شبَّه أحد المحللين التوغُّل السعودي في الداخل اليمني، وكأنه رحلة صياد يسير الى الأمام ولا يؤمِّن ظهره، لا بل يترك خلفه حتى إشعارٍ آخر كل أنواع الوحوش التي يتآلف معها اليوم.
أمين أبو راشد
شبَّه أحد المحللين التوغُّل السعودي في الداخل اليمني، وكأنه رحلة صياد يسير الى الأمام ولا يؤمِّن ظهره، لا بل يترك خلفه حتى إشعارٍ آخر كل أنواع الوحوش التي يتآلف معها اليوم، بانتظار أن ينتهي من "العدو الأساسي والمشترك المتمثِّل بالحوثيين المدعومين من إيران"، ما يُلقي الضوء بقوَّة على النشاط المتزايد لتنظيم القاعدة في مدينة عدن بجنوب اليمن، والغياب الكامل للدولة اليمنية في المؤسسات الرسمية والقطاعات الإنتاجية، وبالتالي التحديات المستقبلية التي سوف تواجهها السعودية سواء في حضرموت وأبين أو داخل حدودها مع اليمن.
إن الخليط اليمني المتحالف حالياً مع السعودية في جنوب اليمن، والمتمثِّل بألوية الجيش اليمني الموالية للرئيس المستقيل العائد عبد ربّه منصور هادي، مع بعض القبائل وقوات الحراك الجنوبي الانفصالي والعناصر "الإرهابية" وفي طليعتها القاعدة، يبدو وكأنه سيكون بؤرة التفجير لحربٍ أقسى وأمضى بين اليمنيين الجنوبيين، من حرب التحالف السعودي على عموم اليمن، كون قرار الإنفصال، لن تلغيه الإنتصارات الآنية للسعودية في بعض المحافظات، ولا الإنتصارات الإعلامية النفسية في محافظات أخرى، مع عدم إمكانية تعديل التوازنات في أية مفاوضات، لأن أنصار الله باقون الأقوى ضمن المعادلة السياسية بسبب تشرذم الآخرين، سيما وأن قادة العشائر الكبرى في الجنوب اليمني قد انتهوا بعد التدخل السعودي، نتيجة اعتقال عدد منهم وهروب البعض الى الخارج، وقطع رأس المشيخات القبلية وحدوث ما يشبه الإنقلاب الكبير في توازنات السلطة والهيكلية المجتمعية الجنوبية، وحلّت محل القيادات التاريخية قيادات جديدة خارجة من أرض المعارك وتنتمي في الغالب الى قبائل وأسر ومناطق فقيرة ومهمَّشة.
قادة ميليشيات مُستحدثة باتوا يحكمون جنوب اليمن في غياب القادة التاريخيين، رغم وجود بعضهم في العاصمة العُمانية مسقط، من أمثال رئيس الوزراء الأسبق حيدر أبو بكر العطاس وأحمد بن فريد وسعيد الحريري، إلَّا أن المتواجدين على أرض الجنوب هم أمثال "عبد الفتاح" وهو عامل متدرّب في مصفاة، و"عبد العزيز عبد الولي" وهو موظف في محل تجاري، و"ُمطيع" وهو موظف بريد ومن القلائل الذين حازوا الشهادة الثانوية، و"علي ناصر محمد" وهو مدرّس ابتدائي و "سالم ربيع علي" وهو حاجب في محكمة، وتقتصر أنشطتهم السياسية حالياً في التنافس على التقديمات الإغاثية والتوظيفات لأنها وحدها تضمن ارتقاء أحدهم عن الآخر في بورصة القيادات المستحدثة.
والوضع المقلق في الجنوب اليمني حالياً يتمثَّل ليس فقط بالقاعدة منذ تفجيرها مقر الامن السياسي في عدن ومصادرة وإتلاف وثائق كانت داخل المبنى، وسيطرتها على خمسة مبان مهمة في حي التواهي غرب عدن وإقامة نقاط تفتيش في المنطقة، وهذه كانت البداية كرسالة موجَّهة الى الجميع بمن فيهم جماعة الحراك الجنوبي، لكن المشكلة المستجدَّة هي في رسالة شديدة اللهجة تلقاها منذ أيام، العميد ناصر النوبة مؤسس الحراك الجنوبي، من القيادي سالم ثابت العولقي، ينتقده فيها ويحذِّره من التناغم مع جماعة الشمال اليمني المُطالِبين بالوحدة، ويؤكد عليه ضرورة العمل لتعزيز دعائم إنفصال الجنوب وعاصمته عدن وإعلانه دولة مستقلة.
ومع تهيئة أرضية حرب أهلية في الجنوب اليمني، خاصة بعد إقدام السعودية على إطلاق يد المتطرفين وعلى رأسهم القاعدة، وتسليمهم مواقع حساسة في عدن، مما أثار حفيظة الحراك وبعض القبائل، فإن الإستحقاق الأكبر هو في الشمال حيث تتواجد خلايا نائمة لتنظيم داعش خاصة في العاصمة صنعاء، ومع اقتراب الحديث عن "زحف" نحو صنعاء بعد الإنتهاء من الجوف وشبوة، فإن السعودية ومعها دول التحالف أمام خيارين أحلاهما مرّ، مواجهة داعش في أي مكان تتواجد فيه وفتح الحدود السعودية أمام الأعمال الإنتقامية، أو ترك داعش حرَّة في بعض المناطق الشمالية، مما يعني وضع الجنوب تحت رحمة القاعدة، وإطلاق يد داعش في الشمال لإستخدامها أداة لمحاربة الحوثيين، ويبقى العدوان السعودي سواء على الجنوب اليمني أو على شماله، أشبه برحلة صيد متهورَّة، حيث على السعودية أن تتخلَّص بنهاية الرحلة من "جامعي الطرائد"، وهنا ستبدأ حمامات الدم في رحلة العودة، بين السعودية وحلفاء العدوان من المنظمات الإرهابية، وبين "الحلفاء" والحراك الجنوبي مدعوماً من القبائل الجنوبية، ولم يعُد لدى اليمنيين ما يخسرونه بعد أن باتت اليمن هدية على طبق من دماء، لكن الهدية سيكون ثمنها على السعودية غالياً جداً، في رحلةٍ حساباتها مغلوطة بنظر من يعرف طبيعة الشعب اليمني وطبيعة تضاريس الأرض...