في اليوم الثاني للتصويت في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، بدت الدولة المصرية أكثر عزماً على حمل الناخبين الى صناديق الانتخابات.
مصطفى بسيوني
في اليوم الثاني للتصويت في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، بدت الدولة المصرية أكثر عزماً على حمل الناخبين الى صناديق الانتخابات.
التصريحات الرسمية التي تحدثت عن تهاوي نسب التصويت الى أقل من 2 في المئة، وخلو عملية الاقتراع من المخالفات والناخبين على السواء، اختفت، وظهرت بدلاً منها تصريحات أكثر تفاؤلاً، أبرزها حديث مجلس الوزراء عن ان نسبة التصويت تجاوزت في اليوم الثاني 15 في المئة، بينما قدَّرتها اللجنة الدولية لمتابعة الانتخابات بنحو 11 في المئة. كل هذا، في ظل عدم تبدّل المشهد أمام مراكز التصويت.
وربما كان رئيس «نادي القضاة» المستشار عبد الله فتحي الأكثر تعبيراً عن وصف المشهد الانتخابي، حين سئل، خلال حوار تلفزيوني، عن حجم المخالفات الانتخابية التي تم رصدها حتى الآن، فأجاب «لا توجد أي مخالفات ولا خروقات ولا مشادات»... ثم أضاف مازحاً «ولا حتى ناخبون»!
وبالنظر الى تدني مستوى المشاركة في اليوم الاول من الانتخابات، قررت الحكومة المصرية، امس، منح العاملين نصف يوم إجازة ليتمكنوا من التوجه الى مراكز التصويت والإدلاء بأصواتهم، مع العلم ان هذه المراكز تبقى مفتوحة خمس ساعات بعد انتهاء ساعات العمل.
الإجراء الذي اتخذته الحكومة المصرية سعت من خلاله الى تجنب الخطأ السابق، عندما منحت العاملين إجازة ليوم كامل، للتصويت في انتخابات الرئاسة، ففضل الناخبون قضاءه في المنزل!
كذلك، صدر قرار يتيح للناخبين التصويت بأوراق الهوية المنتهية الصلاحية تيسيراً على الناخبين.
اللجنة العليا للانتخابات أعلنت أنها ستفعّل القانون القاضي بتغريم الممتنع عن التصويت 500 جنيه لإجبار الناخبين على التصويت، بينما انطلقت المؤسسات الدينية الرسمية في حض الناخبين على التوجه الى مراكز الاقتراع، وتحذيرهم من «كتم الشهادة»، ومساواة الامتناع عن التصويت بترك الصلاة.. كل هذا برغم كل الحديث عن رفض توظيف الخطاب الديني في السياسة!
ولكن كل هذه الإجراءات وغيرها من مظاهر الحث والتحفيز للناخبين لم تحقق نجاحاً كبيراً، ولم تمكّن الكاميرات الرسمية من التقاط صور لطوابير ممتدة أمام اللجان الانتخابية، كما حدث في استحقاقات سابقة.
والجدير ذكره أن الصناديق الخاوية في الانتخابات البرلمانية لم تكن الأولى، فأجراس إنذار دُقت من قبل. وعلى سبيل المثال، فإن انتخابات نقابة الصحافيين، في آذار الماضي، لم يكتمل نصابها في الجولة الأولى وتأجلت لتكتمل بالكاد بنصاب الربع. أما نقابة الأطباء، التي حشدت أعضاءها في معارك متتالية في فترة سابقة، فلم تتجاوز نسبة التصويت في انتخاباتها قبل أيام الستة في المئة.
التصويت في الانتخابات البرلمانية مع تراجعه، اتسم أيضا بتصويت الكبار، فغاب الشباب عن لجان الانتخابات. وهكذا، فإنّ نداء رئيس الجمهورية للاحتشاد أمام اللجان لم يحقق النتيجة التي حققها نداؤه الشهير يوم كان وزيراً للدفاع في تموز العام 2013، عندما دعا الشعب المصري الى الاحتشاد وتفويضه بمكافحة الإرهاب.
وفي قراءة سياسية أولية للانتخابات البرلمانية، يمكن القول إن الاصطفاف الذي تشكل في الثلاثين من حزيران العام 2013 في مواجهة «الإخوان المسلمين»، وجمع فرقاء سياسيين من اليمين واليسار، وحتى من «التيار الإسلامي»، قد بدأ في التآكل بالفعل منذ فترة، ويبدو ان الانتخابات البرلمانية قد جاءت لتعلن نهايته.
وفي هذا الإطار، يرى أستاذ السياسة في جامعة القاهرة مصطفى كامل السيد أن تراجع التصويت يمثل انهياراً لـ «تحالف 30 يونيو». ويذهب السيد أبعد من ذلك فيقول إن «ما أراده من خرجوا في 30 يونيو تحقق بالفعل، وهو إبعاد الإخوان، وتولي (الرئيس عبد الفتاح) السيسي القيادة. ويبدو ان هناك تسليماً بأن السيسي باقٍ في الحكم، وما يريده هو ما سيحدث، لذا لا يجد كثيرون ضرورة للتوجه لصناديق الاقتراع».
ويرى السيد أن ثمة أسباباً متعددة لتراجع نسبة التصويت، من بينها «طبيعة النظام الانتخابي نفسه الذي يجمع بين القائمة والفردي، بحيث أصبح غير مفهوم لدى الناخبين»، موضحاً ان «أربعة أخماس مقاعد البرلمان مخصصة للفردي، ومع بذل الدولة جهداً كبيراً في إضغاف الأحزاب السياسية، أصبح هناك الكثير من المرشحين غير معروفين للناخب، ولا ينتمون الى أحزاب. ومعروف ان بإمكان الناخب أن يجهل المرشح ويصوت له على أساس انتمائه الحزبي، ولكن مع ضعف الأحزاب وغيابها أصبح الأمر أصعب على الناخب».
ويضيف السيد «من ناحية أخرى، فإنّ الانتخابات الحالية خلت من المنافسة، فالجميع مؤيد، وبالتالي لم تكن هناك حماسة كبيرة من قبل المواطنين للمشاركة في الانتخابات. ويضاف الى ذلك مقاطعة الإخوان المسلمين ومن كانوا يذهبون للتصويت لهم. ولا يمكن تجاهل القطاع المحبَط من الشباب الذي لم يجد وظيفة، والذي تحمس للثورة ثم أحبطت آماله».
ويرى السيد أن الحملات الانتخابية والدعاية كانت ضعيفة بشكل عام وهو ما ترك تأثيره على نسب التصويت. ويضيف «هناك أيضاً ضيق عام من السياسة وفقدان الأمل في تحقيق تغيير حقيقي وملموس في حياة المواطنين عبر تلك الآليات».
الطوابير التي اصطفت لساعات في الاستفتاء على الإعلان الدستوري في آذار العام 2011، ومن ثم في انتخابات البرلمان العام 2012 صارت من الماضي. عبَّرت تلك الطوابير يومها ليس فقط عن إرادة التغيير، ولكن أيضاً عن إمكانية التغيير. وربما لو عادت تلك الطوابير اليوم في انتخابات برلمان العام 2015، لما أدت الى نتيجة مختلفة في ظل طبيعة المنافسة والمرشحين، وربما كان هذا هو السبب الأهم وراء غياب تلك الطوابير.
assafir.com
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه