إن لتصاعد العمل التعاوني والفريقي في العصر الحديث عواقب غير حميدة على العمل بشكل عام. إذ إن الموظفين الأكثر كفاية، والذين يعانون من استنفاد طاقتهم في ظل نوع كهذا من العمل، سيغادرون شركتهم عما قريب.
إن لتصاعد العمل التعاوني والفريقي في العصر الحديث عواقب غير حميدة على العمل بشكل عام. إذ إن الموظفين الأكثر كفاية، والذين يعانون من استنفاد طاقتهم في ظل نوع كهذا من العمل، سيغادرون شركتهم عما قريب.
ففي العدد الأخير (كانون الثاني- شباط) من مجلة "هارفرد بيزنس ريفيو" رأى فريق من الباحثين أن تعميم العمل الفريقي يؤثر في أداء الشركات، ونشرت الدراسة تحت عنوان "Collaborative Overload".
وبرّر الباحثون ذلك بتزايد الضغط على الموظفين الأكثر كفاية بين زملائهم، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى استقالتهم. إنه أحد أشكال "متلازمة النجاح" أي كلما كان الموظف أكثر كفاية ازدادت المتطلبات منه.
موقع Business Insider أجرى تقريراً حول النتيجة التي عرضتها المجلة وعن متلازمة النجاح وتأثير العمل التعاوني، عنونَه "يقول الباحثون إن "متلازمة النجاح" يمكنها أن تفسر لماذا يغادر أفضل الموظفين لديكم".
وتحدث الموقع في شأن هذه الدراسة مع روب كروس، أستاذ الاقتصاد في جامعة فرجينيا، لمعرفة المزيد عن هذه الحالة وسبل تجنبها. درس كروس آثار شبكات التعاون الفريقي لأكثر من عشرين عاماً، ولاحظ تكثيفاً غير مسبوق في العمل التعاوني على مدى العقد الماضي. ذلك على إثر الانتشار السريع للتقنيات الحديثة والوسائل التكنولوجية والتطبيقات الالكترونية التي ساهمت في التعاون أكثر بين العاملين في الوقت الراهن.
ولاحظ كروس أن التطور الهيكلي في الشركات بات عاملاً أقل وضوحاً لأخذه بعين الاعتبار. ووجد أن نظم العمل أصبحت مزدوجة، بمعني أنه يتم تعيين مهمات الموظفين ومحاسبتهم من اثنين من المشرفين على الأقل. وعلاوة على ذلك، أصبحت المعرفة متخصصة في كثير من القطاعات، بحيث أصبح من الضروري على الزملاء في مختلف الإدارات العمل معاً. في بداية الأمر يبدو العمل التعاوني إيجابياً إذ يرى فيه الموظفون إمكاناً للعمل في ما بينهم والتقدم.
حتى المديرون التنفيذيون لا يرون عيوباً في هذه الطريقة من العمل إذ إن أفضل الموظفين لديهم هم بحاجة أيضاً إلى باقي عناصر الفريق في بعض الأعمال والاختصاصات التي لا يفقهونها. من دون أن يدرك المديرون أن هذه الكمية الزائدة من العمل المفروضة على أفضل العناصر قد تؤدي إلى استقالتهم. ففي عام 2011، شرح الاختصاصي كروس مع معاونيه، في مقال نشروه وقتذاك، تداعيات العمل التعاوني وكتبوا حينها: "خلال أبحاثنا التقينا مديرين كثيرين ووجدنا أنهم لا يفهمون لماذا انخفضت إنتاجية الموظف". أي إن المديرين لا يفهمون من أين تأتي الضغوط على هذا الموظف وكيف تنخفض إنتاجيته مما يؤدي به إلى تقديمه استقالته. كذلك لا يفهم المديرون سبب هذه الاستقالة إنما في الحقيقة تكون كثرة طلبات زملائه هي السبب بما أنه الركن الأساسي في الفريق.
إضافة إلى ما تقدّم، فإن ملاحظات كروس على العمل التعاوني وجدت أن الاجتماعات المتلاحقة التي يتطلبها هذا النوع من العمل في الشركة ترهق الموظفين الذين يعانون ضغوط العمل في الأساس.
وفي العودة إلى الرسم البياني الذي أرفقته مجلة "هارفرد بيزنس ريفيو" بمقالها المذكور في عددها الأخير، والذي يستند إلى بيانات جمعها المؤلفون من مديرين في عشرين شركة، تبيّن في النتائج أنه كلما كان الشخص أكثر كفاية كان مطلوباً أكثر من زملائه لكنه في المقابل يكون أقل اندماجاً في عمله. هذا ما أسماه الاختصاصي كروس بمتلازمة النجاح التي تتطلب المزيد دوماً من الناجحين.
ويلاحظ كروس أيضاً أن هذه المتلازمة تنطبق على المديرين الذين يستلمون مهمات جديدة، حيث يزداد الضغط عليهم ويصبحون مجبرين على قراءة المزيد من الرسائل الالكترونية وعقد الكثير من الاجتماعات، بما يجعلهم في نهاية المطاف يفقدون قدرتهم على العطاء والإبداع وتالياً إلى الاستقالة من مهماتهم.
في المقابل لاحظ الباحثون أن ثمة من يتحملون هذه الضغوط ويستمرون في عملهم على الرغم من تفاقم الطلبات والأعمال. هؤلاء يستطيعون الحفاظ على انتاجيتهم ويتدبرون أمرهم ويستفيدون من التسهيلات التقنية لترتيب أعمالهم. على هذا الأساس عمل أستاذ الاقتصاد كروس مع فريق معاونيه لإيجاد حلول مساعِدة للموظفين كي لا يصلوا إلى حد الاستقالة، إذ يمكنهم الاستفادة من طريقة عمل الموظفين الذين يتحملون الضغوط ويحافظون على انتاجيتهم.
كما أكد كروس أن على الشركات أيضاً السعي إلى مساعدة الموظفين الأكفياء على البقاء في عملهم وعدم المغادرة. أي على الشركات إيجاد الحلول واتخاذ تدابير حثيثة كي لا تخسر أفضل موظفيها. ومن بين تلك التدابير إعادة النظر في الاجتماعات الدورية على أنها تهدر وقت الموظف، كما على المديرين التأكد من ضرورة وجود جميع المجتمعين والسؤال عن الفائدة من هذه الاجتماعات.
وفي هذا السياق، طالب مقال "الهارفرد بيزنس ريفيو" الشركات والمديرين بمراعاة الموظفين النشيطين والفعالين والخاضعين لأكبر كمية من الضغط في العمل، من خلال تخفيض المهمات المطلوبة منهم ومساعدتهم على تنظيم أعمالهم بحسب الأولوية وكذلك توزيعها على موظفين آخرين إذا أمكن. واقترح المقال أيضاً ضرورة إيلاء إدارة شؤون تنظيم العمل التعاوني إلى شخص محدد.
وفي نهاية المقال لفت الباحثون إلى ضرورة الانتباه إلى تداعيات ونتائج العمل التعاوني الذي يطغى حالياً على سوق العمل. الأمر الذي أشار إليه أيضا الاختصاصي كروس. الكل منجرف في العمل التعاوني من دون الانتباه إلى نتائجه على خيرة الموظفين، فعلى الشركات الحذر قبل أن تستنزف فعلاً كلّ الموظفين الأكفياء لديها.