"لقد عمل رسول الله ومنذ انطلق برسالته على تعزيز روح الوحدة، وأسَّس لوحدة إسلامية عنوانها الأخوة الواحدة الجامعة على قاعدة رابطة الأخوة الإيمانيّة، كهويّة مشتركة عابرة لكلّ الهويات القبليّة.
نظَّم المركز الإسلاميّ الثقافيّ وجمعيّة التعاون الخيريَّة في بغداد، ندوة فكرية بعنوان "ولادة الحبيب المصطفى(ص) والوحدة الإسلامية"، شارك فيها العلامة السيّد علي فضل الله، ورئيس جماعة علماء العراق سماحة الشيخ خالد الملا، وذلك في قاعة المرجع فضل الله في الجمعيّة، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والثقافيّة والاجتماعيّة.
وتحدَّث العلامة فضل الله في بداية كلمته عن معاني هذه الذكرى، مؤكّداً أنَّ الذين يحيون ذكرى ولادة الرسول(ص)، عليهم أن يحرصوا على أن يكون رسول الله حاضراً بكلّه في حياتهم، وأن يحرصوا على الوحدة بكلّ نفوسهم وعقولهم.
وقال سماحته: "لقد عمل رسول الله ومنذ انطلق برسالته على تعزيز روح الوحدة، وأسَّس لوحدة إسلامية عنوانها الأخوة الواحدة الجامعة على قاعدة رابطة الأخوة الإيمانيّة، كهويّة مشتركة عابرة لكلّ الهويات القبليّة المتنازعة، فيما نحن نستغرق في الهويات الجزئية الطّائفيّة والمذهبيّة ونعتمد مبدأ التّمييز بين النّاس، ولكن رسول الله(ص) لم يتوقَّف لمداراة قبيلة على حساب قبيلة أخرى معتمداً معايير الأكثريّة والأقليّة أو مقاييس القوّة والضّعف، بل كان همّه بناء الهويّة الجامعة الّتي تحفظ حقوق الجميع...".
وأضاف: "لقد سعى النبيّ(ص) لتعزيز هذه الوحدة وتقوية مناعتها، بالدّعوة إلى التّحابب والتراحم والعفو والحمل على الأحسن.. وعدم التّفاخر بالنسب والحسب، أو بالتفاضل بالانتماء القبليّ أو الجهويّ، فهو كان يرى أن كل تفاخر أو تفاضل على أساس ذلك، يمهّد لتأسيس عصبيّة سرعان ما تدفع باتجاه صراع ينحو نحو السّيطرة على فئات المجتمع الأخرى...
ومن هنا، دعا أهل الكتاب إلى التّلاقي على الكلمة السواء. وفي المدينة التي هاجر إليها، تطلَّع إلى تنوّعها، من اليهود وممن لم ينتموا بعد إلى الإسلام من اللادينيين، فأنشأ وثيقة مشتركة عرفت بوثيقة المدينة، لتشكّل إطاراً يحكم التعايش بينهم ويوحّدهم، لبناء الداخل ومواجهة العدو المشترك.. وقد حرص النّبيّ والمسلمون بكلّ جهودهم على الالتزام بهذا الميثاق التعايشيّ وبشروطه، لانسجامه مع تطلّعات النبي الوحدويّة والإنسانيّة، وسعياً للحؤول دون أيّ انقسام يفتح باب العنف مما يناقض دعوة التّوحيد والرحمة... إلى أن نقضها اليهود، وحدث بعدها ما حدث...".
وتابع سماحته: "لقد وعى رسول الله ما يولّده الغبن والمظلومية من توهين لخطوط الوحدة، وكان يعمل بكلّ الوسائل لتكون العدالة منهجه، فلو تأمّلنا في كبار الموظفين والقادة وقادة الجيوش والسّفراء والقضاة، لرأينا أنهم كانوا من كلّ القبائل، ولم يكن التّمييز إلا على أساس الكفاءة والمؤهّلات...".
ولفت إلى أنّ رسول الله تعامل مع قضيّة الوحدة على أسس روحيّة وإيمانيّة، وهو ما نفتقده اليوم، بل لعلّنا نؤمن بنقيضه. وقد سهر الرسول على هذه الوحدة لحمايتها، وهو ما لا نفعله إلا إذا تهدَّدت بعض مصالحنا الكبيرة، وشدّد على عدم استخدام العنف مع الآخر المعادي إلا بعد استنفاد كلّ الوسائل السلميّة، بعكس ما نفعله حينما نلجأ بسرعة إلى العنف عند أدنى مشكلة نصطدم بها، وأعطى اهتماماً كبيراً بصناعة العدالة الاجتماعيّة والمشاركة الشّعبية فيما نحن لا نفلح في بناء اجتماعنا السياسيّ إلا وفق منطق الغلبة.. حتى تمزّقت وحدتنا وأحاطتنا الفتن من كلّ جانب...
وأضاف: "إنّنا نريد أن نتعلَّم من نهج رسول الله الكريم(ص) كيف نحفظ أمن مجتمعنا واستقراره ووحدته، وإن لم نفعل، سوف نشرع أبواب بيوتنا لرياح السّموم وللّصوص والعابثين، فالفتنة لا تميّز بين هذا وذاك، والنّار تطاول الجميع، والكلّ يتحمَّل المسؤوليّة.. والحلول تأتي من الداخل، وذلك بخروجنا من شرنقة الطائفة والمذهب إلى رحاب الإسلام السّمح؛ إسلام الحبّ والتراحم".
وختم سماحته بالقول: "المطلوب لجان من الحكماء والمخلصين والعقلاء، لتشكيل خلايا تتابع الأزمة، وتحاصر الفتنة، وتزيل ألغامها الّتي يزرعها المصطادون في الماء العكر، وأن ينزل كلّ المخلصين، من علماء ومفكّرين وإعلاميين ومتطوّعين ملتزمين بنهج رسول الله الوحدويّ، إلى الأرض، للتفتيش عن أفضل الحلول التي تهدم المتاريس المذهبيّة وتطفئ النار".