رغم صعوبة المرحلة التي يعيشها لبنان على مختلف الصعد، إلا ان بارقة أمل لاحت في الفترة الاخيرة وتمثلت بحالة التضامن الانساني العارم بين اللبنانيين التي شهدنها بُعيد وقوع التفجير الارهابي في برج البراجنة.
ذوالفقار ضاهر
رغم صعوبة المرحلة التي يعيشها لبنان على مختلف الصعد، إلا ان بارقة أمل لاحت في الفترة الاخيرة وتمثلت بحالة التضامن الانساني العارم بين اللبنانيين التي شهدناها بُعيد وقوع التفجير الارهابي في برج البراجنة، وقد سبق ذلك إلزام اللبنانيين أنفسهم بالتوافق على عقد الجلسة التشريعية.
هذا الجو الإيجابي الذي ساد في لبنان جعل اللبنانيين أمام خيار لتحويل الازمة والمأزق والألم اللبناني الى فرصة، فرصة متاحة للعودة بالبلد الى الحياة الطبيعية انطلاقا من ضرورة رفض الفتنة وإيجاد السبل للوصول الى مخرج للازمة السياسية التي تثقل حياة الشعب اللبناني وتمنعه ليس من العمل فقط بل باتت تراكم مشاكله وازماته المختلفة.
فقد تلقف الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الفرصة وأعاد على اللبنانيين طرح ما سبق ان طالب به من تسوية سياسية على ان تكون شاملة تشمل رئاسة الجمهورية والحكومة وقانون الانتخاب، مع تأكيده ان المطروح ليس مؤتمرا تأسيسيا وإنما حل بالجملة لا "بالحبة" عبر الدستور والاليات المعتمدة به وبوجود اتفاق الطائف، وذلك لطمأنة كل من يهمه الامر ممن قد يتحسس من الحديث عن "المؤتمر التأسيسي" او تعديل لـ"الطائف" بأي شكل من الاشكال.
لبنان ليس محل اهتمام الخارج فلماذا تأخير التوافق الداخلي الشامل؟
وحقيقة ان وجوب ايجاد تسوية شاملة بات مطلبا ملحا اليوم ولا فائدة لاحد من التأخير او المناورة او حتى طرح الامور "فرادى" او تقديم الامور من كل فريق حسب اولوياته كما يجري في طاولة الحوار، بل يجب البحث جديا للوصول الى حل لكل الامور كـ"سلة واحدة"، وهذا بالواقع يحقق لكل فريق طموحه، فمن يريد إنجاز الاستحقاق الرئاسي سيحقق مراده ومن يسعى لاقرار قانون الانتخاب سيكون له ذلك ومن عينه على الحكومة وتفعيل عملها سيفوز بها بمباركة جميع الاطراف، فالمشاكل اللبنانية ما عادت تحتمل الانتظار لان اللبنانيين ملّوا عدم ايجاد حلول لكل تلك الازمات، كما ان من الامور الغاية في الاهمية ان لبنان ليس محل اهتمام الخارج فلكلٍ مشاكله وازماته وليس ما جرى مؤخرا في باريس من هجمات ارهابية وانشغال فرنسا بها وبنتائجها وتداعيتها إلا مثالا حيا على ذلك.
وفي هذا الاطار، تبين ان دول العالم واوروبا بالتحديد أظهروا نسبة عالية من التضامن مع فرنسا وكأن لبنان وما قدمه من شهداء مؤخرا في برج البراجنة وما يعانيه في مواجهة الارهاب لا يستحق نسبة عالية من التضامن شبيهة بما حظيت به فرنسا، وهذا بالطبع ما على اللبنانيين ان يفقهوه ويسارعوا بعيدا عن الحسابات الضيقة والآنية لبعضهم لتلقف دعوة السيد نصر الله وإتمام التسوية السياسية الشاملة وإعادة لبنان الى مصاف الدول الديمقراطية العاملة.
حول ذلك أشار الكاتب والمحلل السياسي غسان جواد الى ان "طرح السيد نصر الله ينطلق من زاويتين:
- الاولى محلية: حيث ان السيد نصر الله وجد ان الفراغ والشلل والاهتراء يصيب الدولة بكل مؤسساتها وان عدم الانتظام بدأ ينتج مشاكل وأزمات اقتصادية وسياسية وأمنية ايضا كان آخرها التفجير الارهابي في برج البراجنة.
- الثانية اقليمية: حيث ان السيد نصر الله لا يريد ربط لبنان بالازمة الاقليمية الدولية وهو نصح اكثر من مرة بعدم ربط لبنان بالمسار الاقليمي او الدولي وعدم انتظار احد ليقدم لنا الحلول للخروج من الازمات".
وقال جواد في حديث لموقع "قناة المنار" إن "فكرة السلة الكاملة رحبت بها كل الاطراف إلا ان الخشية تبقى في التفاصيل التي يمكن ان تعيدنا الى الانقسام"، واضاف "على سبيل المثال تيار المستقبل رحب بالمبادرة ولكنه اعتبر ان رئاسة الجمهورية هي الاولوية وهي مدخل الحل"، وتابع "في حين ان قوى 8 آذار ترى كل الملفات أولوية وتحتل نفس المرتبة من الاهمية بما فيها قانون الانتخاب".
جواد: لعقد مؤتمر وطني لبناني يخرج بتسوية شاملة بدون انتظار اي حل خارجي
ورأى جواد انه "لا بد من عقد مؤتمر وطني لبناني ولا بأس ان يكون برعاية اقليمية اذا توفرت"، واوضح ان "هذا المؤتمر عليه ان يخرج باتفاق حول رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة، شكل الحكومة وشكل قانون الانتخاب الذي على اساسه يتم إجراء الانتخابات النيابية المقبلة التي تعيد انتاج سلطة جديدة في البلد"، ولفت الى انه "ربما الآن الوقت قد يكون غير مؤات للبعض للخوض في هكذا مبادرة إلا انه مع الوقت سيظهر للجميع انها الاقرب للواقع وللموضوعية وان جميع الاطراف سوف تبدأ بالعمل عليها".
ودعا جواد "اللبنانيين لعدم انتظار حدث ما للجلوس سويا وانتاج هذه التسوية الشاملة التي طرحها السيد نصر الله"، ورأى انه "من خلال الاداء السياسي الذي ظهر بعد تفجير برج البراجنة الارهابي تبين ان هناك هامشا كبيرا من النضج لدى مختلف القوى السياسية اللبنانية وبالتالي يجب استثمار هذا النضج باتجاه التسوية الشاملة".
واعتبر جواد انه "عندما يطرح السيد نصر الله التسوية الشاملة فهذا يعني ان قوى 8 آذار جاهزة لتقديم تنازلات مقابل تنازلات يقدمها الطرف الاخر بعد جلوس كل الاطراف من 8 و14 وكل من يعتبر نفسه وسطيا والدخول في مفاوضات وطروحات تفيد البلد"، واكد ان "تمسك حزب الله بخياراته وخصوصا لجهة ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية لا تنتقص من هذه المبادرة"، واوضح ان "المنطق لا يدعو حزب الله للتخلي عن خياراته وطروحاته اذا ما تقدم بمبادرة سياسية إلا ان الجلوس على الطاولة يدفع كل فريق لتقديم ما لديه للخروج بالحلول الانسب للبلد"، مشددا على انه "حتى لو خاض كل الاطراف غمار هذه التسوية فإن العماد عون سيبقى ممرا إلزاميا للوصول لحل في مسألة الاستحقاق الرئاسي".
وعلى صعيد رئاسة الحكومة، قال جواد "اذا ما أراد فريق 14 آذار وخاصة تيار المستقبل العودة الى السلطة فلا بد من تقديم تنازلات ايضا للفريق الآخر وخاصة فريق المقاومة"، واعتبر انه "يجب ان يوجد تقليد جديد في لبنان يقضي بأن يكون رئيس الجمهورية قريب من المقاومة او بالحد الادنى مقبولا منها المقاومة وبالمقابل يكون رئيس الحكومة محسوبا بقوة على 14 آذار"، ولفت الى ان "حديث 14 آذار عن شخصية وسطية لرئاسة الجمهورية قد يؤدي الى طرح شخصية وسطية لرئاسة الحكومة".
ورأى جواد انه "رغم كل ما يجري في المنطقة فإن الايراني والسعودي يتحاوران انطلاقا من لبنان"، واشار الى ان "اختبار احتمال التسوية في الاقليم ربما تبدأ من لبنان مع فحص احتمالات التسوية وكيفية ادارتها"، ودعا جواد "لانتظار مواقف تيار المستقبل في قادم الايام لفهم طريقة السلوك والموقف السعودي في هذا المجال".
بالتأكيد ان اللبنانيين لديهم من الذكاء والحنكة ما يمكنهم من تدوير الزوايا وحلحلة اصعب المشاكل، طالما وجدت النوايا الجدية لذلك، ولهم في الجلسة التشريعية الاخيرة المثال الحي على ذلك.. فإن أرادوا استطاعوا استخراج الحلول الشاملة العامة لكل مشاكلهم بعيدا عن المصالح الخاصة الضيقة، وجنبوا الوطن الخضات والفتن.