تهدد الكوارث الطبيعية بمحو تاريخ من الحضارة في عدد كبير من البلدان، كما يهدد الإرهاب بتدمير مزيد من كنوز الآثار في العراق وسوريا.
تهدد الكوارث الطبيعية بمحو تاريخ من الحضارة في عدد كبير من البلدان، كما يهدد الإرهاب بتدمير مزيد من كنوز الآثار في العراق وسوريا.
ولعل أكبر مثال ما تعرَّض له القصر الآشوري الشمالي الغربي القديم في نمرود في محافظة نينوى العراقية، ومتحف مدينة الموصل في العراق، ومعبدي بعل شمين وبعل في مدينة تدمر السورية القديمة، التي نُهبت ودُمرت جميعها.
وفي مواجهة ذلك، يتهيأ فريق من «معهد الآثار الرقمية لاستخدام التكنولوجيا» لحماية التراث الثقافي العالمي.
ويُعدّ المعهد، الذي أسسه في العام 2012 روجر مايكل، جهداً مشتركاً بين جامعتي «هارفارد» الأميركية و «أكسفورد» البريطانية. ويهدف إلى إنشاء سجل بيانات مفتوح المصدر لصور عالية الوضوح، ورسوم توضيحية ثلاثية الأبعاد لمحفوظات عديدة، مثل وثائق أوراق البردي والوثائق الورقية والنقوش والتحف الصغيرة.
وبدأ المعهد عمله في المعمل، قبل أن ينتقل إلى الميدان، حيث شرع باحثوه في توثيق الآثار القديمة رقمياً، وفي أذهانهم إمكانية أن يساهموا في حماية تراث هذه المواقع.
وقد انطلق المعهد في ما سماه «سجل المليون صورة» في بداية العام 2015. وحتى يخترع سريعاً آلة تصوير فريدة لهذا المشروع، اجتمع فريق تقني من المعهد يقوده ألكسي كارينوفيسكا، الباحث في مجال المغناطيسية، في أكسفورد، لتطوير آلة تصوير ثلاثية الأبعاد وقليلة التكلفة.
كما أعدّ المعهد و «منظمة العلم والثقافة والتربية» التابعة للأمم المتحدة «يونيسكو» قائمة بأغلب المواقع المهددة. ولا يمكن مناقشة تفاصيل القائمة علانية، نظراً لطبيعة المشروع الحساسة، لكن كثيراً من المواقع الموجودة فيها مدرجة في قائمة المنظمة الدولية لتراث العالم المهدد، ومن بينها تدمر، التي تمكن الفريق من الوصول إليها وتوثيقها قبل تدميرها.
في هذه الأثناء، جمع المدير الميداني في المعهد، بن ألتشولر، «جيشاً» من موظفي المتاحف، وأعضاء جمعيات الآثار، وعلماء الآثار، للمساعدة في المشروع.
ويعتبر هذا العمل بطبيعة الحال محفوفاً بالمخاطر. ولهذا السبب يراعي المتطوعون احتياطات مشددة، من بينها مثلاً، وجود فترة ملزمة مدتها ثلاثة أشهر بين وقت التقاط الصور، والموعد الذي ستنشر أو تبث فيه، ما يجعل من الصعب التأكد من معرفة مكان المصور لحمايته.
ويقدر مايكل عدد آلات التصوير الموجودة في الميدان بحوالي ألف، يعتزم زيادتها إلى خمسة آلاف مع نهاية العام الحالي. وبالرغم من المخاطر، فإن «لدى الناس رغبة في الاستمرار»، يقول الباحث.
من جهتها، تلاحظ الباحثة في جامعة بنسيلفانيا، كاثرين هانسون، والتي تركز بحوثها على حماية التراث الثقافي، أن فقدان الأطلال في مواقع مثل تدمر، ونمرود، ووجود مئات المواقع التاريخية المسجلة، قد يكون له تأثير كبير في السكان في المنطقة.
وتضيف «بناء تراث ثقافي لمكان ما يرتبط بعمق بإحساس السكان المحليين بالهوية، ولذلك، فإننا وإن لم نستطع استعادة تدمر الأصلية، فإن المواقع القديمة ستظل، بفضل عمل معهد علم الآثار الرقمية، موجودة بصورة ما، يسهل وصول الناس إليها».
وفي بعض الحالات، سيسمح المشروع حتى بإعادة بناء مواقع معينة. فالمباني التي دُمرت، على سبيل المثال، يمكن بناؤها بما يماثل الأصل، بفضل تقنية الطباعة الثلاثية الأبعاد باستخدام الإسمنت.
وقد لا تكون إعادة البناء «أنقى» السبل للحفاظ على ما دُمر، غير أنها في بعض الحالات التي لا يوجد فيها خيارات أخرى، قد تكون أفضل السبل.
ومن المتوقع أن يُفتتح المتحف في 2017، وهو يهدف إلى أن يصبح مركزاً للإبداع، عن طريق جذب المهندسين، والمصممين، والعلماء، والباحثين ليجتمعوا معاً ويتعاونوا في مجال تكنولوجيات المستقبل.
وطور المعهد موقعاً على الإنترنت سيضم جميع صور المشروع، سيكون متاحاً في بداية 2016، ويقدم الفرصة للجمهور لمشاهدة أماكن لم يكن يعرف بوجودها، إلا بعد أن طالتها الحروب بالتدمير.