أشرقت طه القطناني أو "أشرقت فلسطين"، إبنة السادسة عشر التي استوحى والدها اسمها من آية قرآنية، لم تشأ إلا أن تكون آيةً في حياته.
سارة طه مغنية
أشرقت طه القطناني أو "أشرقت فلسطين"، إبنة السادسة عشر التي استوحى والدها اسمها من آية قرآنية، لم تشأ إلا أن تكون آيةً في حياته.
الصبية الجميلة، الشجاعة، والمندفعة هكذا تحضر صورتها الملازمة لمعاني البطولة في فلسطين. أحبّت وطنها فمنحته كُلها، كي لا يُنسى وحتى لا تتحول الأنظار عنه.
لعبت أشرقت قطناني دوراً تعبويّاً في مدرستها. كانت مسؤولة الإذاعة في مدرستها، تلقي أشعاراً حول الوطن فستتدرج دموع الكل. وعندما انطلقت انتفاضة السكين لم تكتفِ أشرقت بأن تكون مجرد مؤيدة للتحركات ضد الاحتلال.
اعتبرت أشرقت أنّ "زوال الإحتلال قد اقترب"، وبوعي فاق سنّها خاطبت ابنة فلسطين الاحتلال، فقالت: "الجيل الذي أسميتموه جيل أوسلو قد أثبت لكم أنّه ابن هذه الأرض وأنه هو من سيخرجكم من أرضه ويسترد كرامته ويثأر لحرائره وشعبه". قالت كلماتها، ونفذت! فخرجت بعد أيام مصطحبة سكّين المطبخ، اتجهت نحو حاجز للإحتلال، لتفتح بذلك "أشرقت القطناني" صفحة جديدة في سجل حياتها المشرقة.
منذ الصغر، شهدت أشرقت على همجية الإحتلال ما حمّلها المسؤولية في وقت مبكر. يروي والدها الشيخ طه القطناني أنه في إحدى المرات التي هاجم جنود الإحتلال منزلهم واعتقلوه، "لم يكن في المنزل سوى هي واخوتها.. فتصدّت هي للجنود واعطيتها اوراقي واحضرت الأغطية ورعت أخوتها حتى خرج النهار."
أحبّت أهل غزة وتعاطفت معهم. وآلمها حرق الشهيد محمد أبي خضير حياً، وجريمة حرق الدوابشة، فكتبت في حسابها على "فيسبوك": "حرقوا الرضيع... تباً لشعب انتفض لحرق طيار قاتل ولم ينتفض لأجل حرق طفل رضيع... تباً لكم... أنتم عار على دين محمد وعار على أخلاقه". وقالت: "ليس اليهود من حرقوا الرضيع إنما العرب... عندما تخلّوا عن حق أبو خضير... واأسفاه لن يعود زمن معتصماه".
باختصار، كانت بوصلة الشهيدة لا تشير إلا لفلسطين. نبذت الحزبية والطائفية، وكانت أولويتها قضيتها الوحيدة: فلسطين. وتعبيراً عن ذلك كتبت: "إذا جئت لزيارتي... اخلع طائفيتك وعنصريتك وانتمائك السياسي خارج بابي وادخل!"... إنها "أشرقت فلسطين".
موقع قناة المنار أجرى مقابلة مع والدة الشهيدة أشرقت، الشيخ طه القطناني:
1- لماذا اخترتم هذا الإسم لابنتكم؟
القصة قديمة مرتبطة بأيام محاولتي حفظ القرآن كاملاً، وأنا أمر بخاتمة سورة الزمر مرت بي هذه الاية: "وأشرقت الأرض بنور ربها"، ومن يومها قررت إن رزقت ببنت فأسمّيها أشرقت. والحمد لله تم.. وأسميتها اشرقت وهي أكملت الاية في حياتي بشهادتها.."وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون".
2- ما الدور الذي لعبته كوالد اشرقت في زرع هذه القوة والارادة وحتى الاندفاع نحو التحرك ضد العدو في نفس الشهيدة؟
اشرقت فلسطين الاسم الذي اطلقته عليها من يوم شهادتها..عاشت وعانت كما باقي الاسرة من اعتقالي المتكرر من قبل الاحتلال وشاهدت جنود الاحتلال وهم ينهالون علي ضربا وكانت تصرخ عليهم.."اتركوا ابي اتركوا ابي"ولم تشفع لي كل صرخاتها..كانت تزورني في المعتقل..وتتالم وتبكي وتتمنى لو عانقتني..كانت تبادلني الحديث افضل من الكبار رغم صغر سنها يومها لم تتجاوز السابعة او الثامنة كان من يرافقهم هي واخوتها ويصحبهم لزيارتي – لان امها كانت ممنوعة من الزيارة- يسر بها وبقدرتها على الحديث والحوار فاشرقت فلسطين ناقشتني وخالفتني وجادلتني في كل الاشياء..ولكنها ورثت مني حب المقاومة وحب السيد احبته حد الهيام..واحبت اهل غزة وتعاطفت جدا معهم..وشغلت بهم..تألمت لحرق الشهيد محمد ابي خضير حيا وعائلة الدوابشة من دوما الفلسطينية كل هذا واكثر ..تمنت زيارة الاقصى والصلاة فيه ألحّت علي كثيرا لاصطحبها قبيل استشهادها بايام..ولكني ممنوع من دخول المدينة المقدسة..كانت فلسطين كل همها.
3- ماذا تعلّمتَ أنت من الشهيدة في حياتها وبعد شهادتها؟ وهل أعطتك قوة او جرأة أكثر؟
لا أنكر أن أشرقت فلسطين جعلتني أكثر حيوية وفجرت كل المخزون النضالي في داخلي ..وربما ألزمتني ان اعود الى خيار المقاومة.
4- من كانوا الشهداء الأكثر تأثيراً على الشهيدة؟ ومن هم الشخصيات الذين تعتبرهم نماذج لها؟
على ما اظن أن أكثر الشهداء تاثيراً بالشهيدة، هما محمد ابي خضير والرضيع علي الدوابشة.
أما الشخصيات النموذجية للشهيدة فهم، الثائر الاممي جيفارا، والشاعر محمود درويش، وأظن الاهم سماحة السيد – حفظه الله- بل هي اعتبرته رمز المقاومة وتاج رأسها، وربطته بنسبه الشريف، قكتبت تاج رؤوسنا يا ابن آل البيت سيد المقاومة.
5- ما هي الكتب المفضّلة للشهيدة؟
كتب اللغة العربية والشعر الوطني وخاصة قصيدة الشاعر مظفر النواب القدس عروس عروبتكم. وكتب التاريخ، وخاصة تاريخ القضية الفلسطينية.
6- ماذا كانت هواياتها؟
كانت تجيد النثر والانشاء والخطابة المدرسية اقصد في الاذاعة..والرسم، للاسف كانت ترسم كثيرا ولكن لم نحتفظ بشيء من رسوماتهاحتى ليلة استشهادها كانت ترسم وجها لمقاوم ملثم
7- ماذا قلت لها بعد أن كتبت تلك العبارات على حائط غرفتها؟ (قاوم فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة...)
كنت يومها قاسياً عليها اعتبرت انها أفسدت الطلاء ونهرتها كثيراً-غفر الله لي-.
8- هل ودّعتك؟ كيف كان آخر لقاء لكما قبل أن تخرج ومعها سكين المطبخ؟ هل كانت متيقّنة أنها ذاهبة نحو الشهادة؟
الحق ليلة استشهادها كانت ليلة غريبة عجيبة، كانت تمازح شقيقها حبيب الرحمن وتقول له: بدي اتعلم عليك الطعن، ونهضت وذهبت للمطبخ واستخرجت سكاكين من مطبخنا وسألتني أيها أفضل؟ كل هذا ونحن نظنه مزاحا وتساوقا مع الحالة النضالية التي تمر بها.
صبيحة يوم استشهادها صلّت الصبح وفتحت التلفاز وتجهزت للمدرسة كما كل يوم تذهب فيه. وناولتني الدواء حيث كنت مريضاً جداً واطعمت قطتها واشربت –عصفور الكناري- وخرجت بعدما قبّلت يدي على غير العادة وطوال الليل وهي تسألني هل احضر لك ماءا لتشرب؟
9- من أين كل هذا التعلق للشهيدة بسماحة السيد حسن نصرالله؟
أظنه مني، ومن سماحة السيد. فالسيد قيمة عليا في المقاومة والتضحية والفداء والصدقية. كيف لا وهو صاحب الوعد الصادق.
كنا نتابع خاطباته معاً، قبيل استشهادها بايام كان للسيد خطابا وكنت انا موعكاً، وذهبت للنوم مبكراً، وهي تلح علي أن انهض واشاهده.. فهي حالة وجدانية عميقة جداً،لا يشرحها الا كتاباتها.
صورة رُفعت في تشييع الشهيدة أشرقت قطناني |
10- كيف كان جو العزاء قبل اتصال سماحة السيد حسن نصرالله بكم؟ وكيف أصبح الجو بعد المكالمة؟
الاجواء كانت منذ اليوم الاول عميقة وكان المهنؤون يتوافدون يوميا..وبكثرة.
وبعد اتصال السيد بالنسبة لي كنت قد وصلت للذروة ولم اعد انتظر أحداً يواسيني او يهنؤني..فقد اتصل الكون كله في شخص سماحة السيد. لكن لا انكر، شنت بعدها حملات تحريضة عنيفة علي ..وحتى السيد الله يحميه لم يسلم.
لكن ما كنت أرى الا الشهيدة ولا اسمع الا صوت السيد حسن.
11- ما سر تلك البسمة على وجهك أثناء تشييع الشهيدة؟ وماذا الذي استوقفك حول وضعية يدها على وجهها عندما سلّمك الإحتلال جثمانها؟
هذه الابتسامة اثناء التشييع حيث قام الشباب بالابتعاد بجثمانها وساروا به وتركونا خلفهم ونحن لا ندري انركب أم نسير وكانت الجماهير كثيرة بين سائر عل قدميه وراكب لسيارة.
شعرت انها مسرورة جداً وهي تمضي بين تلك الجموع.
ولا أنكر أني تفاجئت من ملامحي عندما رايت الصورة وكأني شخص آخر.. عندما استشهدت قضت تماما وكانها نائمة في سريرها هكذا كانت تنام تماما تماما ولا ادري لم ابقى الاحتلال يدها على وجهها بعد ان قاموا بسرقة جسدها وهي شهيدة.
12- ماذا تأمل من هذه الانتفاضة الشبابية في فلسطين؟
الحق قد لا نتمكن من تحرير أي شبر لكن على الاقل هي أعادت فلسطين والقدس للواجهة وربما عرّت الكثيرين من ادعياء العروبة والاسلام ممن دمروا اوطانهم وبلاد العرب. أنا من طبعي اني واقعي جداً، الانتفاضة حتى اللحظة يتيمة..لم يتبناها أحد.