ولا يخفى ما لهذه الحركات من دعم تركي وسعودي وإسرائيلي، وتوظيفات أوروبية وأميركية. لتقول: إن المنطقة دخلت حرب المذهبيات المتصارعة باسم الدين، تمهيداً للقول: إن علينا دخول سلام الحداثة بفصل الدين عن الحياة العامة.
حالة من الاستنفار الفكريّ والثقافيّ تجتاح العالم المعاصر، وذلك بفعل الثورات النقديّة المتكرِّرة. وهي في واقع الأمر قد أنتجت العديد من الرؤى والقيم المستجدّة، التي عملت على مواكبة التطورات التقنيّة والعلميّة السريعة.
* الشيخ شفيق جرادي/ جريدة الأخبار
فمن ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، أن التنظير الذي سبق تفتت الاتحاد السوفياتي والمنظومة الشرقية، استند في بعض قراءاته النظرية على مقولة التبدّل في العامل الاقتصاديّ كبنية تحتيّة مؤسِّسة للتغيير في البنى الفوقيّة الفكريّة والسياسيّة والاجتماعيّة – حسب النظرية الماركسيّة – إذ حينما دخلنا زمن «الرزيستونس» كان من الواجب اعتباره العامل الاقتصادي المغيِّر لبناءات السياسة والنظام التي قامت عليها البلدان والمجتمعات الشيوعيّة.
وإننا وإن كنا نعتقد أن هذا الأمر شكّل الحجة والمدخل الداخليّ لطرح ضرورات التغيير، إلّا أنّ الأمر المسلّم به أنّ قيم الأنظومة السياسيّة والفكريّة تغيّرت بفعل الحاجة المجتمعيّة، وبفعل الممارسة النقديّة. أما لو أردنا التطلّع نحو مستلزمات هذا التغيّر والتبدّل في شرائح واسعة من مجتمعات ما يُسمّى «العالم الثالث»، لألفينا أنفسنا أمام طارئين:
الأوّل: الانتقال الدراماتيكيّ في الأيديولوجيات الثوريّة السابقة نحو انزياحات ليبراليّة متصالحة مع القيم والثقافة الغربية عموماً، والأميركيّة منها بنحو خاص.
الثاني: اتساع دائرة العودة نحو الدين، وذلك بمستويين مشهودين:
المستوى الأوّل: الذي استقطب بعض المُنظّرِين والمناضلين الحزبيين القدامى للدخول في مثاقفة مع التراث الديني، وانتهاج أفكار تحمل سمات دينيّة، من دون أن يؤثّر ذلك في مبدأ التزام هؤلاء على المستوى السلوكيّ أو العباديّ، بحيث ينتقلوا ليكونوا من روّاد المساجد أو المفردين للعبادات.
أما المستوى الثاني: فهو ارتفاع منسوب الانفتاح الشعبي والجماهيريّ على المراكز العباديّة، والأحزاب والمؤسّسات الدينيّة.
ولا نجانب الصواب لو اعتبرنا أن السبب في ذلك يعود إلى أمور منها ما هو أساسيّ، ومنها ما هو مساعد. من ذلك، فشل التجارب القوميّة في معركة الصراع مع العدو الصهيوني، وانهزام المنافحين ضد الليبراليّة الغربيّة – الأميركية، في الوقت الذي قامت فيه دولة إسلاميّة معاصرة بفعل اندفاعاتها الثوريّة بالإطاحة بأهم رمز عميل للأميركيين ومسوِّق للشراكة الإسلاميّة مع إسرائيل، وهو شاه إيران المخلوع.
إن قيام هذه الثورة بقيادة دينيّة مرجعيّة تمثّل المؤسّسة الإسلاميّة الرسميّة، ونجاحها في التوفيق بين التأصيل الدينيّ والمعاصرة عبر إنشاء دولة إسلاميّة حديثة، لها دستورها، والفصل بين السلطات، وتعتمد صناديق الاقتراع في انتخابها لرؤسائها ونوابها وبرلمانييها، ثم صمود هذه الدولة أمام التحدّيات الإقليميّة والدوليّة التي فُرضت عليها، في الوقت الذي نادت فيه بتحرير فلسطين، ومجابهة الاستكبار العالميّ، ومساندة حركات التحرّر المستضعفة في العالم والمحيط، إضافة إلى تقديمها نموذجاً حيّاً لدولة حقيقيّة تعمل على التطور والازدهار العلميّ، والاستقلال الوطني.
كل ذلك، دفع نحو العودة العمليّة للدين عموماً في العالم، وعلى مستوى المنطقة، نحو الإسلام. الأمر الذي كانت له مضاعفاته على المستوى الفكريّ والنظريّ في إعادة فتح باب التجديد والاجتهاد الفكريّ، بل والعمل على تطوير مناهج وموضوعات العلوم الإسلاميّة، ودخولها حيّز التفاعل المؤثّر مع العلوم الإنسانيّة والتطبيقيّة. وهو ما شرّع الباب واسعاً أمام استقبال رياح النقدية الحديثة والمعاصرة، وامتدادها نحو أمور كانت إلى الأمس تعتبر مغلقة على شكل «التابو».
وانقسم المفكّرون المسلمون هنا إلى قسمين: منهم من خاف الوقوع فيما وقعت فيه التجرية السوفياتية، وأن تقلب الرياح النقديّة الأمور رأساً على عقب، ومنهم من التجأ إلى النموذج الآخر، وهو التجربة الليبراليّة، التي سمحت، بل واستدعت الحِراك النقديّ إلى الدرجة التي وضعت فيها أصل وجود النظام الرأسمالي على المحك، وأذنت بمراجعات نقدية - خاصة بعد الأزمة الاقتصاديّة العالميّة – لتجربتها وأفكارها وقيمها التأسيسيّة.
بل يمكن القول: إنّ هذا النظام الرأسمالي في قيمه الليبراليّة يدفع نحو النقد باعتباره جزءاً ذاتيّاً من منظومته، برغم كلّ المقدّسات في هذه المنظومة والتي لا يمكن التغاضي عنها. وهو في واقع الأمر أمرٌ منسجم مع ليبرالية الرأسماليّة التي تعتمد على التجربة الحية كأصل للإلهام والصلاحية. ثم يستكمل هؤلاء القول: إنّ العالم اليوم بما أنه صار متبنياً معياريّة التجربة، فما المانع أن نضع الظاهرة الدينية، بل والمقدّس الدينيّ أمام محكمة النقد والسؤال؟
وإذا ما كان الإسلاميون بالأمس يحتجون باللجوء إلى ضعفهم وخروجهم عن واقع التأثير والفعالية السياسيّة، بسبب عدم وجود سلطة يتسنّمونها في الفترات الزمنيّة السابقة، وبالتالي فلا يمكن الحكم على تجربتهم سلبًا أو إيجابًا لانتفاء وجودها فعلًا. فإنهم اليوم صاروا قوة وسلطة حاضرة وقائمة بفعل تأثيراتهم المجتمعيّة العميقة في بلدانهم، وبفعل وجود تجربة حكم لهم في إيران. وهو الأمر الذي يتيح موضوعيًّا محاكمة التجربة الإسلاميّة محاكمةً نقدية.
وهذا الواقع المستجد هو خلاف ما كان عليه الإسلاميون من اعتبار أن الدين نظام إلهي إعجازي، والسبب في حرماننا نعمة إعجاز في حل مشكلات الحياة، هو كونه مفصولاً بفعل إرادة الطاغوت عن تفاصيل الشأن العام واليومي، ولو تسنى لهذا الدين المُعجز أن يُطبِّق أطروحته لحلّت كل مشكلات الإنسانيّة. ومن المعلوم أن حركات الإسلام السياسيّ هي التي كانت تحتضن هذه القراءة، التي بسببها رفعت في نضالها الاجتماعي والسياسي، شعار «الإسلام هو الحل».
وإذا ما كانت الجمهورية الإسلاميّة في إيران أقامت دولتها، فإن أصحاب هذه القراءة الآنفة الذكر – حتى منهم الذين تأثروا بها – ظلوا يطمحون نحو فاعلية خاصة للإسلام، سقف كمالاتها، هي الخلافة الإسلاميّة. هذه الفاعلية التي كانت كلما تعثّرت على مستوى الممارسة، تنتج على جانبيها إما حراكًا شعبيًّا عنيفًا تكفيريًّا - بالغالب- وتقوم السلفيّة والوهابية بتثميره، أو أن تنتج جنوحًا ثقافيًّا وفكريًّا نحو علمنة الإسلام تحت عنوان: الاعتدال والوسطية الإسلاميّة، على طريقة بعض أئمة أهل «إسلام السوق» والإنتليجانسيا الأكاديميّة والإعلاميّة.
وبقي الأمر كذلك حتى قامت حركات شعبية اصطلح عليها بالربيع العربي، واستطاع الإخوان المسلمون بما يمثّلونه من ثقل في «الإسلام السياسيّ» أن يتبوؤا قيادة كثير من هذه الحركات. فأنشأوا على أثرها علاقات ماليّة وسياسيّة بغية ضمان استلامهم للحكم، وأعلنوا عن مواقف وقرارات كانت تعوزها الثقافة السياسيّة في إدارة المجتمع والدولة،مما شجّع على القول بعد سقوطهم المريع: إن أصحاب الإسلام السياسي كانت تعوزهم السياسة، فلمّا سقطت تجربتهم بشكل صارخ، وقعت بين ظهراني المسلمين فجيعة حقيقية «بتناتش» و»تقاسم» سلبي، على جانبي التجربة، كالعادة، بين علمنة ثقافيّة توزعتها مؤسّسات ومراكز بحثية وفكرية تقودها سياسات، وتدعمها ماليات خليجية قطرية وإماراتية، وبين ردّات فعل عنيفة تكفيرية، وجدت ملجأها ومسارب قنوات وَحْشِيَتها في النزاع السوري.
ولا يخفى ما لهذه الحركات العنفية من دعم تركي وسعودي وإسرائيلي، وتوظيفات أوروبية وأميركية. وكلها سخّرت المشهد للقول: إن المنطقة دخلت حرب المذهبيات المتصارعة باسم الدين، تمهيداً للقول: إن علينا دخول سلام الحداثة بفصل الدين عن الحياة العامة، وبتبنّي سياسات تنبع من عمق الحضارة الغربية التي تمثلها الولايات المتحدة الأميركية.
ليأخذ المشهد بذلك أبعاداً ثلاثة:
1. البعد الاحترابي في القتل والموت اليومي.
2. البعد الحضاري بإرساء الحاجة إلى متابعة مسار الحضارة الغالبة – الغرب –
3. البعد الديني بزحزحة القيم الإسلامية – عبر التجربة – عن مسارها، وتطويعها لقيم علمانية، لا مقدّس فيها، ولا غيب. وبالتالي لا حياة إيمانية بالمعنى السياسي للكلمة.
وهكذا، لم تعد صيغة: أن الإسلام شيء والمسلمين شيء آخر قابلة للاستفادة، بل صار الأمر أن فساد أمور المسلمين يعني فساد إسلامهم، وهشاشة جماعتهم يساوي وهن قيم دينهم وقيمهم.
وفي عرض هذه المقولة، برزت مقولة أخرى بصيغة المصادرة على المطلوب، مفادها: أن الأزمة المفجعة في مجتمع المسلمين تعود لسببين: إما الإسلام عينه، أو أن أصل بنية المجتمعات العربيّة والإسلاميّة غير قابلة للإصلاح والازدهار والتقدّم. وبالتالي علينا إما ترك الإسلام، أو رفض بنية المجتمع الإسلامي التي تقوم أصلًا وبالأساس على فرضية قرآنيّة مفادها «كنتم خير أمة»، وقول النبي (ص): «الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة». وما علينا أمام هذا الواقع إلّا أن نغيّر الدين بالعلمنة، وبُنى المجتمع الحالي بقيم الالتحاق بمصدر الإشعاع الغربي. وإذا كان سقوط الربيع العربي أسّس لهذه المزاجية، فإنّ شراسة القتل وفوضى الجريمة التكفيريّة للحركات المسلّحة، وثقافة الوهّابية الإقصائية قدّمت النبوّة والرسالة على أنها المنشأ الملتهب لكل جريمة وتطرّف وحروب. وقد يفترض البعض أن الخلاف السعودي الإيراني ساعد على حجب التطور والنجاح في التجربة الإسلامية التي قدّمتها إيران وبعض حركات المقاومة في المنطقة؛ ذلك أن التهاب الصراع بين الطرفين أخذ المنطقة برمّتها نحو صيغة من الحرب المذهبيّة. ومن المعلوم أن هذا النوع من الحروب كفيل بإبعاد كل خير عن وجوه عمل جماعات المنطقة التي يقع فيها؛ إذ يضع الكل في كفة واحدة، ويحكم عليهم بحكم واحد.
الأقرب للتقوى هو أن نتهم المسلمين بدل اتهام الإسلام
وهو الأمر الذي حجب في هذه المرحلة الوجه الإنساني للحركات الإسلامية، والأفق الحضاري لمشروع الحضور الإسلامي في سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وقبل أن نطوي هذه الفكرة، لا يمكننا أن نغفل عن الدور السياسي والإعلامي الذي تلعبه الولايات المتحدة الأميركية ومؤسّساتها التي أنتجتها في قطاعات من المجتمع المدني، كما الدور الذي لعبه وما زال بعض الإعلام الخليجي.
هذا الواقع يفرض علينا أن نبحث في مستقبل الإسلام بالمنطقة، وهل بإمكانه أن يحل مشكلاته الخاصة، فضلًا عن حل مشكلات التنوّع المجتمعي؟
مثلًا: كان الوفاق سيد الموقف بين المقاومة الإسلاميّة كحاضن لمشروع الإسلام النهضويّ في المنطقة، وبين أطراف من الاتجاهات والأحزاب القومية والاشتراكية والعلمانية، وهذا الوفاق بُني على وحدة التصدّي لقضية المقاومة والتحرير بشكل خاص. وأحيانًا كان يتقاطع مع اهتمامات سياسية ومطلبية، وقد تجاوز هذا الوفاق الأحزاب الأيديولوجية المفتوحة، ليصل إلى أحزاب أيديولوجيّة مسيحية.
ولم يتنغّص هذا الوفاق إلّا ببعض الأوساط الثقافية العلمانية التي كانت تثيرها تسمية إسلامية المقاومة أو ثقافتها الإسلامية، وإلى ما قبل بروز النزعات التكفيرية، فإن صدى هذه الإثارات كان خافتًا، مما يشير إلى تصالح توافقي ومرحلي بين الطرفين الإسلامي وغيره على تجميد آفاق النزاعات. التي سرعان ما تكشّف المشهد الأخير على حماسة الطرف العلماني بإبرازها بعد الأحداث الأخيرة، وإن حافظوا على تمييزهم بين دور المقاومة وهوية المقاومة الإسلامية.
أما من جهة أصحاب الطرح الإسلامي الرسالي، فمن المعلوم أن ما يختزنونه – في هذه المرحلة – هو أن فعل الانخراط بمسار وثمار النهضة الإسلامية حينما يصل إلى مواسم القطاف، فإن من ضوابطه منحى الفكر والعقيدة، والالتزامات الشرعية والأخلاقية الإسلامية.
وإذا أراد القارئ للقضايا اكتشاف ذلك، فما عليه إلّا قراءة بعض نصوص خطابات وتحليلات الإمام الخامنئي حول الثقافة والثورة الإسلامية. ما يعني أن بذور الخلاف قائمة لكنها مخبوءة بغلاف التصالح. فكيف سنستعد لتلك المرحلة؟ ما نقدّمه اليوم إما سكوت عن الموضوع ودفع بالمشكلة نحو الأمام لتغيب عن اللحظة، أو افتراضات وتنظيرات في أفضل أحوالها سياسية وتكتيكية لا ترقى إلى مستوى المعالجة الرسالية ببعديها العقدي والشرعي.
وهذا الأمر مفتوح لمن يبادر فقط على خوض غماره. أما داخل إيران، ففي أفضل الأحوال، الإشكال، فالجاهز في الجواب على هذا الطرح هو أن المجتمع الإيراني حالة استثنائية وشاذة في قبول النظام الإسلاميّ؛ لأن المجتمع الإيراني محكوم بأغلبية موحدة قليلة التنوع، لكن خارج إيران هي فاشلة، وهذا ما سيفرض أصل صلاحية الإسلام في إدارة شؤون الحياة.
بعد إشكالية الصلاحية، هناك إشكاليتان أيضاً:
الأولى: إشكالية القدرة، وأقصد بها قدرة الإسلام على ردم الافتراقات بين الأطروحة والحياة بمكوِّناتها وقواعدها العملانية والمسلكية، بحيث أن لا نقع أسرى الثنائيات البنيوية في هذا المجال، إذ رسم تجسير العلاقة بين الثنائيات يقضي بوجود تمايزات وسياسيات بروتوكولية تلفيقية بينهما، بينما المطلوب وجود ناظم موحّد أو متناسق بين الأمرين.
ومن ذلك العلاقة بين سماوية الإسلام، ودنيوية العلم. بين الأخلاقيات السياسية في الإسلام، وبين المهنية السياسية، وكذا الاقتصادية، أو التربوية، أو التنمية على أساس الرفاه وغير ذلك. هذا فضلًا عن الانخراط الفاعل في النظام العالمي.
الثانية: هي إشكالية التفوق: إذ من المعلوم أن المسلمين يتحدثون عن مشروع حضاري بديل عن الأنظمة الحضارية القائمة، فبأي معنى هو هذا المشروع؟ هل بمعنى أن نحل محل هذا الممثل أو ذاك للحضارة العالمية؛ أي هل نقصد التسابق على قيادة العالم في هذه الحضارة القائمة؟
أم إننا نقصد فرادة وجِدَة جديدة لهذا المشروع الحضاري، وهل الإسلام كما نعيه وكما هو موجود في نطاق إدراكاتنا وأدبياتنا يرقى إلى مثل هذه القيمة؟ أم إنها من ضمن الطوباويات المبنية على مستقبل إعجازي تنبثق فيه الحياة بدفعة واحدة، خارج سياق عالم الإنسان المبني على مسلك الزمن والتدرّج الخلقي للأحداث والقضايا والأشياء؟.
أخيرًا، مَن المسؤول: عقل وطبع ووجدان هذا العبد الضعيف (الإنسان)، أم الدين في أصل صلاحيته، أو أصل اهتماماته، التي قد تكون مستغنية عن هذا الجدل إلّا أننا أقحمناه فيها؟ ثم إنّ كان الأسهل القول كما كنا نكرّر في الماضي: إنّ الأقرب للتقوى هو أن نتهم المسلمين، بدل اتهام الإسلام أو الصيغ الإسلامية المطروحة. وهنا أجدني مضطرًا للسؤال: ألم يترك الإسلام تحديد الموضوع وحراك الفهم والبحث والاجتهاد، وبالتالي السير بالدين على عاتقنا؟ فإذا كنا مخلوقات عاجزة، هل من الحكمة أن يكلِّف المولى بما لا يطاق؟. عليه، من على المحك اليوم: الإسلام أم المسلمون؟ الفكرة أم التجربة؟
أم نلجأ إلى أهون الشرور، فنقول: إن معيار الحكم العالمي على الأشياء هو الباطل، وكل ما يحصل لا يُفسد في الود قضية، وعلينا أن نرتاح ونعتبر كل ما يدور تخرصات خاطئة، بدليل أننا على حق إذن لا نبالي أوقع القوم علينا أم خرجنا من عالم الأقوام والشعوب.
إني أعتقد، أنّ لكل إشكالية مدارات في البحث علينا أن ندخلها خارج أخلاق العبيد الخاضعين للأوهام، وخوف الداخل قبل الخارج، وسكون العادة. لأن الخوف الأكبر اليوم هو نفس الخطر على رسالية الإسلام، وبالتالي مصدريته، وعندها على الدنيا السلام. وإن كان الإسلام برساليته في خطر، فإن الواجب يقضي اقتحام كل أمر مستغلق، ولا تأخذنا في الله لومة لائم.
وعلينا أن ننظر إلى أقصى الصورة، فلا ننزلق بالجمود عند المنحنيات أو الهموم المباشرة رغم أهميتها وضرورتها. لنعتبرها مسار على طريق المقصد الإلهي وليست هي المقصد. إننا في هذه اللحظة بالذات نحتاج لاستعادة إسلامية لكرامة الإنسان، كما نحتاج لاستعادة إنسانية في حق هذا الإنسان ممارسة النقد المسؤول والكادح لبناء الحياة.
* رئيس معهد المعارف الحكميّة للدراسات الدينيّة والفلسفيّة