صحيح أن "الجبهة الوطنيّة – اليمين المتطرف" في فرنسا خَسِرَ الإنتخابات الجهويّة "المناطقية" خلال الجولة الثانية التي نظّمت يوم الأحد الماضي
حسين سمّور
صحيح أن "الجبهة الوطنيّة – اليمين المتطرف" في فرنسا خَسِرَ الإنتخابات الجهويّة "المناطقية" خلال الجولة الثانية التي نظّمت يوم الأحد الماضي، إلّا أنه وفي نظرة هادئة لما حصل فعليّاً يبدوا واضحا أن هذا اليمين المتطرف فرض نفسه بقوّة على الساحة السياسية في البلاد وحقق تقدما كبيراً نسبةً الى السنوات الماضية.
وقبل الخوض في نتائج الإنتخابات وأعداد المقاعد التي حصل عليها نرى أنّ التقدم الكبير الذي حققه اليمين المتطرف في الجولة الأولى من الإنتخابات فرض على بعض مرشحي اليسار واليمين في الإنتخابات الإنسحاب من بعض المناطق لكي تصب الأصوات لصالح مرشح واحد ولا تتشتت فيفوز اليمين المتطرف بالنسبة الأكبر أو بالحد الأدنى بنسبة كبيرة من أصوات الناخبين، وهو ما يشكل سابقة في تاريخ الانتخابات الفرنسية التي كانت دائما ما تحصل بين متنافسين عن اليسار واليمين، فيما يكون دور اليمين المتطرف ضعيفا جدّاً.
في العام 2010 لم يتمكن اليمين المتطرف من تحقيق أكثر من 118 مقعدا في الإنتخابات الجهويّة، بينما ارتفعت اعداد المقاعد في الانتخابات الحالية 2015 الى 358 مقعدا وهو ما يشكل علامة كبيرة في تطور شعبية اليمين المتطرف، وابتعاد نسبة كبيرة من الناخبين الفرنسيين عن اليسار الحاكم واليمين نتيجة المشكلات الإقتصادية والامنية التي تشهدها البلاد، والتي كان آخرها الهجمات التي ضربت ضاحية "سان دو ني" في باريس قبل اسابيع قليلة، وبعد مرور عام على هجمات شارلي إيبدو، والتي أسفرت مجتمعة عن سقوط حوالي 150 قتيلا وعشرات الجرحى.
وفي الإنتخابات الحالية أيضا أكّدت الإحصاءات ان اليمين المتطرف حصل على أصوات حوالي 6.8 مليون ناخب فرنسي وهي نسبة لا يستهان بها بحسب العديد من المراقبين الذين أكدوا أن هذه الأعداد سيكون لها أثر كبير على الإنتخابات الرئاسية المقررة في العام 2017 حيث سيكون لليمين المتطرف حضور قوي بها، خاصة إذا ما استمر اليسار الحاكم الآن بسياساته الداخلية والخارجية "المراهِقة" والتي تؤدي بطرق مباشرة وغير مباشرة الى التأثير سلبا على الإقتصاد الفرنسي وأخذ البلاد الى مزيد من المغامرات العسكرية على غرار ما يحصل في سوريا وليبيا - حيث لعبت فرنسا دورا أدى الى تمدد الإرهاب وهو ما ارتد عليها أخيرا من خلال الهجمات التي ضربت عاصمة الأنوار.
التقدم الملحوظ لليمين المتطرف خلال الانتخابات الجهوية في فرنسا، لا شكّ أنه سيؤسس لمرحلة جديدة في الحياة السياسية الفرنسية تكسر الثنائية القائمة منذ سنوات بين اليمين واليسار، خاصة إذا ما استمر الثنائي بسياساته التي باتت تلاقي رفضاً كبيرا من الشعب وخاصة الشباب الذين يتحدثون كثيرا بالتغيير.
ومما لا شكّ فيه أن الأشهر المقبلة ستبيّن إذا ما فهم اليسار الحاكم "هولاند وحزبه" ومعه اليمين "ساركوزي وحزبه" رسالة الشعب الفرنسي في الانتخابات، وإذا ما كانوا سيغيّرون بعض سياساتهم، في وقت يبدوا اليمين المتطرف عاقداً عزمه على مواصلة المعركة حتى النهاية خاصة بعد النتائج المهمة التي حققها في الانتخابات والتي سيراكم عليها متسلحاً بملفات الأمن الهش – البطالة الزائدة – الإقتصاد الضعيف – الهجرة غير الشرعية وفتح الأبواب امام المهاجرين من الشرق الاوسط وأفريقيا .. وغيرها الكثير من الامور التي ستصوب عليها "الجبهة الوطنية" لتحقيق شعبيّة أكبر يمكن أن تؤثر على الانتخابات الرئاسية المقبلة .. والأيام ستكون كفيلة بكشف المزيد.