هل من حرب وشيكة؟ وما هي رؤيته لأهم الأحداث ايرانيا وعربيا؟ ما يلي مقابلة هي الأولى من نوعها منذ تعيينه سفيرا للجمهورية الإسلامية في دمشق منذ شهر تقريباً.
تعيش المنطقة حالياً ما هو أبعد من ثورة. الثورات العربية على اختلاف ظروف نشأتها وتبعاتها على المحيط العربي والإقليمي، يظللها تدخل غربي يهدف إلى استثمارها بما يخدم مصالحه. يؤمن مساعد وزير الخارجية الإيراني محمد رضا شيباني، بهذه المقولة، لكن الأخير ليس مطمئناً للمنحى الذي تتخذه أحداث المنطقة. هل من حرب وشيكة؟ وما هي رؤيته لأهم الأحداث ايرانيا وعربيا؟ ما يلي مقابلة هي الأولى من نوعها منذ تعيينه سفيرا للجمهورية الإسلامية في دمشق منذ شهر تقريباً.
سمية: برأيك إلى أين تتجه الأمور في الداخل السوري، في ظلّ بعض التصريحات التي توحي بتصعيد ما كتصريح الأمين العام للجامعة العربية الذي حذّر من كارثة تطاول المنطقة والعالم إذا لم تنفّذ بنود المبادرة العربية؟
السفير شيباني: بالنظر إلى خصائص سورية من الناحيتين الجيوبوليتيكية و الجيواستراتيجية فإن أي تطور في هذا البلد، بلاشك، سيرخي بظلاله على المحيط الإقليمي، والدور الذي تنهض به سورية لا يخفى على المراقبين السياسيين طوال العقود الماضية. في هذا الإطار فإن أي تغيير في الجغرافيا السياسية والشؤون الاجتماعية في سورية سيكون له تأثيرات عميقة على المحيط بل ويمتد إلى أبعد من ذلك. كما أن وجود إثنيات مختلفة في هذا البلد لكل منها امتدادات خارج الحدود السورية، ومجاورة سورية للكيان الصهيوني و أوضاع فلسطين المحتلة وتأثر ظروفها بشكل مباشر بالإرادة السياسية والأوضاع الميدانية في سورية فضلاً عن الطاقات القائمة في لبنان وتشابك التطورات فيه بالتطورات في سورية بمختلف أبعادها السياسية و الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية و مجاورة سورية للعراق- الذي يعرف الجميع ظروفه السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و العسكرية في السنوات الأخيرة - وموقع سورية على البحر الأبيض المتوسط باعتباره هامشاً أمنياً لأوروبا كل ذلك ينبغي أن يؤخد بعين الاعتبار في المعادلات السياسية – الأمنية و بأي تطور أو تغيير في سورية.
من هنا يبدي المراقبون السياسيون العارفون بشؤون المنطقة حساسيتهم حيال التطورات في سورية و يحذرون من التدخل الأجنبي السافر في شؤونها. أعتقد أن على المجتمع الدولي، وقبله على بلدان المنطقة، أن تنظر بجدية إلى التحذيرات أعلاه لتفادي أي قرارات من شأنها تسريع التطورات في المنطقة باتجاه السقوط في منـزلقات خطيرة. ويبدو لي من التصرفات و الممارسات التي نشهدها من بعض الجهات الإقليمية و الدولية بأن شؤون المنطقة لن تأخد منحىً يمكن الإطمئنان إليه.
سمية: هل تتوقعون قيام الحلف الأطلسي بخطوة عسكرية ما تجاه سورية؟ وفي حال حدوث ذلك ماذا سيكون موقفكم؟
السفير شيباني: لأسباب متعددة لايتسع المجال للخوض فيها، لن يقوم الناتو بتكرار تجربة ليبيا و بإجراء عسكري في سورية. العديد من المراقبين السياسيين و العسكريين يرون أنه إذا ارتكب الغرب هذا الخطأ فلاريب أنه سيدفع ثمناً فادحاً . فموقع سورية الجغرافي و تأثيرها الاستراتيجي على محيطها خاصةً التداعيات المباشرة الناجمة عن هذا الوضع على فلسطين المحتلة، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في أي عملية عسكرية. وقد أعلنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنها ترفض أي تدخل خارجي سواء سياسي أو عسكري في شؤون سورية. وفي هذا السياق ستعلن إيران عن مواقفها العملية حينما تحصل ظروف مستجدة ولکل حادث حديث.
سمية: كيف تقرؤون الإختلاف الحاصل في الموقف التركي تجاه النظام في سورية؟ فقبل بداية الأحداث اتسمت العلاقة بين الطرفين بالودّ أما بعد بداية الإحتجاجات قد بدأ رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بإطلاق التصريحات المطالبة بتنحي الأسد ووقف ما أسماه العنف في سورية.
السفير شيباني: تأكيداً على إعلان تركيا في بداية المرحلة الجديدة من سياستها الاقليمية على تصفير مشاكلها مع دول الجوار، فمن المفترض أن يكون دور دول الجوار قائماً على المساعدة في تعزيز الإستقرار والهدوء الإقليمي . واتخاذ مواقف تؤدي إلى اتساع رقعة عدم الاستقرار لن يكون في صالح المنطقة و بلدانها. وخلال حديثنا مع أصدقائنا الأتراك، أكدنا مراراً على ضرورة بلورة تعاون اقليمي مشترك لتجاوز المرحلة الحساسة الراهنة. إذ أن اتخاذ مواقف متشددة و متطرفة تتقدم على مواقف المواطنين السوريين لن يساعد في حلّ المشكلة بل إنه سيزيدها عمقاً و تعقيداً .
سمية: التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية يطرح العديد من الأسئلة عن السيناريوهات المحتملة في حال فشل المساعي الدولية والعقوبات الغربية على الجمهورية الإسلامية. ما هو متاح أمام الغرب اليوم هو: إما عمل العسكري لوضع حد للبرنامج النووي الإيراني أو على الأقل تأخيره، أو التعايش مع إيران نووية بما في ذلك من مضامين تتعلق بموازين القوى في منطقة الشرق الأوسط. هل تستبعدون كلياً عملية عسكرية ضد إيران؟
السفير شيباني: السيناريو الوحيد الوارد أمام الغرب حيال البرنامج النووي الإيراني هو أن يعترف الغرب بالجمهورية الإسلامية الإيرانية بلداً نووياً. لقد تكرست إيران النووية كحقيقة قائمة في المنطقة. إيران أكدت مراراً على سلمية برنامجها النووي و ما تزال تمضي قدماً و بكل صلابة في مسار الاستخدام السلمي للطاقة النووية باعتباره حقاً مسلم به لشعوب العالم . ومما يدعو للأسف أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية خرجت عن إطار مسؤوليتها المهنية بإدخالها الدوافع السياسية في الشؤون المهنية. إن موقع إيران و قدراتها الذاتية لاتسمح لأي جهة حتى بمجرد تصور التعرض للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
سمية: في حال عدم لجوء الغرب إلى عملية عسكرية ضد إيران، وعدم استعدادها لتقبل إيران نووية، لا بد أن تكون هناك وسائل أخرى بديلة عن الحرب يحضر لها الأميركي والإسرائيلي. هل تعتقدون أن هناك مساعٍ لنقل المعركة إلى الداخل الإيراني من خلال اللعب على وتر الإجماع الإيراني على البرنامج النووي، وهل أنتم مستعدون لسيناريو من هذا النوع، وكيف؟
السفير شيباني: الإستفادة من أداة التدخل في الشؤون الداخلية لإيران بواسطة بعض العناصر المأجورة لم يعد مجدياً. لقد اختبرت أمريكا مختلف الأدوات خلال ممارستها للضغوط السياسية و العسكرية و الأمنية .. إلخ , طوال أكثر من ثلاثة عقود بعد انتصار الثورة الإسلامية و لحد الآن إلا أنها أخفقت كلها و باءت بالفشل الذريع. طبعاً لايخفى على أحد مدى غباء المسؤولين الأمريكيين لذلك مازلنا لانستبعد استخدام الغرب لأدوات فاشلة سبق و أن ثبت فشلها في إيران. وفي كل الأحوال المجتمع الإسلامي الإيراني و بفضل الوعي الشعبي بات محصناً حيال المؤمرات الغربية و الأمريكية.
سمية: أين أصبحت قضية الإيراني المعتقل لدى السلطات الأميريكية منصور أرباب سير بتهمة التخطيط لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير؟
السفير شيباني: أعتقد أن اتهام أمريكا لإيران ماهو إلا سناريو مصطنع من الأمريكان بالتعاون مع منافقي خلق يهدف إلى تحقيق جملة من الأهداف منها:
- إثارة الغبار بغية صرف انظار الرأي العام عن الهزيمة النكراء و الإنسحاب المشين للقوات الأمريكية من العراق .
- التأثير على العلاقات الإقليمية للجمهورية الإسلامية الإيرانية مع دول الجوار على الأخص المملكة العربية السعودية.
- حرف أنظار الرأي العام عن مشاكل أميريكا الداخلية المتعددة خاصةً الأزمة الاقتصادية .
- ذر الرماد في عيون الرأي العام للتغطية على الهزائم المتلاحقة للسياسات الشرق أوسطية للإدارة الأمريكية .
- إشغال الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالقضايا الأمنية للحؤول دون تعزيز موقع إيران الاقليمي في ظل الانتفاضات الشعبية في المنطقة على الأخص في مصر و تونس و ليبيا و.. إلخ.
سمية: كيف تقرؤون خطوة انسحاب جيش الإحتلال الأميريكي من العراق نهاية العام؟ وهل تعتقدون أن واشنطن ستقوم بعمل ما للتغطية على انسحابها؟
السفير شيباني: انسحاب القوات الأمريكية و إنهاء احتلال هذا البلد العربي الكبير يعني من جملة ما يعنيه هزيمة نكراء للسياسات الأمريكية في العراق. هذا الانسحاب في الحقيقة يتماهى مع هروب الجنود الصهاينة من جنوب لبنان عام 2000. وللتغطية على هذه الهزيمة تقوم أمريكا بإجراءات لإلحاق الأذى في محاولة منها لمعاقبة العناصر الإقليمية على هذه الهزيمة وفي الوقت نفسه تختلق أحداثاً لإبعاد أنظار الرأي العام عن الأبعاد الواسعة لهزيمتها. وفي هذا السياق، يمكن أن نشير إلى مختلف الضغوط السياسية والأمنية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية واستخدام ورقة تصعيد الأزمة في سورية عبر الاستفادة من ورقة جامعة الدول العربية.
سمية: لقد قمتم بالإعتراف بالمجلس الوطني الإنتقالي الليبي كسلطة رسمية في البلاد، هل تعتقدون أن هذا المجلس سيستطيع الحفاظ على السيادة في ليبيا خصوصا أنه لجأ إلى قوات الناتو لإسقاط نظام معمر القذافي؟
السفير شيباني: أتمنى التوفيق للمجلس الوطني الانتقالي الليبي. ثمة ظروف صعبة يواجهها هذا البلد العربي الهام في مستقبله السياسي. فالحضور الناشط للغرب بنــزعته الاستعمارية في إطار قوات الناتو في هذا البلد يخلق تحديات أمام مستقبل ليبيا .
سمية: لقد شهدت فلسطين تحرير الدفعة الأولى من 1075 أسير بفعل المقاومة، كما تمّ الإعتراف بفلسطين كعضو في منظمة الأونيسكو بفعل الجهود الديبلوماسية للسلطة، برأيكم أيهما الأجدى اليوم بالنسبة لفلسطين المقاومة أم الديبلوماسية؟
السفير شيباني: لقد أثبت تاريخ فلسطين على مدى ستين عاماً خلت أن المقاومة هي الوسيلة الوحيدة و السبيل الأمثل لاسترداد حقوق الشعب الفلسطيني. فلسطين محتلة و شعبها الباسل يحق له الحصول على حقوقه عن طريق المقاومة. إذ لانجد في تاريخ فلسطين مثالاً واحداً يدل على استرداد أدنى حق فلسطيني عبر المفاوضات. إن ماتحقق من إنجازات في ظل المقاومة أرغم الكيان الصهيوني يوماً بعد يوم على التراجع و التخلي عن شعاراته التوسعية و نزعته نحو الهيمنة .طبعاً الغرب والعناصر التابعة له يحاولون حرف حركة الشعب الفلسطيني عن مسارها من خلال تقديم تنازلات وهمية وإصلاحات سياسية و تسويقها على أنها إنجازات استراتيجية لردع الحركة الشعبية العظيمة عن محاولة الحصول على الأهداف الرئيسة. لكن التاريخ أثبت لنا أن الشعب الفلسطيني الأبي من أكثر الشعوب وعياً لمتابعة حقوقه واستيفائها.
سمية: هل نستطيع تقييم ما يجري في دول العالم العربي من حراك شعبي من زاوية واحدة؟ ألا تعتقدون أنه يمكن إعادة سيطرة الغرب على هذه الثورات خصوصاً في ظل غياب برنامج واضح وقيادة قوية؟
السفير شيباني: إن ماحدث في المنطقة على الأخص في مصر وليبيا وتونس يعتبر حركة كبرى ستؤدي إلى إنهيار العديد من المعادلات التقليدية في المنطقة. دخول مصر إلى دائرة الحركات الشعبية وخروج مبارك من السلطة بصفته عنصراً تابعاً للغرب وأمريكا يعتبر حدثاً مباركاً سيعزز مستقبلاً الدور الحقيقي لهذا البلد في صياغة السياسة الشعبية في المنطقة. لاريب في أن الغرب يحاول حرف هذه الحركة الشعبية العظيمة مما يتطلب التحلي باليقظة و الوعي اللازم بهذا الخصوص . وقد ألقى سماحة قائد الثورة الإسلامية خطاباً هاماً و استراتيجياً في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الصحوة الإسلامية في طهران يعدّ بحق خارطة طريق وقبساً يضيء لنا آفاق مستقبل المجتمعات العربية التي شهدت حراكاً شعبياً مؤخرا.
سمية: كيف تقوّمون علاقتكم بمصر بعد سقوط نظام حسني مبارك؟
السفير شيباني: نحن نتفهم جيداً الظروف التي تعيشها مصر. فيما يتعلق بمصر، ماهو مهم بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، أن تستعيد مصر موقعها الأصلي في المنطقة للقيام بدورها المنبثق من إرادة شعبها بالذات. وبصفتي خبيراً أعرف عن كثب الفكر السائد بين أبناء الشعب المصري العزيز أرى مستقبلاً مشرقاً للعلاقات بين بلدينا .
سمية: كيف تقرؤون الدور القطري في كل من ليبيا التي تشهد تدخلا قطريا مباشرا وسورية التي تشن قطر على نظامها حرباً إعلامية منذ بداية الأزمة؟
السفير شيباني: يرى العديد من المراقبين أن قطر بإمكانها أن تقوم بدور أفضل لتسوية القضايا الاقليمية. المنطقة لم تنس دور قطر في حل أزمة لبنان وكذلك دورها في إزالة آثار العدوان الصهيوني عن هذا البلد. هذا الدور يمكن أن يظهر في التطورات الراهنة في سورية أيضاً. بعبارة أخرى يمكن لقطر أن تكون جزءاً من حلّ المشكلات الحالية في المنطقة.