22-11-2024 04:21 AM بتوقيت القدس المحتلة

بلطجة فيلتمان وثوار أميركا الجدد

بلطجة فيلتمان وثوار أميركا الجدد

لن يمر إعلان مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان مرور الكرام، ولا يمكن لأي متابع للأوضاع في سورية ومسار المبادرة العربية إلا أن يلاحظ أن كلامه يهدف إلى إجهاض هذه المبادرة بالكامل.

 


لن يمر إعلان مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان مرور الكرام، ولا يمكن لأي متابع للأوضاع في سورية ومسار ومصير المبادرة العربية إلا أن يلاحظ أن كلام فيلتمان هدفه الأول والأخير إجهاض هذه المبادرة بالكامل بعد أن أصيبت برصاص معارضة الخارج فور ولادتها. فأمام مجلس الشيوخ وقف فيلتمان الخبير بزرع الفتن وتنميتها، ليعلن بأن بعض القادة العرب قالوا في أحاديث خاصة إنهم عرضوا اللجوء على الرئيس السوري بشار الأسد لإقناعه بالتخلي عن السلطة بهدوء وبسرعة أمام "حركة الإحتجاجات" التي تشهدها سورية، مشيراً الى أن كل القادة العرب تقريباً يقولون الشيء نفسه: ينبغي أن ينتهي نظام الأسد وأن التغيير في سورية حتمي.

 
من الطبيعي أن يصدر هكذا كلام عن فيلتمان في ظل الوهن العربي أمام أميركا، فبعد ساعات طويلة من هذا الإعلان لم يصدر أي رد عربي رسمي على ما قاله جيفري، مما يدفعنا للتساؤل بشكل جدي عن الهدف الحقيقي من المبادرة العربية. فلا الجامعة العربية ولا وزراء خارجيتها تحركوا للرد ، مع العلم أن مبادرتهم لا تتضمن أو تلمح إلى ما ادعاه مساعد وزيرة الخارجية الأميركية. حتى أن الأطراف العربية لم تعلّق حتى اللحظة على قرار ما يسمى بالمجلس الوطني السوري والمعارضة الخارجية برفض مبادرتها منذ اللحظة الأولى! إلا أنهم سارعوا إلى إصدار بيانات لإدانة النظام فور سماعهم أنباء عن سقوط "قتلى من المعارضة" دون أن يتأكدوا حتى من صحتها! حتى وأن التهديد بانهيار المبادرة بدأ منذ الساعات الأولى دون أن يعطى النظام السوري فرصة لتطبيقها! أما المبادرة العربية لحل النزاع في اليمن والتي تخطت عتبة السبعة أشهر دون تطبيقها فإننا لم نسمع عربياً يعلن فشلها. كما أن النخوة العربية لم تتحرك أمام القتل الذي مارسته ولا زالت تمارسه السلطات البحرينية بوجه شعبها الأعزل الذي لم يطالب سوى ببعض الإصلاحات.


إذاً نطقت أميركا بلسان فيلتمان رافضة بقاء الأسد في السلطة، معلنة فشل أي مبادرة عربية كانت أو أجنبية توقف الدماء التي تسيل في سورية. وعندما نتحدث عن الدماء السورية لا نقصد ما تدعيه وسائل الإعلام المحرضة التي تعلن عن أحداث لا وجود لها في الأساس، إنما المقصود هنا هو ما يمارسه ثوار الناتو الجدد الذين يتخذون من تركيا مركزاً لعملياتهم ويطلقون على أنفسهم لقب الجيش السوري الحر، والذين باتوا يتفاخرون علناً بذبح أبناء وطنهم من خلال عمليات وكمائن وتفجيرات وتقطيع رؤوس المدنيين الآمنين وقوات حفظ النظام التي تتصدى لهذه المؤامرة. والغريب في الأمر أن هذه المجموعات الإرهابية التي اختبر لبنان بعض عناصرها في مخيم نهر البارد تشير صراحة في مقاطع فيديو وبيانات إلى العمليات الإرهابية التي تنفذها دون أن يحرك المجتمع الدولي أو العرب ساكناً! لا بل الأدهى من ذلك أن دعاة السلمية ما زالوا حتى اللحظة يروجون لنظرية إعدام الجيش السوري للمنشقين الذين يرفضون إطلاق النار على المتظاهرين!
أما بعض السلميين الآخرين فقد اعترفوا بعمليات القتل ولكن أبقوا على إصرارهم بأن هذه المجموعات الإرهابية منشقة عن الجيش وليست عصابات مجرمة حضرت سابقاً للقيام بهذه الأعمال وأنها تقوم بذلك منذ بداية الأزمة في سورية والتي قضى جراءها أكثر من 1300 جندي سوري.

ولكن ليس أمراً جديداً التضارب في البيانات والمعلومات بين معارضي النظام السوري، ولم تعد الأمور تحتاج إلى الكثير من التوضيحات، فإذا كانت عصابات الناتو المسلحة تجاهر بعملياتها الوحشية دون أن تتعرض لأي إدانة دولية أو عربية أو حتى إدانة ممن قالوا بأنهم "ثوار عرب"، باتت البلطجية الإعلامية لازمة لا تفارق الأحداث اليومية حتى وصلت إلى اتهام كل من ينتقد الأفعال الإجرامية للمعارضة بأنه خائن يجوز قطع رقبته! وخير دليل على ذلك هو ما قام به مناصرو برهان غليون ورياض الشقفة في القاهرة من اعتداء على معارضين مثل هيثم مناع وسمير العيطة وحسن عبد العظيم فقط لأنهم ليسوا في عداد المجلس الوطني ولم يوافقوا على التدخل العسكري الخارجي! والحمدلله أن عدسات الكاميرا كانت موجودة أثناء الإعتداء بالبيض والضرب وإلا لكان من الممكن أن يستخدم بلطجية المعارضة حد سكينهم لقطع الرقاب.
تزامن هذا مع إعلان يومي عن سقوط عشرات القتلى في سورية على يد النظام منذ لحظة الإعلان عن المبادرة العربية، هذا ما كان مطلوباً حتى موعد اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، والجهة المعلنة طبعاً هي الهيئات والجهات الخارجية بالتعاون مع وسائل إعلام عربية تابعة لبعض الدول المشاركة في المبادرة ! وفي الوقت نفسه تصدر الأمم المتحدة تقارير تؤكد فيها سقوط أكثر من 3500 قتيل في سورية دون أن تورد ولو إسماً واحداً أو تفصيلاً واحداً عن الآلية التي اعتمدتها لتصل إلى هذا الرقم.
بلطجة ما بعدها بلطجة تتلاعب بحياتنا اليومية، بلطجة الأمم المتحدة، بلطجة عربية، بلطجة مجالس انتقالية، بلطجة ثوار الناتو، بلطجة إعلامية ... على أن البلطجة الكبرى تبقى أميركية بامتياز، من الصولات والجولات الميدانية التي يقوم بها السفير الأميركي لدى سورية روبرت فورد، والتي بشرنا فيلتمان بعودتها قريباً، إلى إعلان الأخير الذي أصبح ناطقاً باسم جامعة الدول العربية وحل مكان رئيسها نبيل العربي لينعي المبادرة العربية، مروراً بدعوة الخارجية الأميركية المسلحين السوريين إلى عدم الاستجابة لدعوة السلطات لتسليم أنفسهم مقابل العفو عنهم.
بناءً على ما تقدم، فإن جميع المؤشرات والمعطيات تؤكد أن التصعيد الذي تمارسه قوى الاستعمار العالمي ضد محور المقاومة والممانعة لا يمكن أن يتوقف في المرحلة الراهنة، فهم لم يصلوا إلى هذه المرحلة ليستسلموا كما أنهم يراهنون على إحباط يمكن أن يصيب الشعب السوري. لذا من المتوقع أن يزداد التصعيد السياسي والأمني بقوة على جميع المحاور في الأيام القليلة المقبلة، على حماس بواسطة الأخوان المسلمين، على لبنان وحزب الله من خلال ملف المحكمة الدولية والتهديدات الاقتصادية والأمنية، على إيران بذريعة ملفها النووي، وعلى سورية بواسطة عمليات التخريب الداخلي والتفجيرات المتنقلة وجعل الحرب الأهلية التي يروّج لها إعلامياً حالة حقيقية تستدعي التدخل الخارجي بإسم حقوق الإنسان وحماية المدنيين وما شاكل، علماً بأن التفجيرات المتنقلة من الممكن أن تعبر الحدود السورية.

و تبقى رسالة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي والتي حذر فيها من استجابة العرب للمطلب الأميركي ومقاطعة سورية سياسياً واقتصادياً، والتي وإن حدثت ستشكّل تجاوزاً لميثاق جامعة الدول العربية وأسس العمل العربي المشترك، تبقى خير دليل على حساسية المرحلة المقبلة وتأثيراتها على مستقبل العمل العربي المشترك برعاية جامعة الدول العربية...