حمل الأسبوع الماضي الى العالم، وبخاصة الى أميركا والغرب، ثلاث رسائل إيرانية تزامنت بالصدفة وعبر كل وسائل نقل البريد، برَّاً وبحراً وجوَّاً:
أمين أبوراشد
حمل الأسبوع الماضي الى العالم، وبخاصة الى أميركا والغرب، ثلاث رسائل إيرانية تزامنت بالصدفة وعبر كل وسائل نقل البريد، برَّاً وبحراً وجوَّاً:
الرسالة الأولى برِّية، بإعادة إحياء "طريق الحرير" التاريخية مع الصين، وتوقيع إتفاقيات لمدى ربع قرن مع الرئيس الصيني "شي جينبينغ" الذي زار طهران منذ أيام، وصرَّح الرئيس روحاني إثر الزيارة "نحن سعداء بزيارة الرئيس "شي" إلى إيران، وتمَّ الإتفاق على زيادة التبادل التجاري إلى 600 مليار دولار في السنوات العشر المقبلة".
والرسالة الثانية عابرة للبحار، عبر زيارة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية السيد علي الخامئني الى مقرّ الفرقة البحرية في الحرس الثوري، التي اعتقلت الجنود الأميركيين في المياه الإقليمية الإيرانية، وتنويهه بقوة وإيمان رجال الفرقة في القيام بالواجب.
أما الرسالة الثالثة، فكانت في الأجواء الإيرانية، عبر مؤتمر إيران 2016 للملاحة الجوية، الذي يُعقد حالياً في طهران، بمشاركة شركات الصناعات الجوية والخبراء ورؤساء شركات الطيران الدولية، وهذه الرسالة هي في الأجواء الخارجية أيضاً، من خلال صفقة شراء 114 طائرة "إيرباص" لتأهيل الأسطول التجاري الإيراني، وسيتمّ التوقيع عليها خلال زيارة الرئيس روحاني الى باريس، وأهمّ ما في صفقة "الإيرباص" أن المباحثات حولها استمرت عشرة أشهر استبقت الإتفاقات النووي، وتأخرت لدواعي تأهيل المطارات، وبانتظار رفع العقوبات عن الأموال الإيرانية "المُصادرة" في المصارف الأميركية.
وخلال الزيارة القصيرة للرئيس الصيني الى طهران، أجمعت وكالات الأنباء الدولية، على أنه، إذا كانت روسيا هي الحليف السياسي والعسكري لإيران من ضمن نادي الكبار، فإن الصين هي الحليف الإقتصادي الذي كان داعماً لإيران في مواجهة العقوبات الإقتصادية الأميركية – الغربية على مدى عقدٍ من الزمن، وهو ما انعكس على إيران إيجاباً، ليس فقط على المستوى الإقتصادي، بل في بناء أرضية صامدة لمواجهة استكبار عدواني وآحادية أميركية تم كسرها الى غير رجعة بالتحالف مع روسيا أو الصين، ومن خلال المواجهة السياسية لإيران مع أميركا والغرب وانتهت في فيينا بـ "إتفاق القرن".
وتُعتبر زيارة الرئيس الصيني قيمة مضافة لمواقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في ممارسة دورها الإقليمي لمكافحة الإرهاب، وأشار الرئيس روحاني، "إلى أن البلدين اتفقا على التعاون عن كثب لحل قضية الإرهاب والتطرف في العراق وسوريا وأفغانستان واليمن"، وقوَّة الصين في هذا المجال ليست فقط في اقتصادها ولا في قوتها العسكرية، بل في كونها الدائن الأول للولايات المتحدة والمنافس الأشرس لها في اقتصادها، وفي مواجهتها سياسياً خاصة من خلال الدعم الصيني للقضايا العادلة، وأوَّلها قضية فلسطين وآخرها دعم إيران في مسيرة تحقيق النصر بملفها النووي السلمي.
إنطلقت إيران ما بعد النووي..، كما القوة النووية، وهذا التزاحم الدولي على الإستثمار والتبادل التجاري معها كشريكٍ واعد، بدأ قبل قرار رفع العقوبات عنها والذي لم يبدأ تطبيقه أميركياً في بعض بنوده بعد، بدليل، أن شركة "بوينغ" الأميركية تنظر بحسرة الى صفقة إيران مع "الإيرباص"، ولم تتبلَّغ بعد إذناً أميركياً بعرض صفقة من طائراتها على طهران، رغم أن الرئيس الإيراني ترك الباب مفتوحاً لها لتقديم عروضها، من منطلق شفافية منح حق المنافسة العادلة لكافة الشركات والمؤسسات الراغبة.
المؤسف، أن العالم شرَّع أبوابه ومعابره البريَّة والبحرية والجوِّية أمام إيران، باستثناء إسرائيل والسعودية، وإذا كانت إسرائيل مُرتعدة وتُسرِع في التسلُّح حتى التخمة، فإن السعودية العالمة بأن إيران لم تكُن بوارد إنتاج قنبلة نووية لضوابط شرعية تتعلَّق برفض أسلحة الدمار الشامل، فإن الحقد في البدعة الوهَّابية الذي يحكم سياسات المملكة، قد استنهض مجدداً ومنذ أيام، وزير الخارجية السعودي عادل الجُبير، ليُعيد معزوفة رغبة المملكة في اقتناء قنبلة نووية مصنوعة في باكستان ومدفوع ثمنها من التمويل السعودي، وسيتم نقلها الى المملكة في حال أنتجت إيران قنبلة نووية!
وفي هذا السياق، علَّق خبير عربي في الشؤون النووية مُقيم في ميونيخ، على تصريحات الجُبير، أن التفكير السعودي باقتناء قنبلة نووية أشبه بتجنيد المرتزقة في الجيش والشرطة، لكن الأمور من الناحية العلمية والتقنية خاصة أعمال التخصيب المُستدامة، إضافة الى الهيبة السيادية للدولة، تستلزم إنتاجاً ذاتياً سرِّياً يبدأ من استخراج اليورانيوم غير المتوفِّر في المملكة، وصولاً الى كافة مراحل التخصيب بإدارة علماء في الفيزياء النووية تفتقدهم السعودية وانتهاء بإدارة المفاعلات، وقبل ذلك كلَّه، "إنتماء وطني شعبي حول نظام، لست أعتقد أنه متوافر في المملكة".
وفي الخلاصة، كل ما في إيران ما قبل العام 1979، بما فيها إنتاج الطاقة النووية كان مقبولاً من السعودية، لأن طغيان "الشاهنشاهية" هو إبن عم الديكتاتورية العائلية، وكل ما هو مُنبثق من ثورة شعبية ديموقراطية عادلة مرفوض سعودياً، لأن الثورة الإسلامية في إيران هي النموذج الأوحد حتى الآن لتحقيق عدالة المستضعفين في مواجهة المستكبرين وأهل العروش، وحتى لو أنتجت إيران "الكافيار" الذي هو فخر الموائد الفاخرة، فهو بنظر المملكة المتهالكة بويضات نووية...