منذ العام 1932 تاريخ إعلان آل سعود مملكتهم العائلية على "نجد والحجاز" وحتى يومنا هذا، لم يسبق أن تجرأ أحدٌ ضمن حدود سلطانهم
أمين أبوراشد
منذ العام 1932 تاريخ إعلان آل سعود مملكتهم العائلية على "نجد والحجاز" وحتى يومنا هذا، لم يسبق أن تجرأ أحدٌ ضمن حدود سلطانهم، أن وضع بوجوههم النقاط على الحروف وعرَّى زيفهم كما فعل الشيخ المناضل الشهيد نمر النمر، وواجه بالوقائع والحيثيات طغيان حُكمِهم وظلمِهم وبطش سيوفهم، وتقدَّم المظاهرات السلمية المطلبية بعناد، رغم الترهيب والإعتقال عدة مرات، الى أن "بالغ" في لعن "الذات الملكية" وكان اعتقاله في العام 2012 وفبركة الإتهامات التي أدَّت الى الحكم عليه بالإعدام.
إن من فاجأه إعدام الشيخ نمر النمر، قد أغفل ربما حالة الرعب التي تعيشها مملكة آل سعود، سواء على مستوى الداخل والنزاعات على العرش، أو على مستوى الخارج والإخفاقات في كل الملفات التي حشرت السعودية نفسها فيها على بساطٍ من دماء، سواء في العراق أو سوريا أو اليمن، وبلغ حجم التحالفات التي تستعجل هذه المملكة نسجها حدود المهزلة، ما دفع بأحد المحللين الغربيين الى القول: حجم هذه التحالفات هو بحجم الإرباكات التي يعيشها الحكم السعودي، منذ محاولة إنشاء التحالف الخليجي لقمع الحقوق المطلبية في البحرين، ، الى التحالف ضد اليمن، الى التحالف الدولي المزعوم في الحرب على الإرهاب في سوريا، الى القوة العربية المشتركة التي لم ترَ النور، الى التحالف الإسلامي العسكري الذي تبرأت منه معظم الدول التي فرضت المملكة هذا التحالف عليها، وانتهاء بالحلف الإستراتيجي مع تركيا وهو ليس أكثر من كلامٍ إعلامي فضفاض، لا تركيا أجرت حسابات تداعياته عليها ولا السعودية قادرة أن تقوم بموجباته.
وبصرف النظر عن التداعيات المباشرة التي سوف تترتب عن اغتيال الشيخ النمر، والتي ستكون المسامير الأقسى في نعش الطغيان الوهَّابي، فإن حادث التعرُّض للسفارة السعودية في طهران رغم التدابير الأمنية العالية التي اتخذتها السلطات الإيرانية والقبض على 40 مواطن إيراني والإعلان عن محاكمتهم، ورفض الرئيس الإيراني علناً هذه التصرفات، وحرصه على الأصول في احترام العلاقات الديبلوماسية، إلَّا أن السعودية بالغت في التصعيد وأعلنت قطع العلاقات مع إيران، وفتَحَت باب صراعٍ جديد سنِّي – شيعي، لأنها بحاجة لهدر الدماء خارج حدودها لإبعادها عن الداخل المكبوت ظلماً، رغم أن النار التي أشعلتها في اليمن تجتاح الجنوب السعودي وتتمدَّد.
أحد المحلِّلين في تعليقه على حادث السفارة السعودية في طهران، يقول: هذا يُعيدنا بالذكرى الى حادث السفارة الأميركية عام 1979 بعد إنطلاق الثورة الإسلامية الإيرانية، لأن الإرتعاد الذي أصاب الحكم السعودي من الثورة الديموقراطية للشعب الإيراني، دفع بالسعودية الى إمداد صدام حسين بمليارات الدولارات في حربه على إيران عام 1980، وما كان يجمع حكم الشاه بالعرش السعودي هو الخوف من القومية العربية زمن عبد الناصر، والهلع من الإتحاد السوفياتي، إضافة الى العداء المشترك للديموقراطيات الشعبية، والعداء للديموقراطية هو الترياق الذي لا يستمر من دونه كل حكمٍ عائلي أو شاهنشاهي ديكتاتوري.
البيان غير المسبوق للجيش الإيراني بعد اغتيال الشيخ النمر، هو محاولة صدٍّ للعدوان السعودي المتمادي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهذا العدوان المتمادي ترجمه الأداء السعودي في معارضة الإتفاق النووي الإيراني، والمحاولات المستميتة لمنع حصوله، ثم في الإصرار السعودي على تهميش إيران في المحادثات الدولية بشأن سوريا، ومحاربة الموقف الإيراني الثابت من القضية الفلسطينية ودعم انتفاضة الأقصى، إضافة الى مواجهة مواقفها الواضحة من الإرهاب الذي يمزِّق الدول العربية والإسلامية والمدعوم بأموال خليجية، وانتهاء بحرب معلنة داخل أوبيك وخارجها على إيران، التي تستعد لقطف ثمار رفع العقوبات والبدء بتصدير النفط وفتح مجالات الإستثمار أمام الوفود الأوروبية التي تتقاطر على طهران منذ توقيع الإتفاق.
"حرب وجود" ظلامية تخوضها مملكة آل سعود ضد كل ما يهدِّد استمرارية ظلمها، خاصة بعد أن بدأت أجواء التقسيم على طريقة "الربيع العربي" تطرق أبوابها عبر الإرهاب الذي هو صنيعتها، وما مطالبة بعض الدول الإسلامية برفع يد آل سعود عن الحرم المكِّي الشريف نتيجة العجز عن تأمين الحدّ الأدنى من سلامة الحجاج، هو مؤشِّر إضافي لردَّة الفعل السعودية على ما ينتظر المملكة المتهالكة، وقد لا يُترجم بيان الجيش الإيراني مواجهة مباشرة بين البلدين في الوقت الحاضر، لكن منطقة مضيق هرمز وباب المندب والرقعة الممتدة من البحر الأحمر الى المحيط الهندي، لن تكون بعد اليوم مفتوحة للعربدة السعودية بذريعة الدعم الإنساني لليمن، وبداية مسرح العمليات لضبط الهستيريا السعودية في العدوان قد تبدأ من هناك...