ولقد وثّق المرسلون الغربيون وبعض المسلمين شيئاً من هذه المجادلات ووصلت إلينا بطريقة تكشف بوضوع عن وعي بالاختلاف وقدرة على الحوار نحن أحوج ما نكون إليها في عصرنا هذا.
العلاقة بين الإسلام والمسيحية موضوع مجتمعاتنا المعاصرة أحوج ما تكون إليه، في ظل التوتر الديني والمذهبي الذي يعصف بالعالم الإسلامي في عصرنا الراهن. وبخاصة في ظل ما يحكى عن هجرة مسيحية من الشرق إلى الغرب. والجهات التي يمكن أن يُعالج منها هذا الموضوع هذا الموضوع متعددة وكثيرة.
وقد اختار المؤلف الدكتور محمد رضا وصفي لهذا الكتاب "التفاعل بين الإسلام والمسيحية في إيران العهد الصفوي(1501- 1722م)"، جهة من الجهات وهي التفاعل بين أتباع الدينين في إقليم من أقاليم العالم الإسلامي ألا وهو إيران في العهد الصفوي.
وهذا الكتاب في الأصل أطروحة أعدت لينال عليه المؤلف شهادة الدكتوراه. وقد حاول المؤلف في كتابه تغطية أهم الجدالات المعيشية واللاهوتية التي دارت بين الديانتين في تلك المرحلة معتمدا في ذلك على وثائق لم تكشف من قبل كما يفخر المؤلف في مقدمة اطروحته.
وينطلق المؤلف في معالجته موضوع رسالته من تحديد الهوية الإيرانية في العهد الصفوي ليكشف عن موقع الدين في هذه الهوية، ويدلف من ذلك إلى درس مدى تأثير الدين كجزء من الهوية الثقافية في العلاقة مع الآخر المختلف دينيا. ومن امتيازات هذه المحاولة التي يقدمها إلى القارئ العربي "مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي"، أنها تكشف عن دور الغرب والإرساليات المسيحية الغربية في تمتين العلاقة بين الإسلام والمسيحية في المرحلة التي تغطيها الدراسة، أو دوره في تعميق هوة الاختلاف بين أتباع الديانتين.
ومن امتيازات هذه الأطروحة أن المؤلف كشف، وربما للمرة الأولى في المكتبة العربية، عن شيء من الجدالات التي كانت تدور بين الإسلام والمسيحية في إيران على المستوى اللاهوتي. وقد وثّق المرسلون الغربيون وبعض المسلمين شيئاً من هذه المجادلات ووصلت إلينا بطريقة تكشف بوضوع عن وعي بالاختلاف وقدرة على الحوار نحن أحوج ما نكون إليها في عصرنا هذا.
ويقول المؤلف في مقدمة الكتاب :" يمثل العصر الصفوي في إيران مرحلة هامة ومصيرية في تاريخ الشرق الوسط بشكل عام. وهذه الأهمية تتلخص بامرين أنجزا على يد الصفويين. الأول: توحيد إيران تحت سلطة سياسية واحدة. والثاني : جعل المذهب الشيعي الأثنى عشري المذهب الرسمي لتلك الدولة الموحدّة. وبذلك تأسست هوية إيرانية إيرانية شمولية جديدة على قاعدتين رئيستين : واحدة جغرافية، وأخرى دينية. هكذا صارت إيران الصفوية ظاهرة جديدة في المنطقة من شأنها كثيراً في مسار التأريخ المشرقي في المرحلة التي سبقت مباشرة ما يعرف بـ"العصر الحديث"، وذلك إذا أخذنا بالاعتبار وجود غمبراطورية عثمانية في جوارها كانت ترفع راية الخلافة الإسلامية السنيّة بأيد تركية بعد اسقاطها دولة المماليك".
في فصول الكتاب الثمانية غنى معلوماتي مكثف للغاية إلا إن النقطة الأساس التي تشكل أحد أهم محاور الدراسة - كما يقول الكاتب- "هي موضوع العلاقة مع الأخر المختلف في الدين والعقيدة. وعلى اعتبار أن التشيع الإيراني في العهد الصفوي لا ينفصل عن التأثيرات السياسية، وفي بعض الأحيان كان الجانب السياسي هو الطاغي على الجوانب الأخرى في تحريك الدولة، فقد كان من الضروري رصد عملية دخول التشيع إلى إيران، لنكتشف من أي الطرق دخل؟ ومن هم الأشخاص الذين أثّروا في هذا التوجه؟. وبما أن الجميع متفق على دور العلماء الشيعة اللبنانيين المهاجرين إلى إيران في هذا الأمر، فقد كان عليّ ان أعود لدراسة التكوين الزماني والمكاني لهؤلاء، ومدى ما تركه المكان والمحيط الإنساني الذي جاؤوا منه على شخصياتهم وأفكارهم الدينية والفكرية والاجتماعية".