ذلك المشهد، حيث ارتقى عميد الاسرى سمير القنطار شهيدا من منزله في جرامانا بريف دمشق أعاد للأذهان كل المواقف التي كانت بصمة فولاذية على جبين الزمن وتاريخ المقاومة المشرف في جميع مراحله.
خليل موسى - دمشق
ذلك المشهد، حيث ارتقى عميد الاسرى سمير القنطار شهيدا من منزله في جرامانا بريف دمشق أعاد للأذهان كل المواقف التي كانت بصمة فولاذية على جبين الزمن وتاريخ المقاومة المشرف في جميع مراحله.
سمير القنطار شهيدا.. وعين موقع المنار ترصد الألم والفاجعة..
من مكان استشهاد العميد المحرر، وتحديدا من بين ركام تَكلّل بطّهرِ دماء الشهداء، ومن بين حشود اختارت الصمت احتراما للموقف، أشبه بشريط الذكريات الغاضب هو ذاك الذي انطلق ضجيجا ثائراً على الحدث الجلل، ومن بين كل الأفكار يقفز للذهن مباشرة تلك العبارة التي رددها أينما ذهب الشهيد العميد المحرر إذ قال "طالما إسرائيل موجودة سنبقى نقاتل وطالما قاتلنا سننتصر".
وهنا يبدأ مشهد قديم بالتجدد، فلم تكن مجرد خيمة عادية تلك التي اجتمع فيها أناسٌ كان شغفهم أكبر منهم للقاء هذه القامة.. قالها أحد الأصدقاء في عام 2008 سيأتي أخيرا ونستقبله، وفعلاً كان المشهد أكبر بكثير مما كان متخيَّلا، فالجميع أتى لانتظار الأسير المحرر آنذاك في مخيم اليرموك .. كان ذلك الرجل الذي مزج بحديثه اللهجة الفلسطينية مع بأس المقاومة قامة تطاول السماء.
تلك المشاعر بلقاء شخص غيرَ عادي - وغيرُ عادي هنا يعني أننا أمام رجل استثناء- مشاعر ممزوجة بين الفخر والاعتزاز والمجد الذي لا يُطال في مناسبات كثيرة.
وأنا واحد من حشد مشحون بالشوق للقاء من هزَم سجانيه وأخضع القضبان لحرارة قبضته، حينها وللوهلة الأولى، أذكر عندما بدأ حقل استقبال الأسير المحرر في مخيم اليرموك في صيف 2008، وبعد تمكني من الاقتراب إلى مدخل الخيمة، لم أجد أي عناء بالبحث عن موقع القنطار، كان واضحاً تماما، فأنا أمام رجل أوضح من عين الشمس، جهدت كثيرا في الاقتراب لمصافحته، لكني لم أستطع من كثرة الزحام، فالجميع هناك كانوا يتنافسون لنيل وسام الشرف من مصافحته، وبقيت أحاول إلى أن وصلت، وحينها كدت أرتعش من وقع عظمة الموقف والمصافحة، مصافحةٌ أضفت على نفسي طُهْرَ المقاومين.
خبر استشهاد عميد الأسرى المحرر من سجون الاحتلال، أعاد للأذهان كل ما جال من أحداث أصبحت ذكريات للعابرين في سراديب التاريخ، لا يمكن لنبرة الصوت تلك ان تغيب عن المسامع طيلة هذه الفترة، قلت لصديقي خلال حفل الاستقبال في المخيم، "إن القنطار لا يحتاج إلى مايكرفون"، وحين سألني عن المعنى، قلت "للقنطار صوت يهزّ الجبال كقامته تماماً".
نعم أستطيع الآن أن أدخل مباشرة في وصف الحاضر, جسد الشهيد يسجى على بوابة التاريخ, ليكون أهم عناوين الكرامة للأجيال التي تبدأ من رحم المقاومة, هو الآن شهيد ولا يسع أحداً إلا أن يختنق مهما حاول إخفاء الحسرة على فراق معلم من معلمي الصلابة والجبروت الجهادي, وبالوقت ذاته يفخر بقامة جديدة تضاف إلى أبراج المجد في العلياء, هذا ما وجد عبر جميع قنوات التواصل وفي كل الساحات التي عرفت من هو الشهيد القنطار, ومن لا يعرفه فهو حتماً لم يقرأ عن المقاومة.
سمير القنطار في أعوام أسره الثلاثين كان من أهم الشخصيات التي جعلت للقضبان شكلا مختلفا, وهو من اهم الشخصيات التي جعلت السجان يرتعش أثناء الوقوف أمامه, وهذه شهادة يجمع عليها كل من كتب كلمة حق في الشهيد.
وما تزال ردات الفعل مستمرة في جميع الساحات على اتساعها, وعلى مرأى ومسمع كل من يراقب ما الذي سيجري بعد استشهاد القنطار.