أربع سنوات على الأزمة السياسية المستفحلة في البحرين، لم تزد الشارع البحريني إلا تصلباً كل في معسكره
أربع سنوات على الأزمة السياسية المستفحلة في البحرين، لم تزد الشارع البحريني إلا تصلباً كل في معسكره، معسكر وجد أن التراجع عن مطالب الإصلاح خيانة لدماء أبنائه وتضحيات أهله، وآخر رأى في الانصياع لمطالب الشراكة إنكسار وانهزام!
كل اللغات تفرقت في البحرين، الانقسام السياسي طال الطبقة المثقفة والرياضيين، وتمظهر في الإعلام. اللغة الاعلامية التي فرقتها السياسية، جمعها هم الوضع المعيشي نفسه... فما الذي يجري في البحرين اليوم؟
بعد إنطلاق الحراك الشعبي في البحرين في شباط/فبراير2011، شهد معدل النمو الاقتصادي في البحرين تراجعاً ملحوظاً لم يصل إلى حدود الانهيار نظراً لاعتماد الاقتصاد البحريني على ارتفاع أسعار النفط العالمية الذي ارتد ايجاباً على عائدات الدولة. إلا أن تراجع أسعار النفط من 120 دولار لسعر البرميل ليصل إلى ما دون الخمسين دولاراً للبرميل وضع البحرين أمام وضع اقتصادي خطير، في بلد تشكل عائداته النفطية 86 في المئة من إيرادات موازنة الحكومة.
وترجع الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البحرين إلى " تدنّي أسعار النفط والالتزامات الأخرى" بحسب تقرير أعده ولي العهد البحريني سلمان بن حمد آل خليفة، فما المقصود بالتزامات الأخرى؟
مصادر بحرينية توضح أن الالتزامات الأخرى متعلقة بالكلف التي تنفق عليها الحكومة البحرينية على شركات العلاقات العامة التي تقوم بجولات حول العالم ومهرجانات من أجل تحسين صورة النظام في الخارج، خصوصاً أن الحلول الأمنية التي اعتمدتها السلطة لقمع الحراك الشعبي جعلت صورة النظام مقرونة بالقمع ورصاص الشوزن.
هنا شهادة للصحافي البريطاني المهتم بحقوق الانسان جون لوبوك:
"هذا ما يفعله النظام في البلاد: أنفق 32 مليون دولار على الأقل على إدارة سمعته منذ بداية الربيع العربي. أنا على دراية بذلك لأن واحدة من هذه الشركات هددت بمقاضاة صحيفة الغارديان بتهمة التشهير بعد أن كتبت مقالًا مع نبيل رجب متهمين قوات الأمن البحرينية بتعذيب العاملين في حلبة الفورميولا1."
إضافة إلى هذه الشركات، يذهب قسم من النفقات البحرينية على المرتزقة الذين يستقدمهم من الخارج لقتل شعبه، لازالت فضيحة الدرك الأردني التي كشف عنها موقع مرآة البحرين حاضرة في الذاكرة: "499 عنصرا يكلفون البحرين 1.8 مليون دولار شهرياً".
وسابقاً، حفلت الصحف الباكستانية بإعلانات عن وظائف بمرتبات مغرية ضمن صفوف الحرس الوطني وفق ما نقلت "الجزيرة انكليزية"، وشاركت أعداد كبيرة من هذه القوات بانتهاك جزيرة سترة بالتعاون مع قوات سعودية التي استقدمت ضمن صفوف درع الجزيرة.
عامل آخر، يُضاف إلى سلسلة العوامل التي تدخل ضمن مسببات الأزمة الاقتصادية في الجزيرة الخليجية.
في أيار/مايو السابق، نشرت صحيفة "الرياض" السعودية تقريراً لصندوق النقد الدولي بيّن أن البحرين تحل مرتبة الرابعة للدول العربية المتلقية للمساعدات المالية السعودية المباشرة. وقالت الصجيفة إن السعودية رصدت 10.7 مليارات ريال (2.8 مليار دولار) كمساعدة مالية مباشرة للبحرين خلال الفترة من كانون الثاني/ يناير 2011 إلى نيسان/أبريل 2014، وقالت إن المساعدات المالية السعودية المرصودة للبحرين تشكل نحو 8.4% من إجمالي الناتج المحلي للبحرين.
اليوم تقلصت نسبة المساعدات السعودية للبحرين بموجب تكاليف العدوان الذي تشنه السعودية وتشارك فيه البحرين ضد الشعب اليمني. وهو ما حرم البحرين من هذه المساعدات. ومنذ الأيام الأولى للعدوان، أعلن المصرف المركزي السعودي أن بلاده بدأت السحب من احتياطاتها من النقد الأجنبي للمرة الأولى منذ 2009 لتغطية عجز قياسي متوقع في موازنة الدولة ناتج عن انهيار أسعار النفط، ومن المتوقع أن تزداد بسبب نفقات الحرب في اليمن.
هذه الإلتزامات التي ألمح إليها ولي العهد البحريني معطوفة على تراجع الأسعار العالمية للنفط، دفعت الحكومة البحرينية لاتخاذ سلسلسة إجراءات كانت سبباً في توحيد مختلف البحرينيين على رفضها.
وفي آب/أغسطس الماضي أعلن وزير الصناعة والتجارة البحريني زايد الزياني أن الوزارة على أتم الاستعداد لتنفيذ قرار مجلس الوزراء المتعلق برفع الدعم عن اللحوم، اعتباراً من الأول من أيلول/سبتمبر المقبل، على أن تليه قرارات متعلقة برفع الدعم عن الكهرباء والماء والبنزين، بحسب عضو اللجنة الحكومية النيابية المشتركة لمراجعة سياسة إعادة توجيه الدعم وتنمية الإيرادات الحكومية بمجلس النواب أحمد قراطة.
قرار الحكومة كان كفيلاً بتحريك الشارع البحريني، على انقساماته، ضده وهو ما دفع إلى تأجيل تنفيذه حتى الأول من تشرين الأول/اكتوبر. الفئة الموالية للنظام، التي لم تعتد الخوض في قضايا الفساد، علت صيحاتها باسم "مصلحة المواطن". ودفعت كُتّاب النظام لمسايرة هذه الصيحات.
صحيفة الأيام البحرينية، التابعة لنبيل الحمر مستشار الملك البحريني، نقلت مواقف لبرلمانيين مؤيدين للنظام، عبروا فيها عن رفضهم لرفع الدعم عن اللحوم والسلع الرئيسية في البحرين:
كتلة الأصالة التي تمثل التيار السلفي في البحرين، قالت إن القرار الحكومة مرفوض، وقالت: "إذا أرادت الحكومة معالجة العجز فلتوقف هدر المال العام في جوانب أخرى، وبعدها الانتقال لأمور تمس المواطن، إلا أن الحكومة تتجاهل ذلك وتحاول إيقاف الدعم عن المواطنين".
كتلة المنبر الإسلامي، المحسوبة على تيار الاخوان المسلمين، دعت الحكومة لأن "لا تتخذ الحكومة إجراءات ارتجالية من دون الرجوع للسلطة التشريعية، ومن دون عرض الدراسات والمبررات المصاحبة لهذه القرارات".
من جانبها، حثّت البرلمانية سوسن تقوي، المقربة من السلطة، الحكومة على إعادة النظر في قرار رفع تسعيرة الديزل وما سيؤثره هذا القرار على رفع المنتجات والأسعار في السوق البحرينية.
صحيفة الوطن، التابعة للديوان الملكي البحريني، نشرت مقالاً لهشام الزياني، حاول فيها الموازنة بين مجاراة رفض قرار الدعم وإبداء الحرص على صورة النظام فكتب الزياني: " والكرة أخذت تتدحرج بعد أن بدأت بالديزل، حتى وإن كان إجراء الديزل صحيحاً، إلا أن صوت رجال الأعمال أخذ بالمقابل يتصاعد حول كلفة المشروعات التي سترتفع جراء ارتفاع كلفة النقل، وبالنهاية كل ذلك سيسدده المواطن بشكل أو بآخر". وأضاف: "فمن يأتي للدولة يقترح عليها رفع الدعم عن الطحين فهو ليس من المخلصين، بل يبدو أنه يريد أن تتصاعد أصوات الناس ضد الدولة… وسوف يسعى لتأليب الناس على الدولة، ولكن هذه المرة من الجانب المعيشي، وليس من الجانب السياسي".
وبأسلوب ساخر علقت صحيفة "مرآة البحرين" الالكترونية على الخبر : "حلبة البحرين الدولية والتي بناها ولي العهد لولعه بسباق السيارات، فقد كلفت ما يقارب الـ 60 مليون دينار (فقط البناء)، وكان هذا يخص العام 2004 أي قبل 11 عاماً، فيما لم يكن سكان البحرين يتجاوزون الـ 700 ألف نسمة ما يعني أن دعم الدولة للحوم آنذاك كان تقريباً نصف ما هو عليه الآن في 2015، (آخر إحصاء للبحرين في 2010 أشار إلى أن عدد السكان تجاوز المليون و200 ألف نسمة)، وهكذا كلّف شغف سلمان بن حمد لسباق السيارات خزينة الدولة في 2004 ضعفي ما يكلّف خزينة الدولة في دعم اللحوم بالبحرين في العام 2015."
وتابعت الصحيفة المعارضة: "ويمكن للقارئ أن يقارن مبلغ دعم اللحوم الذي ستوفّره الدولة، بالرواتب التقاعدية للوزراء السابقين ومستشاري الملك وولي العهد، وأوجه صرف أخرى يمكن ترشيدها أو الاستغناء عنها، كالوفود البرلمانية وحملات العلاقات العامة (هذه هي البحرين) التي يشارك فيها العشرات من الأجانب والبحرينيين على نفقة الدولة… يستطيع القارئ أن يقارن ليكتشف حجم الهدر والتبذير من أجل نزوات الملك وعائلته، والتي لم تتأثر، بينما المواطن الفقير ازداد فقراً، وسيزداد أكثر مع رفع الدعم عن الكهرباء وأشياء أخرى كثيرة مع مطلع العام المقبل 2016."