاداة والتكفير والتغليظ، إنها كلمة السر، التحريض يكاد يكون في الدعوة السلفية يمثل أصل التوحيد، وهو التوحيد العملي، وهو أحد مقتضيات البراءة السلفية، بمعنى أن نحرض ضد من لا يؤمنون بما نؤمن به.
براءة قلب بثينة عامر بالحب تحضر فيه البهجة والانفتاح والتضحية من أجل الإنسان، مقابل قلب الإرهابي (شجاع الدوسري) الموتور بعقيدة البراءة من الإنسان، قلبه مصاغ وفق شرط التوحيد الذي يبشر به نص ابن تيمية الصارم المسلول. القلب تصح عقيدته حين يتبرأ من الإنسان الذي لا يشبهه ولا يتطابق معه في عقيدته.
في اللحظة التي سقط فيها قلب (بثينة) كنت مشغولا بقراءة قلب مملكة نصوص التوحش، كنت أقرأ في كتاب الباحث الفرنسي (ستيفان لاكروا) وهو يعرض خارطة تبادل نصوص التوحش في الساحة السعودية طوال نصف قرن، منذ اللحظة التي التقت فيها الجماعات السلفية السعودية التقليدية بجماعات الإخوان المسلمين الفارين من جمال عبدالناصر، تعلموا منهم كيف يحركون النصوص لتكون مؤسسات وأنظمة وشبكات وجماعات لإنتاج مجتمع ناطق بهذه النصوص في كل حركة من حركاته. الحركات الجهادية هي نتاج هذا التزاوج، بين النص السلفي والخط الحركي للإخوان، لقد تحرك عبرهم الوحش الكامن في نصوص (الحاكمية) و(الجاهلية) و(البراءة) و(التكفير) و(الولاء).
*كاتب وباحث بحريني
الشهيدة بثينة العباد (22 عاماً) طالبة في السنة الخامسة بكلية الطب في جامعة الدمام، أرداها رصاص الارهابيين الذين هاجموا الحسينية الحيدرية في سيهات قبل أيام.
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه