العامل الرئيسي في جذب الإرهابيين إلى سوريا ليس وجود النظام أو وجود بشار الاسد كما يحاول أن يوحي الغرب, وإنما تواطأ الغرب وحلفائه مع الجماعات الإرهابية, وتقديم التسهيلات والدعم والمساندة لهم..
رأى سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: أن الإرهابيين الذين احتشدوا في هذه المنطقة وجيء بهم من كل مكان حوّلوا بعض دول المنطقة من دول آمنة مستقرة الى دول خائفة ومدمرة .. معتبراً: أن هؤلاء جيء بهم لهدف أساسي هو تفكيك دول هذه المنطقة وتقسيمها وإضعافها وتحويلها إلى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية متناحرة ومتقاتلة.
وأشار: الى أن العامل الرئيسي في جذب الإرهابيين إلى سوريا ليس وجود النظام أو وجود بشار الاسد كما يحاول أن يوحي الغرب, وإنما تواطأ الغرب وحلفائه مع الجماعات الإرهابية, وتقديم التسهيلات والدعم والمساندة لهم.. وتمكين هذه الجماعات من السيطرة على أجزاء من سوريا والعراق, وعدم جدية التحالف الأمريكي في محاربة الإرهاب وداعش ,معتبراً: أن كل هذه العوامل هي التي جذبت الإرهاب إلى المنطقة.
نص الخطبة:
يقول الله سبحان وتعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) لقمان:20].نِعَمُ الله التي أنعم بها على عباده كثيرةٌ لا تعدّ و لا تحصى،( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا) , وهي على قسمين: نِعم ظاهرة واضحة جلية معلومة, ونِعم باطنة خفيّة مستترة, فهناك نعم ظاهرة بينة ملموسة يعرفها الناس ويراها الإنسان رأى العين, مثل: الصحة, القوة, المال, الأمن, الذرية, أعضاء الإنسان وجوارحه, وما شاكل ذلك, وهناك نعم باطنة خفية مستترة يحتاج اكتشافها ومعرفتها الى تأمل وتدبر وتفكر, مثل: الصبر على الشدائد, التقوى, الطاعة, الولاية, ستر العيوب, وحتى البلاء والمصائب وما أشبه ذلك.
والحقيقة الثابتة أن الإنسان يتمتع بكل هذه النعم الظاهرة والباطنة منذ اللحظة التي يولد فيها والى أن يفارق الحياة, فهو في كل مسيرته في الحياة يعيش في نعيم الله ويتحرك في حياته كلها في إطار هذه النعم.
وقد تحدث القران الكريم عن نماذج وعينات من النعم والهبات والعطايا الإلهية التي أنعم الله بها على عباده .
فأشار مثلاً الى نعمة السمع ونعمة البصر ونعمة العقل والقلب, فقال الله تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) النحل:78.
وأشار الى خيرات الأرض التي أنعم الله بها على الناس ليأكلوا منها , فتحدث عن نباتها وثمرها وحبًّها وفاكهَتها وينابيعها وعيونها, فقال تعالى: (وَآيَةٌ لَهُمْ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ) يس:33-35
وتحدث عن نعمة الأنعام التي فيها منافع كثيرة للبشر ومنها يأكلون, فقال تعالى: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ [المؤمنون:21].
وتحدث عن نعمة الماء الذي أنزلِه الله على عباده ماءاً عذبًا فُراتًا ليشربوا منه, ويتطهروا به, ويسقوا به زرعهم , وكيف أن الله انزله على قطَراتٍ بقَدر حاجتهم حتَّى لا يضرَّهم في حياتهم، ثم حفظه في باطن الأرض ليستخرِجوه وينتفِعوا به عندالحاجَة، فقال تعالى: (أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ) [الواقعة:68-70]، ويقول في آية أخرى: (وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) [المؤمنون:18، 19].
وأشار القران الى نعمة اللباس الذي يستر به الإنسان عورته, ويتجمَّل به بين الناسِ، ويدفع به الحرَّ والبرد عن نفسِه، قال الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف:26]، ويقول في آية اخرى: (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) [النحل:81]، والسّرابِيل: هي الألبِسَة والثيابُ التي تقِي من الحرِّ والبرد، والسّرابيل التي تقي من البأسِ: هي الدروعُ من الحديد التي تستخدم في الحروب ليقي فيها الانسان نفسه من سيوف الأعداء.
والخلاصة: كل ما يتمتع به البشرفي حياتهم, من صحة وقوة ورزق ومال وملك ومأكولات ومشروبات وملابس ومساكن ومباني وسيارات وطائرات ووو هو نعمة من الله, وهو تفضل وعطاء وإحسان ومنّة من الله على عباده( وما بكم من نعمة فمن الله) النحل 53
ولذلك من حق الله على عباده أن يشكروه على نعمه، وأن يحمدوه ويمجدوه ويعبدوه ويطيعوه ويسلموا له, وفي الحد الأدنى أن لا يستخدموا هذه النعم التي أنعم الله بها عليهم في معصيته وفيما يكرهه ويغضبه ويسخطه ولا يرضاه.
إن فطرة الإنسان تدفعه للإحسان لمن أحسن إليه، وعقله يوجب شكر من أنعم عليه، فإذا أنعم أحد على أحد بشيء وأحسن اليه فإن العقل يوجب شكره ويستقبح مقابلته بالإساءة، بمعنى أن العقل يعتبر مقابلة المحسن والمنعم بالإساءة عملاً مستنكراً وقبيحاً, والأشد قبحاً أن يستخدم الإنسان الإمكانات التي أنعم بها أحد عليه في الإساءة لهذا المنعم, كمن يهدي اليك سيفاً فتضربه به, هذا قبيح عقلاً, لأن المحسن يجب أن تبادله بالإحسان والشكر لا بالجحود أوالإساءة والأذية, وهذا المبدأ يجب أن يكون حاضرا في علاقة الإنسان بربه وخالقه المنعم.
لا ينبغي للإنسان أن يعصي الله عز وجل, فإذا همَّ بمعصية فلا يليق أن يعصى الله بالنعم التي أنعم بها عليه، فليعصي إن شاء بأشياء ليست من عند الله ! لكن السؤال؛ هل عند الإنسان شيء من خارج نعم الله؟ فكل جوارح الإنسان نعم من الله، فالعين التي يعصي بها الله من خلال نظرة الحرام هي نعمة من الله, لأنه هو من أعطاها قدرة البصر, وكذلك سمع الإنسان ويده، وقدمه، وجميع جوارحه وغرائزه، فكل ذلك من عند الله، فكيف يسمح له وجدانه وعقله أن يقابل الله تعالى بالمعصية بنفس النعم التي أنعم بها عليه؟ فيعصيه بسمعه الذي أنعم به عليه من خلال سماع الحرام, ويعصيه بلسانه الذي منّ به عليه من خلال استغابة الناس وأحاديث السوء وكلمات الفحش, ويعصيه بيده التي وهبه إياها من خلال الإعتداء على الأخرين بالضرب أو الجرح او القتل او السرقة وهكذا..
الإنسان لا يمكنه الخروج من نعم الله ومن سلطان الله ومن دائرة ولاية الله , فكل ما في هذا الوجود هو من الله, وكل ما يتمتع به الإنسان هو من الله, واذا كان الإنسان لا يمكنه الخروج عن سلطان الله ونعمه التي لا تعد ولا تحصى فكيف يعصيه ويتمرد عليه؟. يقول الإمام علي أمير المؤمنين(ع : (أقل ما يلزمكم لله سبحانه ألا تستعينوا بنعمه على معاصيه. فإن كل معصية يرتكبها الإنسان يرتكبها بعضو من أعضائه, وكل أعضائه من نعم الله عليه , فمن اللؤم أن ينعم الله على العبد بنعمة ويعصيه بها.
وعنه (ع) قال: استتموا نِعم الله عليكم بالصبر على طاعته، والمجانبة لمعصيته.وعن الإمام الصادق (ع): (إن أردت أن يُختم بخير عملك حتى تُقبض وأنت في أفضل الأعمال فعظّم لله حقّه أن لا تبذل نعماءه في معاصيه.
وروي أن الحسين (ع) جاءه رجل وقال: أنا رجل عاص ولا أصبر عن المعصية فعظني بموعظة فقال(ع : (افعل خمسة أشياء وأذنب ما شئت، فأول ذلك: لا تأكل رزق الله وأذنب ما شئت، والثاني: اخرج من ولاية الله وأذنب ما شئت، والثالث: اطلب موضعا لا يراك الله وأذنب ما شئت، والرابع: إذا جاء ملك الموت ليقبض روحك فادفعه عن نفسك وأذنب ما شئت، والخامس: إذا أدخلك مالك في النار فلا تدخل في النار وأذنب ما شئت. فاتعظ الرجل وأناب.
ولذلك على الإنسان ان يتوقف وأن يتأمل تجاه أي داع من دواع المعصية.
لأن للمعصية أيضاً دوراً في زوال النعمة التي بين يديه, فالذُّنُوبِ والمعاصي تُزِيلُ النِّعَمَ، وَتُحِلُّ مكانها النِّقَمَ، فَمَا زَالَتْ عَنِ الْعَبْدِ نِعْمَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا حَلَّتْ بِهِ نِقْمَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ (ع): مَا نَزَلْ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ.
وَقَدْ قَالَ الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ. الشُّورَى: 30.
وَقَالَ: تعالى في آية أخرى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ. الْأَنْفَالِ: 53
فاللَّهُ تَعَالَى لَا يُغَيِّرُ نِعَمَهُ أَنْعَمَ بِهَا عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُغَيِّرُ مَا بِنَفْسِهِ، فَيُغَيِّرُ طَاعَةَ اللَّهِ بِمَعْصِيَتِهِ، وَشُكْرَهُ بِكُفْرِهِ، وَأَسْبَابَ رِضَاهُ بِأَسْبَابِ سُخْطِهِ، فَإِذَا غَيَّرَ غَيَّرَ عَلَيْهِ، فَإِنْ غَيَّرَ الْمَعْصِيَةَ بِالطَّاعَةِ، غَيَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ بِالْعَافِيَةِ، وَالذُّلَّ بِالْعِزِّ.
وَفِي يالحديث القدسي: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، لَا يَكُونُ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي عَلَى مَا أُحِبُّ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ عَنْهُ إِلَى مَا أَكْرَهُ، إِلَّا انْتَقَلْتُ لَهُ مِمَّا يُحِبُّ إِلَى مَا يَكْرَهُ، وَلَا يَكُونُ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي عَلَى مَا أَكْرَهُ، فَيَنْتَقِلُ عَنْهُ إِلَى مَا أُحِبُّ، إِلَّا انْتَقَلْتُ لَهُ مِمَّا يَكْرَهُ إِلَى مَا يُحِبُّ.كم من نعم أزيلت بسبب استغراق بعض الناس في المعاصي والشهوات والملذات المحرمة.
كم من الدول والبلدان والقرى كانت مطمئنة وتنعم بالأمن والإستقرار والرخاء فأصيبت بالخوف والدمار والأزمات بسبب طغيان بعض الناس وفسادهم وإرهابهم.
( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾. النحل: 112
الإرهابيون الذين احتشدوا في هذه المنطقة وجيء بهم من كل مكان دمروا بعض دول المنطقة بسلوكهم الإرهابي الوحشي وقتلوا وأخافوا شعوب هذه المنطقة وهجروا ملايين الناس وحولوا بعض الدول والمدن من دول ومدن آمنة مستقرة الى دول خائفة ومدمرة وخربة.. هؤلاء جيء بهم لهدف أساسي هو تفكيك دول هذه المنطقة وتقسيمها وإضعافها وتحويلها إلى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية متناحرة ومتقاتلة. وهذا هو المشروع الأمريكي لهذه المنطقة الذي إنما يستخدم الجماعات التكفيرية كأدوات في هذا المشروع التدميري.
ولذلك العامل الرئيسي في جذب الإرهابيين إلى سوريا ليس وجود النظام أو وجود بشار الاسد كما يحاول أن يوحي الغرب بذلك, وإنما تواطأ الغرب وحلفائه مع الجماعات الإرهابية, وتقديم التسهيلات والدعم والمساندة لهم.. وتمكين هذه الجماعات من السيطرة على أجزاء من سوريا والعراق, وعدم جدية التحالف الأمريكي في محاربة الإرهاب وداعش . كل هذه العوامل هي التي جذبت الإرهاب إلى المنطقة.
واليوم يمكن القول إن الدخول الروسي العسكري المباشر على خط الصراع في سوريا فرض إيقاعاً جديداً, ودفع بكل الأطراف المعنية بالأزمة السورية إلى البحث عن حلول سياسية, والأبرز أنه فرض الاعتراف بموقع إيران ودور إيران في إيجاد الحلول لأزمات المنطقة.
والذين كانوا يقولون: إن إيران جزء من المشكلة في سوريا فلا يمكن أن تكون جزءاً من الحل هم يجلسون اليوم إلى جانب إيران في فيينا للبحث في الحلول السياسية, مما يشكل بداية اعتراف بشراكة إيران في إيجاد حلول للأزمات والصراعات القائمة في المنطقة, وبالتالي الإقرار بموقع ومكانة ودور إيران المؤثر في الواقع الإقليمي.