ما خرج إلى العلن وعلى وسائل التواصل الإجتماعي، أوضح نقاطا عديدة، وكشف عن تيارات داخل الحركة
احمد فرحات
ليس أمراً عادياً على حركة ك"أحرار الشام" أن تتبرأ من بيان مسؤول بارز فيها وأساسي كأبو راتب الحمصي حول أحداث باريس الأخيرة، وهي التي خاطبت الدول الغربية سابقاً في مقالات نشرت في صحف أوروبية، وغازلت المجتمع الدولي من بوابة "الإعتدال".
لكن أبو راتب وهو قائد ما يسمى "لواء الحق" في حركة أحرار الشام، وشغل منصب أمين عام "الجبهة الإسلامية" بارك عملية باريس من خلفيته العقائدية، التي استمدها من فكر مؤسسي الحركة الأوائل. لكن قيادة الحركة السياسية الحالية، يبدو أنها وجدت تصريح أبو راتب قد عفى عليه الزمن، ولا يتلاءم مع مرحلة التسويات على الساحة السورية، فوضعته في خانة الإجتهادات الشخصية، التي لا تعبر عن الموقف الرسمي.
ما خرج إلى العلن وعلى وسائل التواصل الإجتماعي، أوضح نقاطا عديدة، وكشف عن تيارات داخل الحركة، وهم بحسب ظاهر الأمور ثلاثة.
اول تلك التيارات وأوضحها، هو الذي يقوده قائد الحركة الجديد أبو يحي الحموي، ومسؤول العلاقات الخارجية أبو عز الدين لبيب النحاس، ورئيس المجلس السياسي محمد الشامي.
وصعد نجم هذا التيار بعد مقتل قادة الحركة السابقين في تفجير رام حمدان عام 2014 (مجهول المنفذين). ويسعى هذا التيار إلى التعاون مع المجتمع الدولي، والتخلي عن الهوية "السلفية" للحركة بدعم تركي واضح.
وعمل هذا التيار على فصل كل من يعارضه الرأي وأبرزهم أبو شعيب المصري، وسراج الدين خلوصي. وكادت مساعي هذا التيار أن تنجح في عزل القائد العسكري العام أبو صالح طحان، الذي يقود التيار الثاني.
ويقف إلى جانب طحان، شرعي الحركة العام أبو محمد الصادق، وأبو راتب الحمصي وهو أمير الحركة في حمص، كما يضم عدداً لا بأس فيه من الشرعيين والعسكريين.
ويتمسك هذا التيار بالمبادئ "السلفية"، ويرفض خيارات المجلس السياسي للحركة، خصوصاً انفتاحه الواضح على الغرب، وتقديم الحركة على أنها "معارضة معتدلة". كما يسير طحان وشركاؤه على خطى أبو خالد السوري، أحد أبرز قادة الحركة المؤسسين الذي قتل في تفجير وقع في حي الهلك بحلب عام 2014، وفي ركب رؤى تنظيم القاعدة في عالمية "الجهاد".
ويرفض التيار الثاني القرارات الدولية بوصفها "كفرية" ويعتبر التعاون مع جبهة النصرة (الجناح السوري لتنظيم القاعدة) استراتيجياً، وكذلك مع الجماعات التي تجري في فلك التنظيم كجند الأقصى (الذي أسسه القيادي البارز في تنظيم القاعدة أبو عبد العزيز القطري - فلسطيني الجنسية - والذي قتل في ريف ادلب عام 2014) وأنصار الدين والحزب الإسلامي التركماني وإمارة القوقاز في الشام التي يقودها صلاح الدين الشيشاني.
وبين هذا وذاك، يقف جناح ثالث يترأسه أحد مؤسسي الحركة خالد أبو أنس، والقائد السابق لها أبو جابر الشيخ ورئيس مجلس شورى الجبهة الإسلامية أبو عيسى الشيخ. ويحاول هذا التيار امتصاص الأزمات ومنع انهيار الحركة، بالتنسيق مع دول الإقليم خصوصاً تركيا والخليج.
ويعمل كل تيار على استقطاب أعضاء آخرين داخل الحركة، لكن وحدة أحرار الشام أو إنهيارها، يحددها اللاعب الإقليمي، خصوصاً التركي والخليجي، وبحسب العلاقات بين الطرفين الإقليمين، يُحدد مصير الحركة، إلا إذا قرر أحد الأطراف، حسم الأمور لصالحه بالقوة، خصوصاً مع ما تشهده الساحة السورية من إعادة فرز للجماعات المسلحة على ألحان الحل السياسي، وارتفاع في وتيرة الإغتيالات وآخرها، تصفية قائد لواء شهداء اليرموك محمد البريدي "الخال"، على يد جبهة النصرة.
وشهدت حركة أحرار الشام تحولات عدة منذ تأسيسها في بدايات الأزمة السورية كجماعة مسلحة، على يد أشخاص قاتلوا بمعظمهم مع تنظيم القاعدة في العراق تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي، خلال فترة الإحتلال الأميركي للبلاد.
وتريد أحرار الشام حاليا حكم سوريا عبر صهوة الحصان التركي، لكن دون ذلك عقبات كثيرة، قد تحول بينها وبين هذا الحلم، أولها هزائمها المتكررة في الميدان أمام الجيش السوري وحلفائه. ثانيها، الخلافات داخلها والتي قد تهدد امكانية استمرارها بالشكل المطلوب.
ثالث هذه العقبات امكانية التصادم في مرحلة لاحقة مع جبهة النصرة، صاحبة حلم الإمارة ولو على مدينة، حتى لو استتب الأمر داخل الحركة لأصحاب التيار الثاني، كون شبق السلطة يبقى الفيصل في هذه الأمور، كما جرى بين داعش والنصرة، (جناحي تنظيم القاعدة العراقي والسوري).
ورابع العقبات وجود زهران علوش في الغوطة الشرقية مع علاقاته الإقليمية مع السعودية، الذي لا يسمح بنمو أي جماعات مخالفة له في إمارته دوما ومحيطها.
وتعي قيادات أحرار الشام جيداً هذه المعضلة، لذلك رمت جميع الاطراف فيها اوراقها في الصندوق التركي، الذي قد لا يستطيع حمايتها، حتى على معبر حدودي تسيطر عليه.