ثلاثة اشهر، وما زالت الهبة مستمرة من القدس والخليل وبيت لحم، الى البيرة ونابلس وجنين وطولكرم ...
احمد شعيتو
ربما يكون كثيرون توقعوا ان تمر ايام فقط قبل ان تنطفئ هذه الهبّة الفلسطينية المستمرة فخاب توقعهم وفشلت قراءتهم؛ منذ بداية تشرين الاول/اكتوبر الى الآن اي حوالي ثلاثة اشهر، وما زالت مستمرة من القدس والخليل وبيت لحم، الى البيرة ونابلس وجنين وطولكرم ... وغيرها ومعها قطاع غزة، بل ان اللافت اننا رأينا اشكالا جديدة من المواجهة هي عمليات اطلاق نار على الاحتلال في الضفة.
وتشير تقارير اسرائيلية الى ان الفلسطينيين نفذوا خلال هذه الانتفاضة في مختلف المناطق اكثر من 140 عملية، وبحسب الاعلام الفلسطيني فقد سقط خلالها اكثر من 140 شهيدا ومئات الجرحى فيما استطاع الفلسطينيون قتل واصابة العشرات من الصهاينة جنودا ومستوطنين.
على مر السنوات الاخيرة كان يتصاعد الاستيطان ويزداد العدو وحكوماته المتعاقبة تعنتاً وانتهاكا للحقوق الفلسطينية ويتكثف اعتداء الجنود والمستوطنين وقتل الآمنين وهدم وحرق المنازل وقلع المواسم وغيرها، وثبت ان كل مسارات التفاوض لم تنفع، وهذه الانتفاضة الشعبية تثبت من جديد ان المواجهة من السكين الى الدهس الى البندقية هي الأجدى لإعلاء صوت الحق ومحاولة ردع العدو.
لا شك ان الفلسطيني لم يتوقف يوما عن المواجهة مع الاحتلال والتصدي له، ومن الظلم له الإعتبار انه كان مقرا بالواقع او نائما على حقوقه قبل هذه الانتفاضة او ما بين الانتفاضات.. بل كنا نشهد على مواجهات يومية مع الاحتلال باشكال مختلفة، كما ان الشعب في غزة وقف مع مقاومته وصمد وحقق انتصارا على عدة حروب شرسة في السنوات الماضية، الا ان هذه الهبة جاءت لتجسد مرحلة جديدة وقوية من الصراع مع الاحتلال. ووقفت الفصائل الفلسطينية مع الانتفاضة على اعتبارها انتفاضة شعبية عفوية وهامة جدا ودعت الى مساندتها، وقد اثبتت هذه التحركات العفوية وغير المنظمة والفردية انها ذات أثر كبير ضد الاحتلال.
اذاً لا تزال الهبّة او الانتفاضة الفلسطينية متواصلة لم تستطع اجراءات العدو الامنية وقفها او الحد منها وهو بحد ذاته انجاز كبير لها... فرغم كل محاولات الاحتلال وسطوته العسكرية او الامنية، وتكثيف الحواجز ووضع البلوكات الاسمنتية وتشديد الاجراءات وخلق جو من الارهاب... كل ذلك فشل ولم يجد نفعا!.
من اهم ما استطاعت هذه الانتفاضة تحقيقه اعادة توجيه الصورة المليئة بالصراعات في منطقتنا نحو فلسطين القضية الاساس التي يراد من اشغال واضعاف الدول العربية حرفها عنها وعن القضايا الكبرى.
انتفاضة القدس التي كانت شرارتها الانتهاكات الخطرة في الاقصى والقدس استطاعت ايصال الصوت بشكل عال ان اي مساس بالاقصى له تبعات على الاحتلال وهذا انجاز كبير.
لقد انجزت هذه الانتفاضة امرا اساسيا ايضا هو الحد من ممارسات المستوطنين الذين كانوا يعيثون في القرى الفلسطينية فسادا وينفذون اعتداءات يومية الا انهم باتوا اليوم يعيشون الهاجس على انفسهم في كل شارع وقرية.
الهبة هذه توصل رسالة مهمة متواصلة بوجه الاعتداءات الصهيونية وهضم الحقوق الفلسطينية وتبقي القضية حية متقدة وتوحد الشعب الفلسطيني في كامل فلسطين خلف قضيته وحقوقه.
كما اثبتت الانتفاضة ان القدس هي في ضمير الفلسطيني الى الابد ولن يستطيع اي تهويد او فرض اي امر واقع ان يغير في الامر وفي الواقع وفي النفوس وفي الوعي شيئا.
لقد اربكت هذه الهبة الاحتلال في أمنه واثرت سلبا بشكل كبير على اقتصاده، بل اثارت خلافات سياسية داخله، واظهرت ان دهساً هنا وطعناً هناك وزجاجة حارقة هنالك، قادر ان يفعل فعله في هذا الكيان. واستطاع الشبان والشابات الفلسطينيون اقلاق امن الاحتلال بجنوده ومستوطنيه فبات يعيش الفزع اليومي، واللافت اننا رأينا ان علميات الطعن تركز على الجنود وهذا دليل جرأة كبيرة يسخر خلالها الفلسطيني من جندي الاحتلال المدجج، ولم يخَف الفلسطيني من القتل والموت بعد اي طعن او دهس ومن اللجوء الى التصفية المباشرة لكل من يشهر سكينا او يحاول الطعن، فهو مؤمن بقضيته حتى الشهادة.
على صعيد الاثر الاقتصادي فقد تلقى الاقتصاد الخدماتي وقطاع السياحة ضربة كبيرة بحسب ما اقر الاعلام الصهيوني وتحدثت صحف صهيونية عن الغاء حجوزات فنادق بشكل واسع، كما تحدثت عن اقفال الكثير من المتاجر في القدس بسبب اثار الانتفاضة.
اما الامر الاهم على المدى الابعد فهو ان هذه الانتفاضة اثبتت ان جذوة المواجهة والمقاومة تتوارثها الاجيال الفلسطينية ولا تخبو وهذا له نتائج كبرى على مستقبل فلسطين وقضيتها، وهو امر لا شك انه يشكل كابوساً لقادة الاحتلال.