قالت الباحثة إنَّ الفحوص التي أجريت باستخدام الأشعة السينية على مومياوات الحيوانات، بدا وأنَّها تشير إلى أنَّ العمليّة التي كان يتبعها قدماء المصريين لتحنيط تلك الحيوانات، كانت تقتصر على الخطوات الأساسية لعملية التحنيط
كان قدماء المصريين يعتقدون أنَّ الحيوانات ذات مكانة مقدسة، ولذلك حنّطوا الملايين منها. وغالباً، كان آمون، كبير الآلهة في مصر القديمة، يُصوَّر على هيئة مخلوق برأس كبش، فيما كان يصوّر إله الموتى أنوبيس على أنّه ذو رأس حيوان ابن آوى. أما حورس، إله السماء، فقد كان يظهر عادة برأس صقر. وبرغم أنَّ إضفاء هذه الهالة المقدسة على تلك الحيوانات كان يجلب لها الاحترام والتوقير خلال حياتها، فإنَّ ذلك ربّما كان يؤدي كذلك إلى قتلها وتحنيطها.
في هذا السياق، كان من الممكن استهداف أيّ حيوان أو كائن؛ من التماسيح إلى قردة الرُبَّاح (البابون) وصولا إلى الطيور؛ بما في ذلك طيور البازي والصقور وكذلك طيور أبي منجل، حتى القوارض والثعابين كانت من بين ملايين الكائنات الحية التي جرى تحنيطها في مصر القديمة، من أجل تقديمها قرابين للآلهة، حتى ان الحيوانات كانت تُربى خصيصاً لهذا الغرض.
ومنذ ذلك الحين، جرى استخراج بعض هذه المومياوات، ولكن يُعتقد أنَّ ملايين أخرى لا تزال قابعة في سراديب الموتى، من دون أن يمسّها أحد لفترة تزيد على ألفيّ سنة. وفي متحف مانشستر البريطاني، عكف باحثون على التحضير بعناية لعرض نحو ستين مومياءً لحيوانات محنطة لزوار المتحف. وبالتزامن مع ذلك، أجرى هؤلاء الباحثون فحصاً بالأشعة السينية (أشعة إكس)، وكذلك تصويراً مقطعياً لمئات المومياوات.
وبفضل التقدّم التكنولوجي الحالي، بات في الإمكان فحص مومياوات الحيوانات القديمة هذه، عن قرب وبدقة شديدة لرؤية تفاصيلها على نحو غير مسبوق. واكتشف فريق البحث أنَّ بعض المومياوات لا تحتوي بالضرورة على بقايا الحيوانات المحنّطة التي كان من المتوقّع أن توجد فيها. فجانب من تلك المومياوات، كان يحتوي على بقايا لأجزاء من هياكل عظمية، بينما كان الجانب الآخر خاويا تماماً، بل إنه عُثر على بقايا عظام بشرية في داخل إحدى هذه المومياوات.
وتقول الباحثة في جامعة مانشستر، ليديا ماكنايت، التي فحصت المومياوات المعروضة في المتحف بالأشعة السينية، إنَّ هناك «محتويات متنوعة داخل هذه المومياوات على الرغم من أنها تبدو من الخارج متشابهة تماماً». وليس واضحاً السبب الذي يقف وراء ذلك، فربَّما كان الأمر يعود إلى أنّه كان هناك طلب هائل على مثل هذه المومياوات، ما أدّى إلى تقلص كميات العظام الكافية لتلبية ذلك الطلب. ولذا كان يُعتقد أنَّ توافر ولو عظمة صغيرة من الهيكل العظمي لحيوان ما أو أي شيء مرتبط به، كافٍ لكي يتم إرسال رسالة من خلاله إلى الآلهة.
وقد اكتشفت ماكنايت وزملاؤها كذلك أنَّ الطريقة التي حُنطت بها الحيوانات كانت مختلفة تماماً عن تلك التي حُنط بها أقرانها من البشر. وفي هذا الشأن، قالت الباحثة إنَّ الفحوص التي أجريت باستخدام الأشعة السينية على مومياوات الحيوانات، بدا وأنَّها تشير إلى أنَّ العمليّة التي كان يتبعها قدماء المصريين لتحنيط تلك الحيوانات، كانت تقتصر على الخطوات الأساسية لعملية التحنيط فحسب.
فعلى سبيل المثال، لم تكن عمليات تحنيط الحيوانات تشتمل على نزع الأعضاء الداخلية من أجسادها كما كان يحدث مع البشر. وقد عولجت هذه المومياوات بمزيج من مادة الراتنج المستخلصة من الأشجار وشمع العسل، وهو مزيج يعمل كغلاف مضاد للجراثيم والبكتيريا يغطّي الحيوان المُراد تحنيطه. ويشكّل هذا خطوة مهمة لوقف عملية تحلّل المومياوات.
وبعد إتمام هذه العملية، كان القائمون على عملية التحنيط يكتفون بلف المومياء ليس أكثر، بحسب ما توضح ماكنايت.
اللافت أيضاً أنَّ بعض هذه المومياوات كانت تحتوي داخل أمعائها على بقايا واضحة لآخر الوجبات التي التهمتها هذه الحيوانات قبل أن تهلك. وأشارت ماكنايت إلى أنَّ «الحفاظ حتى على بقايا ما كانت تحتويه الأمعاء، يعني أنّه كان يتعــين على القائمــين على عملية التحنيط تفريغ (هذه الأمعاء) من السوائل وتجفــيفها بسرعة شديدة. وهو ما يحول دون حدوث عمليات تحلّل قبل أن تُحفظ» هذه البقايا.
وبينما كان البشر في مصر القديمة يريدون تحنيط أجسادهم بعد الموت حتى يتسنى لهذه الأجساد الانتقال إلى العالم الآخر مع الروح، كان الهدف من وراء تحنيط هذه الحيوانات مختلفاً. فلم يكن من المتوقع أن ترتحل أجساد تلك الحيوانات إلى الدار الآخرة مثل البشر. ولكن عوضاً عن ذلك، كان الغرض من تحنيطها إرسالها إلى العالم الآخر قرابين أو رسلا موجهة مباشرة إلى الآلهة.