سألني صديقي المثقف الفرنسي، بُعيد تفجير(برج البراجنة) مساء الخميس 12 نوفمبر2015 ونشر أسماء فلسطينيين قيل إنهما الانتحاريان، هل تتوقع أن يُحرق مخيّم برج البراجنة؟ قلت له لا، مستحيل أن يحدث ذلك.
علي الديري*
سألني صديقي المثقف الفرنسي، بُعيد تفجير(برج البراجنة) مساء الخميس 12 نوفمبر2015 ونشر أسماء فلسطينيين قيل إنهما الانتحاريان، هل تتوقع أن يُحرق مخيّم برج البراجنة؟ قلت له لا، مستحيل أن يحدث ذلك.
في اليوم التالي، وبعد ساعات قليلة من تفجيرات باريس مساء الجمعة 13 نوفمبر أُحرق مخيم (كاليه) شمال فرنسا، يقطنه حوالي 6000 لاجئ أغلبهم من سوريا، ألحّ علي صديقي بالسؤال مرة أخرى: لماذا لم يحرق مخيّم برج البراجنة وهو أكبر مخيمات الفلسطينيين في بيروت، ويقع على الطريق الرئيس المؤدي إلى مطار بيروت الدولي، ويقطنه حوالي 25 ألف لاجئ فلسطيني؟ قلت له انتظر لنسمع خطاب السيد حسن نصر الله فلعلّ فيه ما يجيب سؤالك.
انتهى خطاب السيد، وكان فيه ما فيه من دفاع مستميت عن هذا المخيّم وعن أهله وعن قضيته. قلت لصديقي: لعلّك أدركت أن السرّ يكمن في هذا الرجل الذي استوعب كل مشاعر الغضب في جمهوره.
قال: لكني لم أستوعب بعد، ما الذي يجعل من رجل عانى شارعه من السيارات المفخّخة التي قاد معظمها فلسطينيون من هذه المخيّمات، بهذه الحكمة، بل ما زالت رموش عينيه ظلال طمئنينةٍ وأمان لهذه المخيّمات. قلت له: السرّ يكمن في جدّه. إنه ينتمي إلى ثقافة جدّه الحسين (ع). لقد خبِر آلام المخيّم وعرف بؤس ثقافة الانتقام. كانت عائلة جدّه في اليوم العاشر من محرّم، في مخيّم كربلاء الذي ظل يدافع عنه وحيداً حتى آخر سهم اخترق قلبه، لم يكتف الجيش الأموي بقتله فأمعنوا في حرق خيم أطفاله ونسائه وعائلته، وأذاقوهم ذلّ السبي. كان عمر بن سعد يقول لجنوده: "دونكم الخيام فانهبوها".
لقد ورث السيّد غصّة هذا المخيم في قلبه ووجدانه، فصارت قضيته الدفاع عن أهل المخيمات المظلومين، فهو يرى فيهم ما رأى جدّه في مخيّمه، ويرى فيهم امتداداً لذلك المخيم، لذلك لا يمكنه أن يدفع جمهوره لحرق مخيمات يلتجئ إليها مظلومون ليحتموا بها.
ليس لدي تفسير لماذا لم تحم قيم عصر الأنوار (مخيّم كاليه) في فرنسا من الغضب والانتقام اللذين أحرقاه، ولماذا لم تحمه دروس الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا عن قيم التسامح والغفران التي كان يقدمهما في جامعة (دي كولدج)، ولماذا لم يحمه دفاع جون بول سارتر عن قيم الوجود والعيش، ولماذا لم يحمه شعار الثورة الفرنسية الذي يرسّخ قيم المساواة والأخوة والحرية، تلك التي ردّدها بالفرنسية الرئيس الأمريكي ليلة حصار (مخيّم) ملعب أستاذ دو فرانس، لا أستطيع أن أفهم ذلك، لكني في هذه اللحظة أستطيع أن أفهم ثقافة (مخيم الحسين) التي حمت مخيّم (برج البراجنة).
كاتب بحريني.
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه