يبدو ان الازمة في لبنان تتجه اكثر فأكثر الى مزيد من التعقيد، لا سيما بعد مواقف "تيار المستقبل" التصعيدية والابتزازية لباقي الافرقاء، سواء على صعيد الحكومة او على صعيد الحوار.
ذوالفقار ضاهر
يبدو ان الازمة في لبنان تتجه اكثر فأكثر الى مزيد من التعقيد، لا سيما بعد مواقف "تيار المستقبل" التصعيدية والابتزازية لباقي الافرقاء، سواء على صعيد الحكومة او على صعيد الحوار.
فمواقف "المستقبل" الابتزازية ليست بجديدة، ولكنها جاءت مرتفعة السقف هذه المرة ونارية بامتياز على لسان الوزير نهاد المشنوق الذي تحدث وكأن فريقه السياسي متضرر من الحكومة والحوار في آن، فراح يهدد بالانسحاب من الحكومة والحوار، ضاربا بعرض الحائط كل الفوائد الوطنية للحوار واستمرار الحكومة.
ولكن يبدو ان "تيار المستقبل" يحاول الاستفادة من تحمل بعض الافرقاء تراكم هفواته وهفوات حلفائه في "14 آذار" ومحاولاتهم في كسر احد المكونات الاساسية في لبنان المتمثلة بـ"التيار الوطني الحر" ورئيس تكتل "التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون، فربما سكوت فريق "8 آذار" وصبره على كل هذا الاذى اللاحق به، جعل "المستقبل" يتمادى في الابتزاز والتصعيد والاستفزاز حتى وصل به التهديد لمرات عديدة، بأنه سيتابع في الحكومة والحوار بشقيه الثنائي مع حزب الله او عبر طاولة الحوار التي دعا الرئيس بري على مضض ملوحا انه قادر على الاطاحة بهما.
هذه المواقف المستقبلية المتطرفة وإفهام الرأي العام "زورا" انه يضحي في سبيل المصلحة العامة، استدعت ردا واضحا ومباشرا وموضوعيا من الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بأن من يريد الحوار او الحكومة أهلا به ومن لا يريد فليتركهما، لان كل مواقف الابتزاز هذه مرفوضة جملة وتفصيلا.
فأي مصير للحوار وللحكومة في لبنان؟ وهل سيعود الفريق الآذاري والمستقبلي خاصة الى التواضع للشركاء في الوطن؟ أم سيستمر في تعنته ومحاولته خطف الحكومة والحوار؟ وهل لمواقف "المستقبل" التصعيدية هذه أي خلفيات خارجية او اقليمية ام نابعة من محض ارادته ؟ وماذا عن رأي رئيس "تيار المستقبل" سعد الدين الحريري، هل الرجل موافق على ما أطلقه الوزير المشنوق؟ وهل سكوته يفسر بالموافقة الضمنية على هذه المواقف؟ ام ان هذه المواقف هي محض "تكتيكية" يراد منها فوائد سياسية معينة سيتدخل الحريري لتصويبها في الوقت المناسب؟ ام ان هذه المواقف توحي بمشاكل تنظيمية لدى "تيار المستقبل"؟
حول ذلك اعتبر عضو "المجلس الوطني للاعلام" في لبنان غالب قنديل ان "التصعيد الذي قام ويقوم به تيار المستقبل في الشأن السياسي الداخلي ناتج عن الانسداد السياسي الذي تتسبب به مواقف هذا التيار"، واضاف "الرأي العام في لبنان بات يعلم ان تيار المستقبل هو من يمنع تسهيل المشاريع والتسويات السياسية بما يعطل عمل الحكومة ويمنع عودة الجلسات التشريعية"، وتابع "تيار المستقبل هو الذي عطل تفاهمات الحد الادنى الممكنة لحفظ استمرارية عمل المؤسسات في لبنان".
وأشار قنديل في حديث لموقع "قناة المنار" الى ان "الهروب الى الامام من قبل المستقبل هو محاولة للتنصل من المسؤولية ومحاولة إلقائها على الفريق الآخر في لعبة ابتزاز مكشوفة رد عليها السيد حسن نصر الله بما يلزم من الحزم"، وقال "ربما هم كانوا يراهنون كثيرا على مزيد من الصبر من قبل قيادة حزب الله وربما طمعوا بالحرص الكبير الذي أبداه الحزب في صد الفتن طيلة السنوات الماضية"، ورأى ان "السيد نصر الله برسالته التي وصلت الى المستقبل أوضح ان لكل شيء حدود".
وأوضح قنديل ان "تيار المستقبل وضع العراقيل امام التفاهمات وجاء اليوم ليلقي التبعة والمسؤولية على حزب الله والتيار الوطني الحر"، ولفت الى ان "المستقبل يحاول التنصل من مسؤولياته ليس فقط امام الرأي العام وإنما امام شريحة كبيرة من جمهوره الذي ترتبط مصالحه بدورة عمل الدولة ومؤسساتها والذي يرغب بالهدوء والاستقرار خاصة في ظل تراجع العطاءات المالية السعودية الهادفة للتخريب السياسي في لبنان عبر تيار المستقبل"، بحسب تعبير قنديل.
ورأى قنديل انه "لا يوجد في تيار المستقبل قيادات تعارض المواقف الابتزازية التي أعلن عنها نهاد المشنوق او اشرف ريفي"، واضاف "لو كان هناك رموز قيادية لديها مواقف معارضة لكنا سمعنا بها"، ولفت الى انه "حتى الآن لم يصدر عن سعد الحريري اي موقف يعارض مواقف المشنوق بما يساهم بالتخريب وعملية التشنج والتوتير في البلد"، وتابع "لا أبرئ السعودية من التصعيد المستقبلي هذا وأشك ان تكون لدى قيادات المستقبل مساحات استقلالية خارج اطار التوجيه السعودي"، وأكد ان "للتصعيد المستقبلي عمقا سعوديا لان المملكة تشعر انها مختنقة اقليميا حيث تفقد زمام المبادرة في كل الساحات وتتراجع ويتراجع مشروعها لا سيما في اليمن وسوريا".
ولفت قنديل الى ان "أي تراجع من قبل تيار المستقبل سيظهر لاحقا سيكون بسبب الردع السياسي الذي مارسته قيادة حزب الله وليس بنتيجة تراجع سعودي عن اختبار فرص التصعيد في لبنان ردا على خساراتها في سوريا واليمن"، واشار الى ان "مصير الحوار والحكومة سيكون محددا بحسب ما سيتخذه المستقبل من مواقف في مقبل الايام"، واوضح "اذا أراد المستقبل العودة الى التفاهمات التي حصلت ايام تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام فهذا يعني استمرار الحكومة والحوار والعكس بالعكس".
واكد قنديل على ان "تيار المستقبل بكل قياداته ورموزه مرتهن للسعودية"، واوضح ان "هذه النتيجة ليست اجتهادا خاصا بل هي نتيجة التجربة التي أثبتت على مرّ الزمن ان لا قرار مستقل في تيار المستقبل بعيدا عن الارادة السعودية"، واضاف "لو كان التيار قادرا على اتخاذ قراراته باستقلالية فلماذا نكل بالاتفاقات التي حصلت بين العماد ميشال عون والنائب سعد الحريري؟"، وتابع "لو كان هناك استقلالية لكنا رأينا التفاهمات تنعقد ولما كنا نعيش في هذه الازمة السياسية التي يمر بها لبنان اليوم".
إذن مواقف "تيار المستقبل" في لاحق الايام ستكون مرتبطة بشكل او بآخر بالموقف السعودي، ايجابا ام سلبا من الحوار او الحكومة، ما يؤكد سير هذا الفريق السياسي في الارادة السعودية، علما انه بعد الموقف الحازم من السيد نصر الله، "تعدلت" مواقف "المستقبل" وعادت نوعا ما الى توازنها والتخفيف من حدتها فيما يتعلق بالحرص على الحوار وأهميته، ما يدلل ان مواقف هذا التيار تحكمها حسابات معينة هنا وهناك...