أربعة أحلاف ابتدعتها المملكة العربية السعودية منذ تورُّطها في سوريا والعراق واليمن، ما يعكس إرباكات المتورِّط، سواء التي يعيشها داخل كيانه، أو من خلال الحروب العبثية
أمين أبوراشد
إذا كان التحالف الذي تقوده السعودية في عدوانٍ دمَّر اليمن، قد قارب حدود الإفلاس في تغيير معطيات الأرض، وتغييب حقّ الشعب اليمني في تقرير مصيره، فإن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في سوريا قد فضح دور أميركا والغرب وبعض دول الخليج في المحاربة بداعش وليس الحرب عليها، وانفرط لاحقاً عقد القوة العربية المشتركة من قبل أن تتأسَّس، وتلا ذلك، "التحالف الإسلامي" العسكري الهش الذي لم يرَ النور، ثم الحلف الإستراتيجي بين السعودية وتركيا الذي ولد ميتاً، الى أن عُقِد مؤخراً مؤتمر دول مجلس التعاون الخليجي وبرزت خلاله الإنقسامات حيال الموقف من إيران، ومؤتمر وزراء الخارجية العرب منذ يومين وانتهى كما العادة بمقررات ورقية لا قيمة سياسية ولا استراتيجية لها، لأن بعض دول الخليج ومعظم الدول العربية تُدرك، أن كل ما تحاول السعودية فعله هو الإلتفاف على إيران في كافة الملفات الإقليمية، ما يُهدِّد الإقليم بسخونة مواجهة مع إيران، ليست الدول الخليجية والعربية على استعداد للتورُّط بها وسط عدم رضى الدول الإسلامية الكُبرى عن الأداء المذهبي للمملكة الوهَّابية.
وقد أورد موقع "سي إن إن" يوم الأحد الماضي نقلاً عن المحلل في مركز "بروكينغز" بالدوحة إبراهيم فريحات قوله: "إن التوتر في العلاقات بين الرياض وطهران سببه خيبة الأمل السعودية من المواقف الإيرانية على أكثر من صعيد في المنطقة، وأن إقدام السعودية على إعدام الشيخ نمر باقر النمر، رغم علمها بأن ذلك سيؤدي الى حالة توتّر في المنطقة، هو عملٌ مقصود منه التوتير، نتيجة الخيبة السعودية في سوريا والعراق واليمن وأيضاً في لبنان، وأن غضب السعودية حيال الأوضاع في اليمن، أدى الى استهداف المملكة لإيران بشكل مباشر في محاولاتٍ للتصدِّي لها".
أربعة أحلاف ابتدعتها المملكة العربية السعودية منذ تورُّطها في سوريا والعراق واليمن، ما يعكس إرباكات المتورِّط، سواء التي يعيشها داخل كيانه، أو من خلال الحروب العبثية التي يخوضها في الخارج، وإذا كانت بدايات التورُّط قد هدفت الى رسم إسرائيليات عنصرية تخدم الكيان الإسرائيلي وتحجب الرؤيا عن العروش الراديكالية والديكتاتورية، فإن هذه الزحمة في التحالفات والمؤتمرات باتت أولاً وأخيراً تهدف الى العدوان السياسي السعودي على إيران، مع إعلان مدير عام دائرة الشؤون السياسية والأمن الدولي بوزارة الخارجية الايرانية حميد بعيدي نجاد، عن بدء العد التنازلي لحلول موعد تنفيذ الاتفاق النووي والغاء الحظر الدولي المفروض على ايران.
والتصريح الذي أدلى به وزير الخارجية الإيراني الدكتور محمد جواد ظريف خلال استقباله يوم الأحد الممثل الأممي في سوريا ستيفان دي ميستورا، أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تسمح بأن تترك التوجهات السعودية المثيرة للتوتر أثرا سلبيا على تسوية الأزمة السورية، وأن تتفاقم مشاكل الشعبين السوري واليمني، وكذلك على أوروبا بسبب هجرة المواطنين السوريين المظلومين الى هناك، هذا التصريح كان له وقعه الإيجابي المُلفِت لدى الدول الأوروبية، التي سَبَق وتقاطرت وفود رجال أعمالها الى طهران، قُبيل وبعد توقيع الإتفاق النووي، بهدف بدء حركة استثمارات واسعة خاصة بعد رفع العقوبات، لأن هذا التصريح يهدف إيرانياً ليس لمواجهة الإرهاب في الإقليم بل يتعدَّاه الى الحرص الإيراني على عدم تمدُّده الى أوروبا سيما وأن غالبية الدول الأوروبية باتت شريكاً إقتصادياً واعداً لإيران.
كما أن أوروبا العالِمة بمن يموِّل الإرهاب في الشرق بغطاءٍ أميركي، فوجىء المتابعون فيها بتصريح وزير الخارجية السعودية عادل الجُبير، في المؤتمر الصحفي الذي تلا مؤتمر وزراء الخارجية العرب، من أن الحساسيات المذهبية بدأت مع قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، فاستحضروا مسلسل المساجد الوهَّابية المنشأ والتوجُّهات التي أقفلتها أوروبا بعد تفجيرات باريس، وذهب بعضهم الى التاريخ ما بين العامين 1932 و1953 واستعادوا حقبة غادرت خلالها مئات العائلات الشيعية منطقة القُطيف السعودية نتيجة الترهيب الوهابي، ولجأت الى البحرين ونالت الجنسية البحرينية، ثم عَمَدت مملكة البحرين ذات العرش السنِّي الى تجنيس أردنيين وباكستانيين وحتى هنود سنَّة، ومن ثم مع بدايات "الربيع العربي"، لجأت الى تجنيس عراقيين وسوريين حتى من مخيمات النزوح، للمواجهة الديموغرافية مع الغالبية الشيعية في البحرين بهدف تحقيق توازن يكفل الحفاظ على العرش للعائلة الحاكمة السنِّية.
وإذا كانت دولة مثل السودان التي ليس لديها أصلاً سفير لدى طهران، قد قطعت العلاقات الديبلوماسية مع إيران، ضماناً لمصالح مع السعودية وفي طليعتها المُساعدات، وإذا كانت دولة الإمارات قد قررت الإمساك بالعصا من الوسط وخفَّضت حجم تمثيلها لدى طهران الى مستوى قائم بالأعمال نتيجة الميزان التجاري الضخم بين البلدين، فإن مملكة البحرين كمُقاطعة تابعة لمملكة آل سعود، تحاول الهروب الى الأمام في حلّ مسألة الغالبية الشعبية المظلومة من شعبها وتقمعه بالسيف السعودي، وتبقى كل محاولات أهل العروش وتحديداً في السعودية والبحرين يائسة بائسة في مواجهة الواقع ولن تمنع الإنهيار، وعند أول اهتزاز داخل العائلة المالكة السعودية نتيجة المغامرات الحالية، سيُطيح بتاج البحرين ويتوالى تساقط تيجان الديكتاتوريات...