التحالفات الجديدة بين الفصائل المسلحة، نار مشتعلة تحت الرماد،
احمد فرحات
لا صوت في سوريا يعلو فوق صوت المدافع هذه الأيام .. هدير الطائرات .. غبار المعارك، حجبت الكثير من التحركات على صعيد الجماعات المسلحة، ذات التوجه التكفيري خصوصاً.
وخلف المواجهات المستعرة على امتداد الجغرافيا السورية، خريطة جديدة للفصائل المسلحة في طور التشكيل، وتنافس محموم من قبل الجماعات الأساسية على استمالة الفصائل الأخرى، ترغيباً أو ترهيباً، أشبه بحالة فرز، بهدف توسيع النفوذ، وتقسيم مناطق السيطرة.
قبل أشهر، بدأ زعيم ما يدعى "جيش الإسلام" زهران علوش بأخذ "البيعات" من عشائر في الغوطة الشرقية، ونشر إعلامه صوراً إحتفالية لتلك الاجتماعات، ما أثار حفيظة العديد من الفصائل خصوصاً "أحرار الشام"، و"جبهة النصرة"، التي وجدت في هذا التصرف، نموذجاً داعشياً داخل صف واحد، يفترض أنه يخالف تلك الأساليب.
ومنذ ذلك الحين، بدأ الحديث يتزايد عن مسألة إندماج الفصائل، التي كانت أبرزها اندماج "احرار الشام" و "صقور الشام" تحت قيادة واحدة، بالتزامن مع تفكك ما يسمى "الجبهة الإسلامية".
وفي الآونة الأخيرة، برزت إلى الواجهة بشكل لافت، انضمام جماعات مسلحة صغيرة، إلى أخرى كبيرة. في ظاهر الأمور يريد لتوحد الجماعات أن تكون حرباً نفسية موجهة إلى الطرف الحكومي السوري، غير أن الجيش والقيادة السوريتين ومنذ بدايات الازمة، تعاملت مع كل من حمل السلاح ضد الدولة على أنه إرهابي، وجب دفعه إلى ترك هذا الخيار، بطرق عدة.
التحالفات الجديدة على الساحة الشامية، نار مشتعلة تحت الرماد، بين القوى الرئيسية، وهي إلى جانب داعش، "أحرار الشام"، "جبهة النصرة"، "الجيش الحر"، و"جيش الإسلام"، حيث يسعى كل فصيل إلى ضم مسلحين جدد إلى صفوفه، وتوسيع دائرة سيطرته، ولكل جماعة هدفها في إعلان "إمارة" صافية خاصة بها، لا وجود لأي طرف مخالف فيها.
آخر هذه التحالفات هو انضمام كتائب أبو عمارة العاملة في حلب، إلى حركة أحرار الشام (ذات الدعم التركي - القطري)، وقبلها "ألوية توحيد العاصمة في دمشق"، كما اندمجت كتيبة سيف الله المكونة من الشيشانيين مع جيش المهاجرين والأنصار الذي بايع جبهة النصرة (الفرع السوري لتنظيم القاعدة)، بعد تغيير قيادته وإقصاء صلاح الدين الشيشاني، في إطار سعي جبهة النصرة إلى ضم المقاتلين الأجانب إلى صفوفها، خصوصاً تلك التي تحمل فكر القاعدة، والمبايعة لملا طالبان الجديد اخطر منصور.
"جيش الإسلام" بدوره، ذو التبعية السعودية، يسعى إلى ضم فصائل الغوطة تحت ردائه، فأنشأ مؤخراً مع "فيلق الرحمن" غرفة عمليات مشتركة، مستفيداً من الخلاف الذي نشأ بين الفيلق وجبهة النصرة، وقاطعاً الطريق أمام أي تحالف قد ينشأ بين الفيلق وخصمه التقليدي "الاتحاد الإسلامي لاجناد الشام".
وفي حلب شمال سوريا، أعلن قبل أيام عن إنشاء "جيش الشام"، الذي ولد من تحت عباءة "أحرار الشام"، والذي يضم قيادات سابقة من الحركة ابرزها "شرعيها العام" السابق ابو العباس الشامي، الذي يعرف عن نفسه على أنه "مناضل سياسي ضد الانظمة الجاهلية المخالفة للاسلام". ويسعى هذا التشكيل الجديد إلى تقديم نفسه كـ "معارضة معتدلة"، من خلال معارضته خيارات جبهة النصرة القاعدية.
أما في الجنوب السوري، وبعد تقطير غرفة الموك دعم الجماعات هناك، وتحديده، تداعى جيش الإسلام إلى استقطاب بعض فصائل "الجبهة الجنوبية"، وسط حركة من المناقلات "الجهادية" بين جبهة النصرة و"لواء شهداء اليرموك"، المتهم بمبايعته داعش، فيما أحرار الشام ليست بعيدة عن محاولات اخذ حصتها من تلك التحركات.
تحركات ليست من قبيل الصدفة أن تنشأ في إطار حديث على مستوى عالمي عن حلول سياسية للأزمة السورية، في ظل محادثات دولية وإقليمية، بهدف بلورة صورة واضحة عن الحل المستقبلي، لذلك أوعزت الجهات الداعمة للاطراف المسلحة، بالتوحد بهدف التأثير في أي مفاوضات جدية، خصوصاً مع تغير ملحوظ في النظرة الدولية، تجاه مسائل عديدة تتعلق بالنزاع السوري، منها بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة.
ومع عدم تأثيرها على مجريات المعارك مع الجيش السوري، تُطرح العديد من التساؤلات حول جدوى تلك الإندماجات، لكن الواضح أن هذه التشكيلات، ستكون احدى أوراق اللعبة الإقليمية، التي إن سقطت كما هو متوقع، ستحدث نتائجها تداعيات بالغة الأهمية على الساحة السورية، خصوصاً مع دخول العامل الروسي بقوة في الميدان.
ومنذ اندلاع الأحداث في سوريا، شكلت التحالفات سمة بازرة، لكنها لم تكن ذات صفة دائمة، بل مرحلية، بحسب الظروف والإيعاز الخارجي، نظراً لإختلاف أهداف الجهات الممولة، مع بقاء جبهة النصرة وداعش، هما عامل الجذب الأول لجميع الفصائل، وعلى أساس الموقف من هاتين الجماعتين، تحدد مواقف الجماعات الأخرى.
وبين هذا وذاك، تسعى أحرار الشام إلى اتخاذ مسار مختلف، لكنها تصطدم في غالب الاحيان بمعادلة (النصرة، داعش)، ما يدفعها إلى اتخاذ مواقف أكثر انضباطية، حفاظاً على المكتسبات، وتجنباً لدخول في مواجهات، لا تفيدها أقلها في المرحلة الحالية.