قراءة لنتائج هذه الإنتخابات مقارنة مع نتائج الإنتخابات السابقة التي جرت منذ خمسة
أمين أبوراشد
قبيل إجراء إنتخابات الإعادة للبرلمان التركي، والتي فاز فيها "حزب العدالة والتنمية" بنسبة 49.41 % من الأصوات مما يكفل له تشكيل الحكومة منفرداً، ركَّز الرئيس رجب طيب أردوغان في الإطلالات الجماهيرية الداعمة للحزب، على ضرورة الفوز بما يكفل قيام نظام رئاسي في تركيا، وكرَّر صراحة ما قاله في انتخابات يونيو/ حزيران الماضي: "إن رئاسة تنفيذية على غرار النظام الأميركي ضرورية لتعزيز النفوذ الإقليمي والنجاحات الاقتصادية لتركيا العضو في حلف شمال الأطلسي" وتوجّه بالكلام الى خصومه: "يقولون، إذا حصل أردوغان على ما يريد يوم الأحد فإنه سيصبح شخصاً لا يقف شيء في طريقه، إنهم يقصدون أن تركيا لن يستطيع أحد إيقافها".
قراءة لنتائج هذه الإنتخابات مقارنة مع نتائج الإنتخابات السابقة التي جرت منذ خمسة أشهر تُظهر ما يلي:
حزب العدالة والتنمية حصل على 316 نائباً مقابل 259 في الإنتخابات الماضية، واستقرّ جزئياً وضع الحزب الجمهوري بحيث حصل على 131 نائباً بتراجع ثلاثة نواب عن السابق، وتعرَّض حزب الحركة القومية للنكسة الكبرى بالحصول على 41 نائباً مقابل 78 في الدورة السابقة، وتراجع حزب الشعوب الديموقراطي الكردي وحصل على 59 نائباً في مقابل 78 في الإنتخابات الماضية.
أولى القراءات لهذه النتائج التي يبدو فيها أردوغان فائزاً، تُظهر ما يلي:
1) يحتاج أردوغان الى نسبة 67% من إجمالي نواب البرلمان البالغ عددهم 550 نائباً ليتمكن من تعديل الدستور أي ما مجموعه 369 نائباً، مما يحتِّم عليه التحالف مع حزب يمنحه على الأقل 53 نائباً، وهذا ما لا يتوفَّر سوى لدى حزب الشعب الجمهوري الرافض لكافة سياسات أردوغان وبشكلٍ خاص جموحه الى السيطرة الشخصية عبر النظام الرئاسي، مما يعني أن أي تحوُّل من النظام البرلماني الى الرئاسي، سوف يُلزِم أردوغان باللجوء الى حكومة إئتلافية لإرضاء الخصوم وزارياً، أو تشكيل حكومة يتفرَّد بها حزب العدالة والتنمية ويجد أردوغان نفسه ملزماً باللجوء الى الإستفتاء الشعبي.
2) إن تخطِّي حزب الشعوب الديموقراطي الكردي عتبة العشرة بالمئة التي خوَّلته للمرة الثانية في تاريخه من دخول البرلمان ولو بعدد أقلّ من النواب هو هزيمة استراتيجية لأردوغان، لأن كل محاولاته لإقصاء ممثلي الأكراد عن البرلمان قد فشلت، وأن اتهامه لحزب الشعوب الديموقراطي بأنه الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني الذي يعتبره إرهابياً والتحريض على أكراد الداخل قد ورَّط حزب الحركة القومية المناوىء للأكراد بأعمال عنف وإحراق مراكز الشعوب الديموقراطي بالتواطؤ مع العدالة والتنمية، مما انعكس سلباً على الحركة القومية واتَّهمها الناخبون باستفزاز أكراد الداخل وخسرت 37 نائباً لصالح العدالة والتنمية، في الوقت الذي خسر فيه أردوغان معركة إقصاء الأكراد بعدما تخطى حزب الشعوب الديموقراطي عتبة العشرة بالمئة ودخل البرلمان ثانية، رغم الإرهاب الذي مُورِس عليهم في ديار بكر بشكل خاص وإحراق 80% من مراكز الحزب في أنحاء تركيا.
3) إن أحزاب المعارضة الرئيسية على تشتُّتها وعجزها عن التوحُّد، فهي على حدّ قول محلِّل تركي محايد "تُجمع على الخوف من جموح السلطة لدى أردوغان، وتعتبره أقرب الشخصيات التركية الى آخر سلاطين بني عثمان عبد الحميد الثاني 1876 -1909، الذي اتَّصف بالمواقف المتقلِّبة والسياسات التي كان يعتمد سلطته الشخصية محوراً لها، وإذا كان عبد الحميد قد ورِث عن أجداده هذا النمط على مدى 400 عام، فإن أردوغان كان وسيبقى حالماً باستحضار زمن السلاطين، عبر نزعته للتفرُّد بكافة دوائر الحُكم وسعيه للحصول على الأغلبية البرلمانية تمهيداً لتحويل النظام من برلماني الى رئاسي لتوطيد سلطة سلطانه، وهذا ما يُشكِّل عائقاً أمام التطوُّر الديموقراطي الفعلي وخروج على قواعد الجمهورية وإرث مصطفى كمال أتاتورك.
4) إن خصوم أردوغان يعتبرون أنه استحضر النار السورية الى الداخل التركي، سواء عبر جعل تركيا معبراً للإرهاب أو عبر المنطقة العازلة التي يُطالب بها ويرفضها الأميركيون، ومسألة المنطقة العازلة التي يطالب بها أردوغان ليست فقط لإبعاد حزب العمال الكردستاني ولو عبر استخدام داعش في مقاتلته، بل لإعادة إيواء مليوني سوري باتوا عبئاً على تركيا وينافسون الأتراك في أسواق العمل، وهو أمام خيارين إما استعمالهم ورقة ضغط على أوروبا للمطالبة بمساعدات إيواء أو الدخول في حرب استحداث منطقة عازلة وهو ما بات مستحيلاً بعد الدخول الروسي الأجواء السورية.
5) إن الإنكماش الإقتصادي والضمور الإستثماري وانهيار الليرة التركية في المرحلة الماضية، لم يحصل بسبب غياب حكومة فاعلة بقدر ما هو زعزعة ثقة بالإستقرار داخل تركيا، ولن يتمكَّن أردوغان وحكومة العدالة والتنمية من استعادة هذا الإستقرار قبل إقفال الحدود أمام إستيراد وتصدير الإرهاب وأعتدته وسلاحه، وقبل وقف التدخُّل في الشأن السوري بشكلٍ خاص، وقبل الإقرار بحقوق الأكراد، وإذا كان الأكراد قد خسروا أمامه معركة انتخابية وحلم المطالبة سياسياً بإنشاء كيان مستقل، فإن كل بقعة يسكنها أكراد في الداخل التركي باتت تعيش حكمها الذاتي ضمن كانتونات صغيرة يخشى الجيش التركي دخولها، وكذلك الموظفون المدنيون من الأتراك، والمعركة طويلة في الداخل التركي وعلى الحدود، ولن يصمت الجيش طويلاً على تطوُّر الفلتان الأمني والإنهيار الإقتصادي سواء كانت البلاد ضمن نظام برلماني أو في ظل نظام رئاسي، وبالتالي إذا كان أردوغان يعتبر أن نقل البلاد من نظام برلماني الى رئاسي شبيه بنظام الحكم الأميركي هو حلمه الأعظم فأنه حتى ولو نجح في الإستفتاء فلن ينتصر على 50% من الشعب التركي صوَّت ضدّ طموحاته نحو السلطة والسلطنة...