التغطية الإعلامية لخبر الإعدام كما تناولته صحف غربية وقنوات ناطقة بالعربية، جاءت مقرونة دوماً بالصبغة المذهبية. كذلك، لم تمنح الإدانات الدولية الحقوقية إلا مساحة خجولة، مقارنة بالحجم اللافت الذي خصص للتوزيع الطائفي للشخ
لعلّها من أخطر المراحل التي يعيشها العالم العربي اليوم بعد إقدام السعودية على إعدام الشيخ نمر النمر و46 آخرين. مرحلة توتر وشحن مذهبي لم يسبق لها مثيل منذ حادثة التدافع في منى في أيلول (سبتمبر) الماضي. كثيرون أطلقوا على ما يحدث اليوم تسمية «الحرب الباردة» بين إيران والسعودية.
هذا الأمر انسحب طبعاً على الخطاب الإعلامي بين الطرفين، إذ اتخذ منحى مخيفاً يضاف إليه تعاطي الإعلام الغربي الذي تبنى السردية المذهبية في مقاربة الموضوع، متجاهلاً بيانات التنديد التي وجّهتها منظمات حقوق الإنسان؛ أولها «منظمة العفو الدولية» بخصوص إعدام النمر. قناة «العربية» كانت الذراع الأبرز في تبرير الإعدام، ذاهبةً إلى خطاب مذهبي تخويفي. لم تتوان القناة السعودية عن تبرير الإعدام، فبات الشيخ النمر مداناً بجرائم عدة من التحريض وتشكيل خلايا «إرهابية والتستر على مطلوبين».
وباتت أحكام الإعدام الصادرة والمنفذة شرعية وقانونية لردع «العابثين بأمن المملكة». ولعلّ أبرز التقارير في هذا المجال ذلك الذي بثَّ أول من أمس تحت عنوان «مخاوف على حياة 27 ناشطاً سنياً محكوماً عليهم بالإعدام في إيران». أضاء التقرير على الإعدامات في إيران. وبحسب القناة السعودية، فإنّ أغلب المدانين هم «حقوقيون ومتهمون بتهم سياسية» وينتمون الى «أقليات» تعيش هناك من «سنّة وعرب وأكراد». التغطية الإعلامية لخبر الإعدام كما تناولته صحف غربية وقنوات ناطقة بالعربية، جاءت مقرونة دوماً بالصبغة المذهبية. كذلك، لم تمنح الإدانات الدولية الحقوقية إلا مساحة خجولة، مقارنة بالحجم اللافت الذي خصص للتوزيع الطائفي للشخصيات والبلدان.
بعيد تنفيذ الإعدام، عنونت قناة «bbc عربي» على موقعها «إعدام الزعيم الشيعي نمر النمر في السعودية يثير موجة من الغضب». وذيّل بتقرير يبرّر الإعدام، إذ أورد أن النمر كان «محرضاً بارزاً في الاحتجاجات الحاشدة في القطيف شرق السعودية عام 2011».
تحدّثت «bbc عربي» عن إصرار السعودية على «عدم الرضوخ للمطالب الإيرانية»!.
وذكر أن إيران دعت الى ضرورة عدم تنفيذ الحكم، إلا أن السعودية فعلت خلاف ذلك بسبب «قلقها من تنامي نفوذ إيران في سوريا والعراق»، وأن هذا القرار «لم يكن مفاجئاً مع إصرار السعودية على عدم الرضوخ للمطالب الإيرانية في قضية شديدة الحساسية». بدورها، تعاملت «دوتشي فيليه» الألمانية الناطقة بالعربية بلغة مذهبية، فعنونت «غضب شيعي من إعدام السعودي المعارض». وفي التقرير، ذهب المحرر الى التصنيف في الإعدامات «3 من الأقلية الشيعية و34 متشددين سنّة».
هذا الخطاب لم يكن طارئاً على التعاطي الغربي مع قضية النمر، فصحيفة «لو موند» الفرنسية نشرت غداة تنفيذ الإعدام، تقريراً مقتضباً للإدانات الدولية بشأن إعدام النمر. واللافت هنا أنّها وضعت الأطراف «الشيعية» التي دانت الإعدام ضمن سياق واحد: العراق «ذات الغالبية الشيعية»، وإيران أيضاً وحزب الله المجموعة الشيعية في لبنان». والمضحك أنّها خصّصت مساحة لا تتعدى أسطراً قليلة لنشر إدانة «المجلس الأعلى لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة». من جهتها، سلّطت صحف بريطانية مثل الـ«إندبندنت» الضوء على الصمت البريطاني الرسمي إزاء انتهاك حقوق الإنسان بعد إعدام الشيخ نمر النمر و46 آخرين.
لم تر غالبية الجرائد البريطانية والأميركية في ما حدث إلا أحد أشكال «الصراع السني ــ الشيعي». هذا ما ظهر من خلال الـ«بي بي سي» مثلاً. فقد اعتبرت كبيرة مراسليها الدوليين، ليز دوسيه، أنّ «الانفجار الدبلوماسي بين القوّتين الأساسيتين السنية والشيعية سيتردد صداه في كلّ الشرق الأوسط، حيث تدعمان أطرافاً متنازعة في حروب مدمرة»، مشيرةً إلى أنّ اللاعبين في المنطقة بدأوا «يأخذون مواقعهم الطائفية لدعم إما طهران أو الرياض».
وفي الوقت الذي استعرضت فيه أوجه الشبه بين السعودية وإيران في افتتاحيتها أوّل من أمس، نقلت الـ«غارديان» التصريح الذي أدلى به السفير البريطاني السابق في السعودية، جون جينكنز، لـbbc. حاول جينكنز تبرير الإعدامات السعودية، مشدداً على أنّ ما تفعله المملكة «مختلف» عن أداء «داعش»، كما أنّ في رصيد إيران «إعدامات أكثر من السعودية»، علماً بأنّ هذه النقطة وردت أيضاً في تقرير مراسلة «واشنطن بوست» في بيروت ليز سلي.
من جهتها، خصصت الـ«نيويورك» تايمز مساحة للتطرّق إلى الخطوات الدبلوماسية التي اتخذتها ثلاثة بلدان «محكومة من قبل السنّة»؛ البحرين والإمارات والسودان، تجاه «إيران الشيعية»! وحرصت الصحيفة الأميركية على الإشارة إلى أنّ علاقة الدولة البحرينية «ذات الغالبية الشيعية بإيران سيئة».
من ناحيتها، ركّزت الميديا الإيرانية على التقارير الحقوقية الدولية التي أدانت الجريمة، كما أضاءت على الازدواجية التي تمارسها السعودية من خلال عفوها عن 6 بريطانيين ثبت أنهم ضالعون بتهم «الإرهاب» عام 2003، فيما لم تثبت التهم التي ساقها النظام السعودي ضد الشيخ النمر. كذلك، كان بارزاً في الميديا الإيرانية ربط المملكة الوهابية بـ«داعش» من خلال إعادة نشر رسوم كاريكاتورية تبيّن القاسم المشترك بين الجهتين، ألا وهو سفك الدماء وقتل الأبرياء بحدّ السيف.