ليس جديدا ان توحي تصرفات البعض في لبنان وبالاخص فريق "14 آذار" ان كل شيء بات بالنسبة إليهم وجهة نظر، فالقانون يفسرونه بحسب آرائهم الشخصية والخاصة والانظمة يجب ان تحقق أهواءهم وتطلعاتهم.
ذوالفقار ضاهر
ليس جديدا ان توحي تصرفات البعض في لبنان وبالاخص فريق "14 آذار" ان كل شيء بات بالنسبة إليهم وجهة نظر، فالقانون يفسرونه بحسب آرائهم الشخصية والخاصة والانظمة يجب ان تحقق أهواءهم وتطلعاتهم، اما القضاء فيجب ان يحكم بحسب رغباتهم لا بموجب ما يفرضه القانون، انطلاقا من ان القضاء ايضا بالنسبة إليهم وجهة نظر، فالحق والباطل ينظر اليهما كتعبير عن وجهات نظر ليس إلا.
والحقيقة ان هذا الفريق السياسي مواقفه اتجاه الدولة والدستور والقانون ومعها القضاء، هي مواقف مزاجية متقلبة بحسب ما اذا كانت تناسب مصالحه ام لا، وعلى هذه القاعدة نراه يقيّم عمل القضاء اللبناني ويطلق "الاحكام السياسية" على الاحكام القضائية، ففريق "14 آذار" الذي يتغنى بشعارات الحرية والسيادة والعبور الى الدولة وإقامة دولة القانون والمؤسسات، هذا الفريق سرعان ما ينقلب على كل شعاراته وما يدعي انها مبادؤه عند اول عدم تلاقٍ بينها وبين مصالحه.
ومن هذا المنطلق بدأت حملة المواقف السياسية والاعلامية وايضا "الميلشياوية" في الشارع لهذا الفريق، ردا على قرار محكمة التمييز العسكرية بإخلاء سبيل الوزير السابق ميشال سماحة، فبمجرد شيوع الخبر عن صدور القرار القضائي من المحكمة، خرجت كل "أبواق" الفريق الآذاري لتنتهك حرمة القرارات القضائية وتهاجم جهة قضائية ينظم عملها القانون اللبناني، وكأن القضاء اللبناني خصم وفريق في المعادلة السياسية، وقد يتناسى هذا الفريق ان القضاء سلطة مستقلة تحكم باسم الشعب اللبناني ومما ينظم عملها مع غيرها من الجهات، مبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليه في الدستور اللبناني.
من يحمي القضاء والقضاة من الممارسات المليشياوية؟
والغريب ان هذا القضاء نفسه في الماضي كان محل ترحيب ورضا لفريق "14 آذار" حين تم إخلاء سبيل ضالعين في الإرهاب وفي إثارة الفتن أو حين أخرج من السجون عملاء للعدو الإسرائيلي، أما اليوم ففي قضية الوزير سماحة يبدو ان الامر مختلفا لفريق المطالبين بـ"العدالة والحقيقة الاستنسابية"، ولكن بغض النظر عن معطيات وحيثيات قضية الوزير سماحة التي يجب ان يبت بها القضاء دون غيره فهي ليست محل بحثنا هنا، مع التأكيد انها لم تنتهِ فصولها بعد باعتبار انها ما زالت محكمة التمييز العسكرية تنظر بها، والاخيرة فقط أصدرت قرارا معللا ومشروطا بإخلاء سبيل سماحة.
وبغض النظر عما سبق ذكره فإن أداء فريق "14 آذار" يثير الكثير من التساؤلات، بدءا من مواقفه وصولا الى نزول عناصر من قبل بعض احزابه وتيارات على الارض لقطع الطرقات والاعتداء على حرية الناس والاملاك العامة، فكيف يمكن لاحد أيا كان ان يتطاول على القضاء وأحكامه؟ وأين هي دولة القانون التي يتم فيها إهانة جهة قضائية بهذا الشكل تحت حجج ومبررات ما انزل الله بها من سلطان؟
وهل يحق لوزراء ونواب ورؤساء سابقين إصدار المواقف التي تجيش الشارع ضد القضاء والقضاة؟ أليس قطع الطرق هو "بلطجة" واضحة نتيجة مواقف فريق "14 آذار"؟ وأليس كل ذلك يعتبر تحريضا مباشرا ضد قضاة المحكمة العسكرية؟ ومن يتحمل مسؤولية كل ذلك؟ ألا تشكل كل تلك التصرفات ضغطا مباشرا وغير مباشر على كل الجهات القضائية في لبنان في المحكمة العسكرية وغيرها وفي قضية الوزير سماحة وغيرها ايضا؟ ومن يضمن حماية القضاة من ضغط كهذا ومن يحمي القضاء والقضاة من ممارسات أقل ما يقال عنها انها مليشياوية؟
فالفريق الذي يدعي رغبته بالعبور الى الدولة هو واقعا يعبر على الدولة ومؤسساتها باتجاه مصالحه ضاربا بعرض الحائط كل ما له علاقة بالقانون والمؤسسات، والانكى من كل ذلك فإن هذا الفريق لا يترك شاردة وواردة إلا ويهاجم الآخرين تحت ذريعة القانون والدولة.
حول هذا الموضوع اعتبر الوزير السابق ألبير منصور ان "ردة فعل التي قام فريق 14 آذار هي ردة فعل غير مبررة وغير مفهومة على الاطلاق خاصة ان قرار المحكمة العسكرية هو قرار قانوني وفقا للقوانين المرعية الاجراء"، واستغرب "حدة المواقف الصادرة عن وزير العدل اشرف ريفي ورؤساء حكومة سابقين".
وشدد منصور في حديث لموقع "قناة المنار" على ان "القرار الصادر عن محكمة التمييز العسكرية بخصوص الوزير سماحة هو قرار قانوني مئة بالمئة، فالمحكمة ما زالت تنظر بالدعوى ولكنها ارتأت ان يتم إخلاء سبيله"، ورأى ان "طريقة الاعتراض التي حصلت من السياسيين وعناصرهم في الشارع تؤكد غياب التفكر القانوني واحترام القانون لدى هؤلاء".
ورأى منصور انه "كان الأجدر بوزير العدل ان يطلب او يلفت نظر مجلس القضاء الاعلى -وبعيدا عن الاعلام- تسريع المحاكمات لإنهاء القضية بدل الخروج عبر الاعلام للتهجم على القضاء"، سائلا "هل يستوي ان يقوم وزير العدل بالتعرض للقضاء الذي يعتبر سلطة مستقلة ولا يجوز التدخل بعملها؟"، وتابع "من سيمنع في المستقبل التهجم على القضاء في كل مرة سيصدر قرارات لا تعجب البعض؟".
وأسف منصور ان "تنخرط السياسة بالقضاء بهذا الشكل وان تصدر ردات فعل لسياسيين بهذا الشكل بهدف التأثير في القضاء او التحكم بقراراته"، وأشار الى انه "إذا كان البعض له أي ملاحظات على القوانين فليبادر الى طرح الافكار التي يراها مناسبة لتعديل القوانين عبر الاطر القانونية او البرلمانية المتاحة بدل القيام بمهاجمة القضاء بهذه الطريقة المشينة".
ولفت منصور الى ان "المستنكر اكثر ان الامر لم يقتصر فقط على المواقف السياسية وإنما انطلق الموضوع الى التجييش الاعلامي ومن ثم التصعيد في الشارع وكأن المقصود إثارة فتنة غير مبررة"، واعتبر ان "عملية قطع الطرق بالشكل التي حصلت كانت مؤذية للوضع العام في البلد وكأن الهدف الوصول الوصول الى شرخ معين بين اللبنانين علما ان الوضع العام في البلد لا يحتمل اي تلاعب بالشأن الامني".
وحول مطالبات بعض فريق "14 آذار" بإلغاء المحكمة العسكرية، قال منصور إنه "من غير المألوف اليوم وفي هذه الظروف التي يمر بها البلد الحديث عن إلغاء هذه المحكمة لان وجودها يهدف لردع المجرمين والارهابيين بشكل سريع حماية للامن في لبنان"، وتابع "بالأصل من حق أي شخص ان يبدي رأيه او يطالب بما يريد ضمن الاطر القانونية وبالشكل الذي لا يؤثر على استقلالية القضاء".
ولفت منصور الى ان "الطلب بإلغاء المحكمة العسكرية كمحكمة استثنائية قد يكون ممكنا فيما لو كانت الاوضاع التي يمر بها البلد هي ظروف عادية"، واضاف "أما الوضع القائم فهو غير اعتيادي حيث توجد العديد من الظواهر الارهابية في لبنان والمنطقة وقد سبق ان حصل تفجيرات واعتداءات على الجيش والقوى الامنية وعلى المواطنين اللبنانيين في اكثر من منطقة لبنانية"، موضحا ان "هذا كله يتطلب وجود جهات قضائية استثنائية تعمل وفق منظومة معينة تحتوي على اجراءات استثنائية فيها السرعة مطلوبة اكثر من الاجراءات العادية بهدف احقاق الحق وردع المجرمين".