البعض يرى روسيا في محور المقاومة، في حين ان الرئيس بوتين او لافروف يكرران عشرات المرات مصطلحات مثل التصدي، والمواجهة، ومنع التفرد... عند الحديث عن الولايات المتحدة ما يعني ان روسيا تخوض معركتها ضد مشاريع التطويق الاميركي..
طرح اغتيال الشهيد سمير القنطار أسئلة من جانب مؤيدين له وللمحور الذي ينتمي اليه واستشهد تحت رايته، ومن جانب من يعتبر نفسه ضد هذا المحور في اوساط مختلفة بحثية وسياسية واعلامية. دارت هذه الاسئلة حول التشكيك في الدور الروسي في سوريا وعلاقته بعملية الاغتيال التي حصلت.
طلال العتريسي/ جريدة الأخبار
ومن تلك الأسئلة الاتهامية على سبيل المثال:
- هل كان الروس على علم بهذه العملية وسكتوا عن تنفيذها بسب علاقتهم باسرائيل؟.
- هل كشفت اجهزة الرصد الروسية الفائقة القدرة هذا الصاروخ الذي اطلقته اسرائيل ولم تفعل شيئاً للتصدي له؟
- هل ثمة توافق روسي اسرائيلي على عدم الصدام في الاجواء السورية، وبالتالي يفعل كل طرف ما يراه مناسباً من دون ان يتعرض لمصالح الآخر او يهدد تلك المصالح؟.
سبق عملية الاغتيال الكثير من التقارير والتحليلات دارت حول التشكيك نفسه في الدور الروسي وفي علاقته بإيران. مثل القول بأن التدخل الروسي العسكري في سوريا يهدف الى تهميش الدور الايراني، وأن القيادة الإيرانية مستاءة مما تفعله روسيا، واضاف البعض ان هدف التهميش يتم بالتنسيق مع النظام السوري وبرضاه الذي يريد أيضاً تقليص النفوذ الايراني في سوريا.
ومن مجمل هذه الاسئلة والتحليلات يمكن الاستنتاج ان المقصود هو إثارة الشكوك حول أهداف روسيا، وعدم الثقة بوجودها في سوريا، ولفت الانتباه الى غياب التوافق بين ايران وروسيا، وبين ايران والنظام السوري نفسه. ما يعني ان هذه الجبهة التي يفترض انها تقاتل معاً هي جبهة غير موحدة ولها اهداف متناقضة وكل منها يعمل من أجل مصالحه الخاصة.
إن الأسئلة التي طرحت حول دور روسيا في اغتيال الشهيد سمير القنطار هي اسئلة طبيعية ومنطقية. ونعتقد ان سبب طرح هذه الاسئلة التشكيكية أو الاستفهامية يعود الى الدمج الحاصل في اذهان الكثيرين بين محور المقاومة ومحور الممانعة، في حين انهما في الواقع محوران وليسا محوراً واحداً. وللتأكد من هذا التمايز بين المحورين، يمكن ان نلحظ بالعودة الى كل المواقف والتصريحات على كل المستويات القيادية الروسية، عدم استخدامها ولو لمرة واحدة «مصطلح المقاومة»، أو «محور المقاومة»، أو حتى التعبير عن انتماء روسيا لهذا المحور، أو حتى تأييدها له. لا بل إن انصار هذا المحور هم من يعتبرون روسيا في محور المقاومة، في حين ان الرئيس بوتين او وزير الخارجية سيرغي لافروف يستخدمان ويكرران عشرات المرات مصطلحات مثل التصدي، والمواجهة، ومنع التفرد... عند الحديث عن الولايات المتحدة الاميركية. ما يعني ان روسيا تخوض معركتها ضد مشاريع التطويق الاميركي - الغربي لها ولنفوذها في العالم، ولذا تجد نفسها في محور الممانعة، وهي تعلن ذلك وتتصدى مباشرة للهيمنة الاميركية وتقاتل هذه الهيمنة في أكثر من ساحة جيوبوليتيكية من اوكرانيا، الى الشرق الاوسط، وفي منظمة شانغهاي، ومع دول البريكس...
اما محور المقاومة الذي يتقاطع بالتأكيد مع الاهداف الروسية في مواجهة الهيمنة الاميركية وفي التصدي لهذه الهيمنة، فأهدافه المباشرة هي مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، وضرب هذا الاحتلال في لبنان وفلسطين. ولا شك ان أي تقدم في طريق هذا الهدف (إضعاف الكيان الاسرائيلي) هو تقدم في إضعاف النفوذ الاميركي.
وتعتبر ايران الدولة المركزية في هذا المحور، ومعها سوريا كدولة موازية، وحزب الله وحركات المقاومة في فلسطين، ومنظمات عراقية عدة كقوى غير دولتية. ويمكن ان نلاحظ ايضاً ان مواقف كل من ايران وسوريا كانت واضحة في دعم حركات المقاومة في لبنان وفلسطين وفي العراق بعد الاحتلال الاميركي (2003). كما عملت الدولتان على تقديم كل اشكال الدعم الى هذه الحركات، ودفعت أثماناً سياسية وعقوبات اقتصادية بسبب ذلك، في الوقت الذي لم نلحظ فيه أي دعم، أو أي موقف روسي سياسي او إعلامي يؤيد المقاومة في العراق التي تتصدى للاحتلال الاميركي.
إن ما يفسر الموقف الروسي من عمية اغتيال سمير القنطار هو ان روسيا تجد نفسها في محور الممانعة للهيمنة الاميركية –الغربية، ولا تجد نفسها في محور المقاومة. وإذا كانت تتحالف مع هذا المحور موضوعياً في التصدي للهيمنة الاميركية في سوريا، أو مع ايران في محيط روسيا الجيوبوليتكي فإنها ليست معنية بالتصدي لأي عدوان اسرائيلي على أي قيادي من المقاومة، وقد لا تكون معنية حتى بالتصدي لاسرائيل لو شنت هجوماً على حزب الله أو على ايران. والأمثلة على ذلك ليست ببعيدة.
ان التنسيق بين روسيا ومحور المقاومة (ايران وحزب الله وسوريا) يجرى اليوم على الارض السورية لمنع التوحش التكفيري، ومن يقدم له الدعم الاقليمي والدولي من تحقيق اي انتصار استراتيجي في سوريا. والتنسيق في هذا المجال هو على أعلى المستويات السياسية والامنية والعسكرية. وزيارة قاسم سليماني قائد فيلق القدس الى موسكو قبل تدخلها العسكري، لم تكن سوى للتنسيق الامني والعسكري نظراً للدور الذي يضطلع به قائد فيلق القدس في كل من سوريا والعراق. كما أن زيارة الرئيس بوتين التاريخية الى ايران ولقاءه المطول مع مرشد الثورة لم تكن سوى لتأكيد الأهداف المشتركة في سوريا، وفي مواجهة الهيمنة الاميركية. لذا فإن الكلام عن تهميش روسي للدور الايراني في سوريا لا علاقة له بكل الوقائع التي تجرى على المستويات الميدانية والسياسية. لا بل يجب ان نلحظ ان مثل هذه التحليلات تزامنت مع التراجع الذي منيت به الجماعات التكفيرية، ومع الضربات القاسية والناجحة التي حققتها الضربات الروسية لهذه الجماعات.
لا يعني ما تقدم اي تشكيك في الدور الروسي. وهو ليس اتهاماً على الاطلاق بل هو محاولة لفهم حدود هذا الدور، والمصادر التي تدفعه الى التصرف في هذا الموقع، أو في مواجهة هذا التهديد أو ذاك. وأهمية هذا الدور هي في تكامله مع محور المقاومة.
لذا لا يمكن لروسيا ان تتصدى لصاروخ اسرائيلي أطلق من الاراضي الفلسطينية المحتلة حتى لو استهدف قائداً من قيادات المقاومة في سوريا، بحيث يؤدي هذا التصدي الى اشتباك محتمل مع اسرائيل. فدائرة الاشتباك الروسية في سوريا محددة وتقتصر على «الارهاب التكفيري» (داعش والنصرة وسواها من تنظيمات) ومنع الولايات المتحدة أو أي طرف اقليمي مثل تركيا من استمرار الرهان على هذه التنظيمات لتغيير موازين القوى في سوريا. ولكن من المؤكد لو ان روسيا تمكنت من تحذير القنطار او اي شخصية أخرى من شخصيات المقاومة قبل حصول عملية الاغتيال لفعلت.
أما محور المقاومة فيختلف عن روسيا حتى في حدود الارهاب الذي يشمل بالنسبة اليه اسرائيل نفسها. لا بل يؤكد رموز هذا المحور وقادته في كل مناسبة ان معركتهم الاساسية هي مع اسرائيل قبل أن تكون مع الارهاب التكفيري. ومن المؤكد ان حزب الله على سبيل المثال لن يبلغ الجانب الروسي عن اي استعدادات يقوم بها في المواجهة مع اسرائيل، او عن اي تحضيرات للرد على عملية اغتيال احد قادته، في حين أنه قد يفعل ذلك مع القيادة الايرانية أو مع القيادة في سوريا.
يمكن ان نضرب مثالاً آخر على مستوى التباين السياسي بين محور المقاومة من جهة وروسيا بما هي في محور الممانعة من جهة ثانية. فعلى الرغم من الحزم الروسي في مواجهة التنظيمات التكفيرية التي تتهم السعودية بأنها أحد رعاتها ومموليها، لا تزال روسيا حريصة على مد الجسور مع المملكة السعودية لاسباب كثيرة لا مجال للتوسع فيها. في حين ان اطراف محور المقاومة (حزب الله وايران وسوريا) لا تكفّ عن شن حملات الاتهام ضد المملكة والتنديد بها وبسياساتها.
ثمة تكامل إذاً بين محوري المقاومة والممانعة، وليس هناك تطابق بينهما. ففي حين ان المقاومة هي حكماً في محور الممانعة، الا ان العكس ليس تلقائياً، فمن هو في محور الممانعة مثل روسيا (أو حتى دول البريكس، أو اعضاء منظمة شنغهاي) لن يكون حكماً في محور المقاومة. ولذا ليس بالضرورة ان تتطابق تماماً كل أهداف المحورين وسياساتهما في كل مراحل المواجهة ومستوياتها.