25-11-2024 10:02 AM بتوقيت القدس المحتلة

عهد الإرهاب ينتشر في ليبيا

عهد الإرهاب ينتشر في ليبيا

يشير لامب في مقالهغلى تنامي ظاهرة الارهاب والتصفيات بحق مناصري النظام الليبي السابق، واصفاً أعضاء المجلس الانتقالي بأنهم مصابون بجنون الاضطهاد

كتب: د. فرنكلين لامب
ترجمة: زينب عبدالله
بتغازي / ليبيا

بدأ عهد الإرهاب الفرنسي منذ أوائل أيلول/ سبتمبر 1793 واستمر حتى أواخر تموز/ يوليو 1794، وهو فترة العنف التي أعقبت "النجاح" الأولي للثورة الفرنسية التي حرض عليها الصراع بين الأحزاب السياسية، وقد اتسمت بتنفيذ الكثير من أحكام الإعدام التي تضمنت "اختفاء" الكثير من أعداء الثورة الملحوظين.

أما ليبيا فقد بدأت اليوم عهد الإرهاب الخاص بها والذي بات منتشرا لا محالة ومدعوما من الدول الأعضاء في حلف (الناتو) والتي تتضمن وحدات الخدمات الجوية الخاصة لدى كل من أميركا وفرنسا وبريطانيا، وتعرف هذه الوحدات محليا باسم "مجموعات الاختفاء". ويعدّ ذلك أحد تداعيات اندفاع الأمم المتحدة "لحماية المدنيين في ليبيا" المتطورة بوتيرة سريعة في الربيع الفائت.

ولهذا السبب يتوافد المحققون في مجال حقوق الإنسان إلى بنغازي هذا الأسبوع.

وفي السياق نفسه، تبعد القاهرة عن بنغازي حوالي 96 كيلومترا بحسب ما قالته لي إحدى وكيلات السفريات اللطيفة التي تعمل بالقرب من المقهى السويدي قبالة ميدان التحرير، وقد عبرت عن رغبتها في أن أستقلّ حافلة مرفّهة مزدوجة الطوابق في سفري إلى بنغازي متجها من القاهرة. وفي النهاية قررت أن أستقلّ شاحنة بثلث الكلفة على طول الصحراء المصرية والليبية وحتى دار القضاء في بنغازي. ولم يبد الأمر سيئا عقب الاجتماعات التي حصلت في الدول المجاورة وخصوصا تلك المتعلقة بالطرقات البديلة والتي تتضمن السفر جوا إلى تونس ثم السفر جوا إلى جربا، ومن ثم السفر برا، ولستّ ساعات من الخدمة المكتظة  إلى طرابلس. وقد كنت هناك وفعلت ذلك غير مرة وقد اضطررت للمغادرة فورا حتى ألتقي بعض الأشخاص الذين كانوا قد اعتقلوا في واحد من سجون بنغازي المكتظة.

وإلى أن أعلن المجلس الانتقالي التغييرات يوم أمس، لم يكن أحد من حملة جوازات السفر الأميركية بحاجة إلى تأشيرة لدخول ليبيا، وكان مسؤولو المجلس الانتقالي ممتنين جدا من الدعم المالي كله الذي زودهم به دافعو الضرائب الأميركيون من دون أن يعلموا، فضلا عن وضعهم في بلد يتمتع باحتياطي نفطي كبير جدا ونسبة الدين الوطني هي 0%.

وتعتبر الاحتمالات الليبرالية للحروف إحدى الاستعمالات اللغوية المحظوظة في هذا الجزء من العالم إذ تتطبق بالعربية التي تساعد أولئك الذين تشكل لهم اللغة نوعا من التحديات. وكما هو معروف بالإجمال، فهناك الكثير من الطرق لكتابة الكلمات العربية بالأحرف الرومانية ومعظمها مقبول. ولكن المرء يجب أن ينصت جيدا في ليبيا هذه الأيام كي يستطيع تمييز أهم الفوارق بين الكلمات الإنكليزية في الحديث عن مصير ازدياد عدد المؤيدين لنظام القذافي.

وفي الأجواء السائدة حاليا غالبا ما تسمع أن أحدهم "قد اختفى" مما يكون غالبا ذا وقع حسن إذ يعني ذلك، وبالاستناد إلى الرؤى السياسية للأفراد، أن فلانا مختبئ أو قد غادر المنطقة، وإما أنه غادر البلد بحثا عن الأمان. وبكلمات بديلة، يمكننا أن نعبر عن ذلك بقولنا إن فلانا "مختف" ما يعني أن النظام الجديد قد اعتقله فربما يكون قد اختفى للأبد من دون أن يبقى أي أثر يدل أحباءه عليه.

وبعد اجتماعات مع الليبيين (المختفين) الذين تم إخلاؤهم منذ تسعة أشهر من قصف (الناتو) المتمركز حاليا في بعض الدول المجاورة، وبعد لقاءات بمسؤولين سابقين معتقلين داخل ليبيا وبعض أفراد عائلاتهم فضلا عن أخصامهم الهاربين التابعين "للحكومة" الجديدة، أصبح من الواضح أن الفترة الحالية تتوالى على شكل نوبات ثأر فجائية وتطهير سياسي.

أما أولئك الذين باتوا أكثر استهدافا من قبل "مجموعات الاخنفاء" فهم أفراد العائلات والزملاء والعمال المحليون السابقون كالبستانيين والحرفيين والموظفين لدى المنتمين إلى النظام السابق. وتتم الآن مصادرة منازل وسيارات وأثاث المنتمين إلى النظام السابق بطريقة نظامية. كما وبات التعذيب الوسيلة الطبيعية لاستخراج المعلومات حول مكان وجود الأفراد الذين يعتقد بأنهم ما زالوا يؤيدون النظام السابق.

وبحسب مسؤول ليبي سابق بالكاد هرب من إحدى المجموعات الفرنسية ويقيم حاليا في مصر، قال إن: "السبب في ذلك هو السبب ذاته الذي جعل الطائرات من دون طيارين منتشرة في أعمال الولايات المتحدة العسكرية التعذيبية، ليس 100% وإنما هذا السبب أفضل من بقية الخيارات".

وبيدو أن هناك شائعة تتجرأ على القول إن بعض أفراد المجلس الانتقالي مصابون بجنون الاضطهاد إذ يعتقدون أنه ما دام هناك مؤيد واحد للقذافي في ليبيا فإن أفكاره ستعود إلى الدور الليبي أمام الغرب وإعادة استعماره للمخططات الأفريقية، والسيطرة على الموارد الطبيعية الليبية، وحكم علاقاتها بالشرق الأوسط الذي بات سريع التحول.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنه حتى أعضاء المجلس الانتقالي الذين يديرهم حلف (الناتو) قلقون من أن يتم التحقيق معهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية بعد أن صرح مدعي عام المحكمة بأن المزاعم حول الجرائم التي ارتكبها (الناتو) في ليبيا سيتم التحقيق بها "بنزاهة وحيادية". أما بعض المحامين الغربيين الموجودين حاليا في ليبيا لمساعدة ضحايا جرائم (الناتو) فيتقرب منهم أفراد النظام الجديد بصورة غريبة لإجراء مناقشات متعلقة بإمكانية ملاحقتهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية. ويعد هذا أيضا أحد الأسباب التي تجعل من الشائعات القائلة بأن سيف الإسلام أصبح قاب قوسين أو أدنى من الاستسلام للمحكمة عارية عن الصحة.

ومن جهة أخرى ينصح سيف الإسلام بالتروي وأخذ قسط من الراحة لأن قضية المحكمة الجنائية الدولية ستتلاشى أكثر كلما ظهرت حقائق جديدة حول جرائم (الناتو). كما ينصح المسؤولون الليبيون السابقون المختبئون بالبقاء في أماكنهم قدر استطاعتهم على أمل أن يكون الوقت لصالحهم.

وفي المقابل، ينصح المسولون الحكوميون في الدول المجاورة لليبيا بالسماح بلجوء المؤيدين للحكومة الليبية السابقة ورفض طلبات تسليم المجرمين لأن اتخاذ هكذا إجراء في لاهاي يمكن أن يسيطر على التحقيقات في جرائم الحرب.

وتعدّ تونس اليوم تحت ضغط كبير من (الناتو) كي لا تغير رأيها وترفض طلب تسليم رئيس الوزراء الليبي السابق بغدادي المحمودي. ويهتم (الناتو) بالأمر ذلك أن المحامين الأميركيين أوصوا الشهر الفائت بأن تطبق على البغدادي حالة اللاجئ السياسي لدى الأمم المتحدة بحسب المفوض الأعلى للاجئين في الأمم المتحدة لمحاولة منع تسليم تونس له. وفي 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 اعترفت الأمم المتحدة باستلامها طلب التماس الدكتور البغدادي.

أما الأسباب الأخرى التي تهم كلا من المجلس الانتقالي و (الناتو) فهي اعتماد المحكمة حاليا مراجعة قانونية داخلية شاملة لجميع الأحداث التي أدت إلى وجود ضحايا مدنيين سواء من قصف (الناتو) أو الأعمال الأخرى التي قام بها كل من المجلس الإنتقالي وحلف (الناتو). وقد أصبح الفريق ذو القيادة الأميركية قريبا من إتمام تحقيقه الذي يمتد ستة أشهر والذي يفترض أن تتم إحالته إلى المحكمة الجنائية الدولية وتعميمه قريبا.

والسبب الرئيسي في استقالة رئيس الوزراء المؤقت السابق محمود جبريل مؤخرا، والذي سيدفع البقية للقيام بذلك، كان الضغط الذي مارسه عليه الإسلاميون والكثيريون غيرهم من الذين يتذكرون سجلّه عندما كان وزيرا للعدل في حكومة النظام السابق، فضلا عن قلق جبريل من أن تحقق معه المحكمة الدولية لعدد من القرارات التي اتخذها على مدى الأشهر الثماني الماضية والتي دخلت الآن دائرة الضوء.

وعقب بيانه السخيف الذي ألقاه حول كيفية قتل معمر القذافي بعد اعتقاله حيا، الأمر الذي يشكل جريمة حرب لا نقاش فيها، يزعم جليل حاليا أنه ليس من أصدر الأمر باغتيال القذافي أو صديقه السابق العميد يونس، ولكنه في تفصيله في مؤتمر صحفي عقده بالأمس، ووسط تمتمات الصحافيين المجتمعين، قال: "يوجد طرف ثالث يمكن أن يكون دولة أو رئيسا أو قائدا ما أراد قتل القذافي من دون كشف الأسرار الكثيرة التي أراد القذافي الاحتفاظ بها".

وفي الواقع لم يكن يفترض بجليل أن يذكر أن القذافي يعلم الكثير من الأسرار عنه وعن غيره من مسؤولي المجلس الانتقالي، ولا يعدّ جليل الوحيد بين مسؤولي (الناتو) والمجلس الانتقالي المتخوفين من تحقيق المحكمة الجنائية الدولية.

ولكن هذا هو الجو الذي يسود عهد الإرهاب في جميع أنحاء ليبيا.

للاطلاع على المقال باللغة الانكليزية اضغط هنا

يمكنكم التواصل مع فرنكلين لامب على بريده الألكتروني
fplamb@gmail.com