21-11-2024 01:49 PM بتوقيت القدس المحتلة

اللاجئون الى أوروبا، والأحلام المُنتَحِرة

اللاجئون الى أوروبا، والأحلام المُنتَحِرة

اختفاء ألف طفل في إسبانيا وخمسة آلاف في إيطاليا من مراكز الإيواء، أظهر هشاشة القُدرات الحكومية في مواجهة المُعضلة،

أمين أبوراشد

"لا تحمِّلوا الدول الأوروبية مسؤولية الخيبة في احتضان اللاجئين، قبل أن تسألوا تركيا عن أسباب تشريع حدودها فجأة في صيف العام 2015، وإرسال هؤلاء المساكين الى المجهول". قالها أحد المحلِّلين الغربيين، واستعرض بالأرقام، نزوح مليون وثمانية آلاف شخص عام 2015، وفق التقرير الذي صدر عن منظمة أطباء بلا حدود في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي تحت عنوان "طريق المصاعب الى أوروبا".

ووَرَد في التقرير، أن السوريين يشكِّلون نحو 49% من مجمل النزوح العام، و21% من أفغانستان، و9% من العراقيين، يُضاف إليهم النازحون من شمالي إفريقيا وبعض الدول التي تشهد نزاعات، لكن الخطير أن 25% من النازحين هم من الأطفال تحت الثامنة عشرة دون رفقة الأهل.

وإذا كانت بعض الدول الأوروبية قد رحَّبت على المستوى الشعبي بهؤلاء النازحين في البدايات، فإن الحكومات وجدت في هذه النسبة من الأطفال مشروعاً استثمارياً لموارد بشرية يُبنى عليها للمستقبل، عبر تأهيلها للتعويض عن النقص في اليد العاملة، لكن اختفاء ألف طفل في إسبانيا وخمسة آلاف في إيطاليا من مراكز الإيواء، أظهر هشاشة القُدرات الحكومية في مواجهة المُعضلة، أمام قُدرات المافيات التركية والأوروبية في استغلال أطفال بما يتنافى مع كل شرائع البشر، بعد أن دفع 3760 لاجئاً حياتهم غرقاً في البحر، وعالجت المنظمة أكثر من 12 ألف حالة تُعاني من صدمات نتيجة أهوال الرحلة وعذابات الوصول.

ويَعتبِر مراقبون، أن شواطىء ليبيا مشرَّعة منذ زمن للهجرة غير الشرعية الى أوروبا خاصة بعد انهيار النظام الليبي، لكن تشريع الشواطىء التركية المفاجىء لنزوح اللاجئين هو عملٌ غير نزيه وغير إنساني، رمى من خلاله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان توجيه صفعة الى أوروبا، أولاً، لرفض بعض الدول الأوروبية ضمّ تركيا الى الإتحاد الأوروبي، وثانياً معارضة بعض هذه الدول إقامة المنطقة العازلة في الشمال السوري ليشكِّل اللاجئون عازلاً من الهجمات الكردية من ناحية، وبؤرة إعداد وإدارة عمليات الإرهاب على سوريا وعلى العراق من ناحية أخرى.

وقد وَرَد على ألسُن ناجين من الغرق، أن بعض الحوادث لم تحصل بسبب عوامل طبيعية، وأن قوارباً لمجموعاتٍ من اللصوص الملثَّمين في بحر إيجه، يُهاجمون اللاجئين ويسرقون أمتعتهم في البحر، كما تحدث ناجون وصلوا الى جزيرتي "ليسبوس" و"كوس" في اليونان، عن قوارب كبيرة كانت تقترب من قواربهم المطاطية وتثقبها برماحٍ طويلة، في محاولةٍ لإغراق القوارب التي تحاول العبور، ومن هنا يتبيَّن حجم قدرات المافيات، المنتشرة من الشواطىء التركية وصولاً الى البرّ الأوروبي حيث نهاية الأحلام.

ومشكلة معظم اللاجئين في أوروبا حالياً، أن لا حلَّ لمشكلتهم سوى بعودتهم من حيث أتوا، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي كانت في طليعة المرحِّبين باستقبالهم ومارست ضغوطاً على بعض الدول الأوروبية الرافضة لمبدأ الإيواء، وجدت نفسها منذ يومين تقف أمام كوادر حزبها - الإتحاد الديموقراطي المسيحي-، لتؤكِّد أن اللاجئين سوف تتمّ إعادتهم الى بلدانهم فور استقرار الأوضاع الأمنية فيها، وأن مسألة بقائهم في ألمانيا لن تتعدَّى الثلاث سنوات، ولا تسوية لأوضاع من يحمل صفة لاجىء، مما يعني أن طالبي اللجوء لن يكونوا مشاريع استثمار قصيرة أو طويلة الأمد في أوروبا، وعامل اللغة سيكون حائلاً دون استيعابهم حتى في أسواق العمل المؤقتة، خاصة في دول تعتمد فقط لغاتها المحلِّية كألمانيا والسويد والدانمارك، ولا مكان فيها للغتين الإنكليزية والفرنسية اللَّتين قد يسهُل على اللاجئين إتقانهما بسهولة أكبر، إضافة الى القرارات الحكومية بعدم اعتبار أي لاجىء "مشروع مواطن" على المدى الطويل، نتيجة ردود الفعل الشعبية العنيفة خاصة بعد تفجيرات باريس، في تظاهراتٍ تمددت مفاعيلها الى معظم المجتمعات الأوروبية، وكان آخرها منذ ثلاثة أيام في السويد، بحيث اشتبك المواطنون المناهضون لإستقبال اللاجئين مع المؤيدين لإيوائهم.
 

والمشكلة الأكبر لهؤلاء اللاجئين، أن قضيتهم ودون مغالاة، باتت تهدِّد وحدة الإتحاد الأوروبي ونظام "شينغن"، نتيجة الخلافات الأوروبية على مبدأ الإيواء وخوف كل دولة على أمنها الداخلي، لأن معاناة هؤلاء اللاجئين بدأت على شاطىء المغادرة من تركيا، بحيث دُفِعَ بهم مع إرهابيين هاربين تسللوا معهم، ووصلوا الى شواطىء اليونان ومنها الى البرّ الأوروبي دون التدقيق بهوياتهم وضبط دخولهم، والأعمال الإجرامية التي حصلت في أوروبا وسوف تحصل على أيدي إرهابيين، ربما كانوا في الأصل داخل أوروبا أو وصلوا إليها مع اللاجئين، يدفع ثمنها اللاجئون دون تمييز، والكراهية التي زرعها الإرهاب في قلوب الشعوب الأوروبية الأصل، إنسحبت على العرب والأفارقة من حاملي الجنسيات الأوروبية، الذين اعتبروا أن قدوم الإرهاب مع اللاجئين "الجُدد" ارتدَّ عليهم سلباً، وخلط أوراق تعايشهم، وبات اللاجئون دون تفرقة عبئاً حتى على أبناء جلدتهم، وتبدَّلت نظرة المجتمع الأوروبي الى كل قادمٍ من الشرق، نتيجة إرهابٍ "صُنِعَ في تركيا" وصُدِّر من على شواطئها...