الظروف وموازين القوى الراهنة مؤاتية لاندلاع انتفاضة تفرض دحر الإحتلال وتفكيك المستوطنات بلا قيد أو شرط عن الضفة الغربية ولمواصلة استراتيجية تحرير فلسطين كل فلسطين.
منير شفيق
خلال العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين وعلى التحديد ابتداء من 2003-2010 تحقق ما يلي:
1- هزيمة الجيش الصهيوني على أيدي المقاومة في لبنان وفلسطين في حربيْ 2006 و2008/2009. وبهذا فقد الجيش الصهيوني هيبته وقدرته على التهديد بالعدوان والإجتياح. وهذا تغيّر استراتيجي بعيد المدى.
2- فشل الإحتلال الأميركي للعراق بفضل المقاومة الباسلة والممانعة الشعبية الواسعة مما فاقم هزيمة الجيش الصهيوني.
3- دحر مشروع الشرق الأوسط الكبير بفضل محور المقاومة والممانعة، وفشل رهان محور الإعتدال على أميركا. ومن ثم اهتزاز قدرة دوله على المستوييْن العربي والقطري.
4- برزت عدة أقطاب دولية منافسة لأميركا: روسيا، الصين، والهند وأخرى إقليمية. البرازيل وتركيا وإيران وجنوبي أفريقيا. مما أسقط مشروع "نظام عالمي أحاديّ القطبية" ولكن من دون تشكّل نظام متعدّد القطبية.
5- اندلعت أزمة مالية عالمية أطاحت بالعولمة وأدخلت الإقتصاد الأميركي-الأوروبي في مرحلة تدهور متسلسل.
كل هذه التطورات أضعفت أميركا وأفقدتها زمام المبادرة وفتحت آفاقاً واسعة لنهوض دول منافسة ولاندلاع ثورات شعبية كانت مكبوتة بسبب النظامين العالمي والإقليمي اللذين سادا ما بعد انتهاء مرحلة الحرب الباردة.
هذه المعادلة هي التي تفسّر ما شهدته البلاد العربية من ثورات شبابية شعبية خلال العام 2011. يجب أن نقف هنا بصورة خاصة أمام أهمية التغيير الذي حصل في مصر وتداعياته المستمرة حتى الآن. وذلك بسبب الأهمية الإستراتيجية لمصر عربياً وإسلامياً وعالماً ثالثياً. ويكفي التركيز هنا على فقدان الكيان الصهيوني لمصر مبارك الذي تبنى خط التبعية والتسوية والتنازلات والعداء لمحور المقاومة والممانعة.
مع سقوط حسني مبارك دخلت السلطة الفلسطينية في مأزق كان يفترض أن يلحق به محمود عباس وسلام فياض فوراً. وينتقل الوضع الفلسطيني إلى مرحلة الإنتفاضة الثالثة في الأجواء الجديدة التي تسود العالم والبلاد العربية والإسلامية.
ولكن لأن الوضع الذي نشأ بعد سقوط حسني مبارك دخل في مرحلة إنتقالية هلامية ولا سيما من الناحية السياسية استطاع محمود عباس أن يبقى ويجد له سنداً مصرياً. والمشكل الأساسي هنا أن هذا الإسناد يعزز الإتفاق الأمني الذي تمارسه سلطة رام الله مع العدو الصهيوني، والذي يحول دون اندلاع الانتفاضة.
من هنا دخل الوضع الفلسطيني في مرحلة سُيولة وميوعة تمثلت بهروب محمود عباس من مواجهة الفشل الذي مُنِيَت به استراتيجيته التي ارتهنت لأميركا وحسني مبارك والمفاوضات والعداء للمقاومة. وذلك من خلال مشروع المصالحة الذي تبناه المجلس العسكري المصري. ثم الهروب إلى مجلس الأمن بحجة طلب الإعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967 مصحوباً بضجيج مفتعل سرعان ما تبيّن أنه زوبعة في فنجان، ثم الهروب للمرّة الثالثة للمصالحة من جديد.
هذا كله دوران حول المأزق وهروب من مواجهة الإستقالة وحلّ السلطة. فالخروج من المأزق الفلسطيني لا يكون بمصالحة تذهب إلى انتخابات تحت الإحتلال ولا إلى حكومة تتفق عليها حماس وفتح، وإنما بمصالحة تذهب إلى الإنتفاضة ووقف التنسيق الأمني، وإطلاق المقاومة من جديد.
الظروف وموازين القوى الراهنة مؤاتية لاندلاع انتفاضة تفرض دحر الإحتلال وتفكيك المستوطنات بلا قيد أو شرط عن الضفة الغربية. ولمواصلة استراتيجية تحرير فلسطين كل فلسطين.