في عمر السنتين خرج محمولا على ذراع أبيه من قريته "الخالصة" شمال فلسطين حيث قامت الآلة العدوانية الصهيونية بإحتلال فلسطين عام 1948 وطردت أهلها منها.
في عمر السنتين خرج محمولا على ذراع أبيه من قريته "الخالصة" شمال فلسطين حيث قامت الآلة العدوانية الصهيونية بإحتلال فلسطين عام 1948 وطردت أهلها منها.
طفولته كانت قريبة من وطنه الأم حيث ظل يشم ترابها ويراقبها كل يوم من بعيد مع كل طلعة شمس وكل غروب ..حيث كان يقيم في النبطية .
أبو علي حسن،63 عاما، مسؤول ملف حق العودة في الجبهة الشعبية ولا يزال يحمل إسم لاجئ، إلتقيناه على شاطئ بيروت وتحدثنا معه عن فلسطين والذكريات والحنين للعودة إليها .
كنا نشعر أننا سنعود في اليوم التالي
بداية، عندما سألناه عن مرحلة الطفولة بتسم أبو علي وقال: "كنت أشعر أن جلدي هو قريتي الخالصة (وهي تسمى اليوم كريات شمونة) هي الارض التي كانت تشكل لي مرجعية وإرتباط بالحياة. أما في المدرسة فانتسبنا أول سنة إلى مدرسة كفرمان، وكنا نأتي من حبّوش الى كفرمان سيراً على الأقدام ذهاباً وأياباً، وبعد ذلك بسنة انتقلنا الى النبطية حيث تعلمنا في مدرسة بحي المسلخ بنتها الأونروا، ومن بعدها انتقلنا الى مخيم النبطية في منتصف الخمسينيات ودرسنا هناك في مدرسة المخيم".
ونظر أبو علي إلى البحر وقال في تنهيدة "كنا نحلم بالعودة ...كنا نشعر أننا سنعود في اليوم التالي وبالمناسبة كنا نلقي قصيدة شعبية قصيرة وهي نشيد الصباح في المدرسة كتبها ابو ماهر وكلماتها تقول"فلسطيننا لن ننساكِ ..فلسطيننا نشهد الله والتاريخ أن نبذل دماءنا لإستردادكِ.. عاشت فلسطين وعشنا للثأر المنتظر" ..
وحول الحديث عن مخيم النبطية قال أبو علي إن "ميزة المخيم قربه للأراضي المحتلة في فلسطين، كنا نرى فلسطين منه كل يوم، كنا نرى مستوطنة المطلّة، ومع إنطلاقة الثورة الفلسطينية أصبح هذا المخيم مقراً للقيادة العسكرية للثورة الفلسطينية، فياسر عرفات رأيناه لأول مرة في هذا المخيم وكذلك جورج حبش.
كما كان أيضاً مقراً لأبو أياد وأبو جهاد الوزير وكان فيه جنسيات عربية مختلفة، وعندما دمّر بالطارئرات في عام 1974، انتقلت القيادة العسكرية من المخيم الى بلدة النبطية وكنت أنا في بيروت أتابع دراستي في الجامعة وسكنت في مخيم تل الزعتر عند أقربائي ودرست في الجامعة العربية إختصاص التاريخ وكنت مركزاً بشكل أساسي على موضوع الصراع العربي الإسرائيلي وبشكل متأخر في التسعينيات أنهيت الماجستير في الجامعة اللبنانية".
يا أهالي بيروت لا تطلقوا النار علينا نحن منسحبون !!
وعند سؤاله عن القصص التي كان يسمعها من الأهل أجاب: "كان أبي يتحدث دائما عن التواصل بين الناس في القرى، خاصة في منطقة الحولي (26 قرية) والعلاقات الوطيدة والاخوية مع القرى اللبنانية المجاورة، وكان دائما يتذكر السوق الذي كان يقام كل يوم جمعة في البلدة وكيف كان الناس يأتون من لبنان ومن فلسطين إليه".
وعن إنتقال عائلته إلى بيروت بعد تدمير مخيم النبطية قال أبو علي "في عام 1979 إنتقل الاهل الى بيروت، وسكنا في منطقة السبيل قرب مستشفى المقاصد".
وعند سؤاله عن مرحلة الإجتياح الصهيوني لبيروت في العام 1982 وعن شعوره في تلك المرحلة قال أبو علي إنه كان يشعر بالسعادة عندما رأى تلك المقاومة الشديدة للإحتلال في العاصمة "وكانت مؤثرة وفاعلة مما دفع بالجيش الصهيوني للإنسحاب منها تحت ضربات المقاومة"، وتذكر حادثة حصلت معه في أحد الأيام حيث كان يمر في منطقة تلة الخياط فرأى ملالة إسرائيلية وعليها جندي صهيوني يصيح بالمذياع "يا أهالي بيروت لا تطلقوا النار علينا نحن منسحبون".
أي طرف يتخلى عن حق العودة لا يمثلني
لا زال الأمل في عيون أبو علي يشرق كل يوم في العودة إلى فلسطين، وهو يرى أن أي طرف يتخلى عن حق العودة لا يمثله ولا يمثل الشعب الفلسطيني ولا المصلحة العربية، وبحسب رأيه أنه ليس هناك أي مشكلة في الاديان بفلسطين، والمشروع الصهيوني هو الذي أوجد المشكلة.
وعن تأثير الحرب اللبنانية عليه أجاب أبو علي: "طبعا لم تترك احدا لم تؤثر عليه ونحن مع المصلحة الوطنية اللبنانية، وبالفعل كانت نتائجها سلبية على الجميع ونحن كفلسطينين ظلت قضيتنا حاضرة دائما ولم تغب عنّا".
أما بالنسبة للظروف التي يعيشها الفلسطينيون في المخيمات في لبنان فأكد أبو علي على ضرورة إعطاء الحقوق المدنية والإجتماعية للفلسطينين وخاصة حق التملك وحق العمل، وتساءل"هل من المعقول أن يأتي الاميركي ويشتري بناية في لبنان أما الفلسطيني فلا يستطيع أن يمتلك الغرفة التي ينام فيها؟"
وشدد أبو علي على فكرة أن الفلسطيني يبقى فلسطينياً أينما كان. "فمثلاً البروفوسور المعروف إدوار سعيد الذي كان يأتي من الولايات المتحدة الى لبنان الى بوابة فاطمة لكي يرشق الحجارة على الصهاينة هو أكبر دليل على ذلك."
يوم العودة كان رداً صاعقاً على الحركة الصهيونية
ولدى حديثنا عن يوم العودة في 15 أيار الماضي إعتبر أبو علي أنه كان رداً صاعقاً على شعار الحركة الصهيونية "إقتلوا الكبار فينسى الصغار"، فرأينا في مارون الراس مختلف الأعمار من السنتين الى 80 سنة ومعظم الناس في المخيمات كانت تريد الذهاب وكانت التقديرات بحضور 20000 شخصا والذين شاركوا هم 50000، مع العلم أنه لو تسنى للاخرين الذهاب لذهبوا ..ومعظم الشهداء الذين سقطوا هم تحت عمر العشرين.
وعندما سألناه في نهاية اللقاء عن أمنيته؟ أجاب أبو علي: "أتمنى أن يصبح الوطن العربي من المحيط الى الخليج بلداً واحداً وفلسطين ليست للفلسطينين وحدهم بل هي لكل الامة العربية".