قضية «المنار» مؤشر إضافي على التخبط في المشهد السعودي المأزوم. التخبط المشهود في أداء المملكة على صعيد المنطقة لا يعكس اضطراباً في الدور الاقليمي للرياض بمقدار ما ينبئ بمخاطر وجودية تتهدّد النظام السعودي من الداخل.
لم يخرج عن حدود التوقع ذهاب المملكة العربية السعودية إلى حجب قناة «المنار» عن قمر عربسات. فالإجراء السعودي القاضي بحصار إعلام المقاومة قد دفع المملكة الى الخروج، في المعركة الإعلامية التي تخوضها ضد خصومها، من إطار المواجهة التقليدية إلى استخدام الأسلحة المحرمة إعلامياً عبر القمع والمنع على طريقة «أنا أمنع إذاً أنا موجود».
في الأصل، ثمة تعارض وظيفي بين فلسفة الإعلام وبنية نظام المملكة السعودية، وذلك بمعزل عما إذا كان الإعلام الذي يتعاطى معها مؤيداً لها، أو معترضاً عليها. فصورة المملكة (بما هي نظام حكم) مشوهة بذاتها مع غض النظر عن استهداف الإعلام المضاد، وعصية على التجميل مهما حاول تلميعَها الإعلامُ المُؤَيِّدُ.
ولعل السعودية، بوصفها مجالاً للتداول الإعلامي، من الحالات النادرة الأقل تأثراً بالإعلام لكونها حقيقة مدرَكة سلفاً وظاهرة للعيان. فهي لا تحتاج الى إعلام معاد يقلب الحقائق المتعلقة بها، كما لا ينفع معها إعلام محايد يعمل على خلق صورة إيجابية عنها.
قضية «المنار» مؤشر إضافي على التخبط في المشهد السعودي المأزوم. التخبط المشهود في أداء المملكة على صعيد المنطقة لا يعكس اضطراباً في الدور الاقليمي للرياض بمقدار ما ينبئ بمخاطر وجودية تتهدّد النظام السعودي من الداخل. في هذا الخضم، يبدو السؤال مشروعاً عما اذا بات النظام السعودي في خريف العمر، وإذا ما أصبحت المملكة مهيأة للإصابة بالفوضى التي تصيب المنطقة، حيث دخلت منذ بداية «الربيع العربي»، في مسار تصعيدي ومضطرب على إيقاع سياسة الهروب الى الأمام.
المملكة من الداخل مهددة بانقلاب الشعب على السلطة، وانفراط عقد الشراكة بين مكونات النظام. الهروب من الأزمات الداخلية الى الخارج بات طريقة عمل ثابتة في سياسات الرياض. يقوم النظام السعودي على شراكة سيئة بين أسوأين: التشدد الديني الخانق للمجتمع، والأسرة الحاكمة المهيمنة على كل ما له صلة بالعباد والبلاد.
المذهب الوهابي فيها يحتكر التمثيل الديني والمذهبي بوصفه الدين الرسمي والوحيد للدولة. الوهابية بما هي نزعة تكفيرية، ليست مجرد مذهب معترف به في المملك، بل هي متبناة كإطار شرعي وديني للنظام والحكم. وهي بذلك حاكمة على قاعدتين: التشدد في المعتقد، باعتبار كل من خالف أو أنكر تعاليمها كافراً، والتعسف في الممارسة، بدءاً من المطوعين الذين يجبرون الناس على إقامة الصلاة، مروراً بحرمان المرأة من قيادة السيارة وخنق حرية التعبير عبر تطبيق القصاص، وليس انتهاء بهدم الأضرحة والمقامات الدينية بتصنيفها من مظاهر الشرك.
إلى ذلك، لا يخفى أن ثمة مشكلة مزمنة لدى الرياض تجاه المقاومة وإعلامها. المشكلة ناشئة على خلفية أن نجاح المقاومة قد فضح عجز أو تواطؤ «الاعتدال العربي» الذي تتزعمه الرياض في دعم القضية الفلسطينية والعداء لإسرائيل. هذا الأمر يفسر غياب هذه القضية بالكامل عن الاجندة السعودية ويفسر أيضاً التلاقي السعودي الإسرائيلي على العداء لإيران وسوريا و «حزب الله».
في المواجهة بين السعودية والمنار، وضعت المملكة نفسها في خانة الضعيف الذي بالغ في استخدام ما لديه من احتياط القوة، فيما فاقم إسقاط «المنار» من «العرب سات» من قوتها وأهميتها. فالمنع الذي تعرّضت له هو فعل آخر يُضاف إلى إنجازاتها، كما أن الحملة التي ووجهت بها هي معركة في حرب متواصلة بين إعلام المقاومة وإعلام التطبيع.
في كل معركة إعلامية قد يحتاج المتحاربون إلى المبالغة والتهويل في تشويه صورة الخصم. في الحالة السعودية يكفي خصومَها نقلُ الصورة كما هي والدقة في تصوير الواقع حتى يحصل المطلوب.