الجميع يتحدّث عن الإرهاب - الحرب - الموت والإنتخابات الجهويّة "المناطقية" التي تصدّر اليمين المتطرف جولتها الأولى تحت قيادة "ماري لوبين"
حسين سمّور
جَولةٌ صَغيرة في شَوارِع باريس بعدَ ظُهرِ يوم أَحَدٍ مُشمسٍ .. تَخَالُ نفسك لوهلة في بيروت .. لَيسَ الحَديثُ هنا عن تشابهٍ في الأبنية والأزقّة أو حتى تشبيه نَهر السين بنهر بيروت .. بل أحاديثُ الناس واهتماماتها أَصبحت متقاربة. الجميع يتحدّث عن الإرهاب - الحرب - الموت والإنتخابات الجهويّة "المناطقية" التي تصدّر اليمين المتطرف جولتها الأولى تحت قيادة "ماري لوبين".
خلال الجولة الصاخِبة بأحاديثِ المارّة تستوقفك بائعةٌ في متجر تحدِّث رفيقتها عن أنّ أمها التي أصبحت في سنِّ التقاعد لا تتقاضى سوى 700 يورو كمُرتّب كلَّ شهر، وهو لا يُسعفها على شراء طعامها وشرابها وعلى حتى على دفع فاتورة الكهرباء .. لذا فإنها ستصوّت في الإنتخابات لليمين المتطرف علّه يأتي بسياسَة جديدة تخفِّف الأعباء الإقتِصاديّة عن كاهل الناس. تَصوُّر وافَقَت عليه رفيقتها التي أكّدت نيّتها الإقتراع لصالح اليمين المتطرف أيضاً بعد الهجمات التي ضربت باريس أواسط الشهر الماضي بحثاً عن قليل من الأمن الضائع في مدينة الأنوار.
النِّسبة الأكبر من الفرنسيين تحمّل حكومَةَ اليسار والرئيس الحالي "فرانسوا هولاند" المسؤوليّة الكاملة عن ما حَصَلَ في فرنسا من تطورات أمنيّة منذ أحداث "شارلي إيبدو" الى هجمات باريس الأخيرة في ضاحية "سان دوني".
اليمين المتطرف إستغّل الموقف وكثَّفَ مِن وعوده للفرنسيين في حال وصوله الى الحكم بأنه سيغلق الحدود أمام المهاجرين كما سيضع ميزانية كبيرة للحفاظ على الأمن داخل فرنسا، وهو ما يطالب به عدد كبير من الفرنسيين وخاصة المحافظين.
سير الأحداث خلال الأشهر الماضية والسياسة الخارجية الفرنسية "المراهِقة" التي دفعت باتجاه التدخل في ليبيا وسوريا وزيادة الأحداث الامنية في بعض الدول الإفريقيّة جعلت الشعب غير واثق بأصحاب القرار فقرر التغيير من خلال أوّل إنتخابات وهذا ما حصل في الإنتخابات الجهويّة.
حصل اليمين المتطرف في الجولة الأولى على ثلاث نقاط إضافية مقارنة مع آخر انتخابات، "الجبهة الوطنية" موجودة وتتجذر في فرنسا منذ 30 سنة، وهي عرفت نجاحات وإخفاقات، كما استثمرت خوف الفرنسيين من البطالة - تراجع التصنيع - العولمة واليورو - التعرض للسرقة وكذلك طبعا من الهجرة والأديان. حلّت "الجبهة الوطنية" اليمين المتطرف، في الطليعة في الدورة الأولى من الانتخابات الجهويّة في 6 مناطق على الأقل من أصل 13، جامعة نسبة أصوات تتراوح بين 27.2 و 30.8 بالمائة، ففي بلدة "غيندركورت سور بليز" الواقعة في إقليم "هوت مارن" الفرنسي، حصل اليمين المتطرف على نسبة قياسية بـ85.70 - أي 18 صوتا من أصل 21، ووفق هذه النتائج فإن ثلاثة أشخاص فقط لم يصوتوا لليمين المتطرف، وأحدهم وضع ورقة بيضاء "بحسب ما كشفت مصادر فرنسية". هذا وانسحب اليمين المعتدل واليسار من خوض الجولة الأخيرة في بعض مناطق الجنوب "بروفانس ألب كوت دازور" بعد الفوز الكبير للجبهة الوطنية في الجولة الأولى.
تصدر اليمين المتطرف للجولة الاولى ساهم فيه أيضا الخلافات الكبيرة بين "اليمين المعتدل" و "اليسار" وذلك بعد رفض الأخير التحالف مع اليمين المعتدل وهو ما دفع باتجاه إقتراع اليمين المتطرف الذي بات يمثّل شيئا من الخلاص بالنسبة للشعب الفرنسي.
تقدم اليمين المتطرف كان إنذار قلق لبعض الأطراف التي اكّدت أن الفرنسيين وخاصة الشبان لا يدركون مدى خطورة وصوله الى السلطة نظرا للسياسات التي سيقوم بتطبيقها خاصة على مستوى التعامل مع المهاجرين والجاليات المسلمة في فرنسا, وفي هذا الإطار قالت مصادر ان من يعطي صوته لليسار "الحاكم حاليا في فرنسا" سيكون بسبب عدم وجود خيارات أفضل في هذه المرحلة - فاليسار على نقاط ضعفه الموجودة يبقى بحسب هؤلاء أفضل من اليمين المتطرف في هذه المرحلة.
تقف فرنسا على مفترق طرق اليوم فالقلق تعاظم داخليا وخارجيا للاسباب كثيرة ابرزها أن الإرهاب ضرب قلب العاصمة - ناب البطالة والتقشف عضّ بعض فئات الشعب المتذمرة من آداء الحكومات من شيراك الى ساركوزي واليوم هولاند - سياسات الدولة دفعت باتجاه مزيد من التعصب وعودة "الإسلاموفوبيا" وهو ما ترفضه فئات كبيرة من الشعب - السياسات الخارجية بحاجة الى إعادة نظر - دعم الإرهاب بصورة مباشرة أو عن غير قصد ..
كل هذه الهواجس وغيرها باتت تطارد الفرنسيين في حياتهم اليومية والأكيد اليوم أن الشعب يطلب التغيير ولذلك فهو ذهب باتجاه اليمين المتطرف بانتظار الجولة الثانية من الإنتخابات والتي ستدلل بشكل أكثر وضوحا على أي مستقبل تتجه فرنسا.