"... في تلك المملكة، ممنوع النقد، ممنوع الاعتراض، ممنوع النقاش.. من يتكلم يُعدم ومن يعترض يُعدم، هذه هي السعودية التي تريد أن تنشر الديموقراطية في المنطقة، وتريد أن تدافع عن الحريات في المنطقة..".
ذوالفقار ضاهر
"... في تلك المملكة، ممنوع النقد، ممنوع الاعتراض، ممنوع النقاش.. من يتكلم يُعدَم ومن يعترض يُعدم، هذه هي السعودية التي تريد أن تنشر الديموقراطية في المنطقة، وتريد أن تدافع عن الحريات في المنطقة.. هذا اليوم هو يوم إدانتها الكبيرة والعظيمة والواضحة جدا جدا جدا..."، بهذه الكلمات البسيطة يمكننا ان نقول ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لخّص الوضع الانساني ومسألة الحريات في ما سماه آل سعود "السعودية".
هذه السلطات السعودية التي تدعي دعم "حريات الشعوب ونشر الديمقراطية" لا تقبل اي يكون فيها اي صوت معارض او منتقد لسياساتها، فهل يمكن لاحد ان يرفع الصوت ويقول كلمة حق في تلك البلاد في ظل حكم آل سعود؟ وهل لاحد ان يعلن موقفه بحرية تامة إذا ما كان يتعارض مع رأي الطبقة الحاكمة هناك وحاشيتها الامنية والدينية والسياسية؟ وماذا يكون عليه مصير من يقول كلمة حق بوجه تلك الطبقة الحاكمة الجائرة؟ فالجواب واضح وصريح حملته دماء آية الله الشيخ نمر باقر النمر، فرسائل "عالية الشفافية" بالقتل والقمع أطلقها النظام الحاكم في السعودية اتجاه كل من يريد ان يعبّر عن رأيه او يحاول ان يمارسه أي حق من حقوق الانسان الطبيعية والسياسية والمدنية.
فهل الشيخ النمر دعا مثلا الى الإنشقاق عن البلاد المسماة زورا "السعودية"؟ وهل دعا إلى تقسيم البلد مثلا كي يلقى كل هذا الكم من الحقد والقساوة والشدة في قرار السلطات السياسية والامنية والذي أُلبس لبوس "الحكم القضائي العدلي والشرعي"، وليساوى بالارهابيين الذين قتلوا الابرياء من المدنيين، والانكى هنا خروج البعض للقول إن الشيخ النمر هو مواطن سعودي تطبق عليه "القوانين" السعودية، ولكن أي قوانين هذه التي تؤدي بالسلطة الى قتل مواطنيها فقط لانهم طالبوا بحقوقهم السياسية والمدنية معتمدين بذلك كل الطرق السلمية من اعتصامات الى تظاهرات او ندوات وغيرها...
فما ذريعة تطبيق "القوانين" سوى حجة أقبح من ذنب، لانه بالتأكيد ان نظاما لا يوصف إلا بالدكتاتورية والقمع والتسلط بحق شعبه سيعمل على "قوننة" ظلمه وتسلطه لمعارضيه ومنتقديه وسينص عليها في مجموعة "أنظمة" تضمن له الاستمرارية والقوة وتمنع خروج أي صوت ينتقده ولو بالطرق السلمية، وإلا كيف يمكن تفسير الحكم بـ"الاعدام" على آية الله الشيخ نمر النمر، فقرار آل سعود باغتيال الشيخ الذي فشل في العام 2012 قبيل اعتقاله، تحول الى "حكم" بإعدامه بعدما اقتادته السلطات السعودية جريحا ورفضت كل الطلبات بإطلاق سراحه، ضاربة بعرض الحائط كل القوانين المتعلقة بحقوق الانسان، محاولة تأجيج الفتن المذهبية والطائفية، مكرسة نفسها مؤسسة وراعية للارهاب في العالم.
حول ذلك أكد الخبير في القانون الدولي الدكتور حسن جوني ان "جريمة إعدام الشيخ النمر تخالف كل القوانين والمواثيق الدولية التي ترعى الحريات وحقوق الانسان"، واضاف ان "هذه جريمة مخالفة للقانون سواء من حيث طريقة تنفيذها او من حيث ماهيتها او سبب تطبيقها"، ولفت الى ان "جريمة اعدام الشيخ النمر هي جريمة بشعة وهمجية لا تقرها لا الانسانية ولا حتى الاديان".
وقال جوني في حديث لموقع "قناة المنار" إن "هكذا أنواع من العقوبات والجرائم التي نفذتها وتنفذها السعودية لا سيما ما يتعلق بقطع الرؤوس والصلب وإطلاق الرصاص لا توجد في أي بلد من بلدان العالم خاصة انها نفذت بحق شخص لمجرد انه أبدى رأيه وعبر عن موقفه"، وأشار الى ان "العالم اليوم يعمل على إلغاء عقوبة الاعدام من أساسها بينما السعودية تنفذ هذه العقوبة بأبشع الصور".
وأوضح جوني ان "إعدام الشيخ النمر مع إرهابيين هو بحد ذاته يخالف حقوق الانسان لانه من غير المقبول قانونا المساواة بين المجرمين القتلة وبين الاشخاص الذين رفعوا الصوت بشكل سلمي وانتقدوا السلطات الحاكمة"، وسأل "كيف تساوي السعودية في القتل والاعدام بين الارهابيين وبين من يقف بوجه الارهاب؟".
ولفت جوني الى انه "لا يمكن القبول بالسبب الذي أُعدم من أجله الشيخ النمر"، وسأل "ما هي الجريمة التي من اجلها اعدم هذا الشيخ؟ وما هي الجريمة التي ارتكبها؟"، وأوضح ان "الشيخ النمر ناضل من اجل شعبه وحريته وكرامته فكيف يكون مصيره الاعدام فما قام به هو ما قام به كل أحرار العالم عبر التاريخ"، واضاف ان "الشيخ النمر ناضل سلميا ولم يحرض على القتل او الفتنة بل هو عبر عن رأيه ضد نظام ظالم وهذا ما تكفله كل الاعراف والقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الانسان".
وأشار جوني الى ان "المبادئ القانونية العامة تمت مخالفتها بشكل صارخ في قضية الشيخ النمر، حيث لا توازن بين العقوبة وبين الافعال التي اتهم بها"، وتابع "هل حصلت محاكمة عادلة بحق الشيخ النمر؟ هل كانت المحاكمات علنية؟ وهل كان له محامٍ؟ وهل أعطي حق الدفاع عن النفس لتقديم كل دفاعه بكل الوسائل الممكنة؟ بالطبع لم نشاهد ذلك وحقوق الانسان انتهكت في اغتيال الشيخ النمر".
وأكد جوني ان "القوانين التي تضمن حقوق الانسان المدنية والسياسية كلها تدعو الى احترام حرية التعبير فكيف تكون العقوبة على حرية التعبير هي الاعدام؟"، واضاف ان "حرية التعبير ان لم تكن مصانة فلا شيء بعدها يصبح مصانا فهي الاساس لكل الحقوق والحريات"، وتابع ان "الشيخ النمر عبّر عن الألم والأمل الذي يعيشه الانسان السعودي فهو عبّر عن الرغبة بالعدل والمساواة وأمل المجتمع بالعدالة وهذا ما أخاف السلطة السعودية وقتلته"، وقال "اغتيال الشيخ النمر هو اغتيال سياسي لان اتهامه أسس على أساس سياسي ونتائجه جاءت سياسية"، وتابع "الاعتقال بالاساس هو اعتقال غير قانوني ولا يحترم حقوق الانسان لانه اطلق عليه النار قبل اعتقاله".
وقال جوني "صحيح ان الشيخ نمر هو مواطن سعودي لكن هل هذا يعطي الحق للسلطات السعودية قتل مواطنيها لأبسط الاسباب ولأنهم عبروا عن رأيهم؟"، واضاف "هذه الدول تتدخل في سوريا والعراق وغيرها من الدول بحجة الديمقراطية وتقدم المساعدة للارهاب والجماعات المسلحة بينما تعمل على قتل مواطنيها بحجة أنهم يحملون الجنسية السعودية"، وتابع ان "هناك منظومة عالمية لحماية حقوق الانسان والدليل ان أغلب دول العالم وحتى الدول الغربية احتجت على إعدام الشيخ النمر ولم يقتصر الامر على بعض دول المنطقة وذلك بالطبع مرده ان الاغتيال مخالف للقوانين الدولية".
وحول احتجاز جثمان الشهيد النمر، لفت جوني الى ان "احتجاز الجسد بعد الاغتيال هو جريمة بحد ذاتها وفعل يخالف القوانين الدولية ويخالف مواثيق حقوق الانسان"، وأشار الى انه "حتى في الحروب من حق الانسان ان تسلم جثته الى أهله حتى تدفن بالشكل الذي يرونه مناسبا ويقيمون عليه العزاء الذي يرغبون به"، وتابع "كل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية تحمي حقوق الانسان في حياته ومماته كما ان الاديان تفرض تسليم الجسد الى اهل الشهيد او الميت"، واضاف "لم نشهد في العالم إعدام لشخص واحتجاز الجثة بعد ذلك".
"كل ذلك يؤكد ان لا قانون ولا شرعية في السعودية ولا حقوق انسان ولا حريات في هذه المملكة"، قال الدكتور جوني، واضاف "السعودية اليوم تخوض الحروب ضد الانسان داخل المملكة وخارجها وبأبشع الصور ضاربة بعرض الحائط كل المعاهدات والمواثيق الدولية التي ترعى حقوق البشر كبشر"، واشار الى ان "السعودية هي من الدول القليلة جدا في العالم التي ترفض التوقيع على الكثير من المعاهدات والمواثيق التي لها علاقة بحقوق الانسان".
وهنا لا بد من عودة البعض في مفاصل الحكم في بعض الدول الخليجية الى التعقل والعمل لردع الجموح السعودي باتجاه اخذ المنطقة كلها نحو الفتن والشرذمة والمخططات التحريضية، انطلاقا من القضاء على الانسان وحقوقه في الداخل قبل الخارج، فعلى من يدعي اتباع النهج المعتدل التنبه ان السعودية تعمل للفتنة من خلال إغلاق كل النوافذ التي قد تؤدي الى حوار هنا وهناك لحل الازمات بشكل سلمي بما يشكل بارقة أمل لشعبها او شعوب المنطقة.