في خضم الازمات التي يمر بها لبنان ورغم كل فوضى الفراغ والشلل التي تتغلغل في جسم المؤسسات الدستورية الاساسية في البلد، يطرح اليوم ملف الانتخابات البلدية والاختيارية المقررة في ايار/مايو المقبل.
ذوالفقار ضاهر
في خضم الازمات التي يمر بها لبنان ورغم كل فوضى الفراغ والشلل التي تتغلغل في جسم المؤسسات الدستورية الاساسية في البلد، يطرح اليوم ملف الانتخابات البلدية والاختيارية المقررة في ايار/مايو المقبل، ويبدو ان مواقف مختلف الاطراف السياسية ترحب بل تؤكد على ضرورة اقامة هذه الانتخابات في موعدها وعدم القبول بتأجيلها.
ففي بلد تتحكم السياسة في كل مفاصله لا بد من إستطلاع آراء مختلف الافرقاء لاتمام اي استحقاق، فعدم التوافق بين هؤلاء يمنع إتمام الاستحقاق الرئاسي ومنع في السابق إجراء الانتخابات النيابية اكثر من مرة ما استوجب التمديد، كما ان غياب التوافق دفع الى التمديد في قيادة الجيش بالاضافة الى ان التوافق بات أمرا ملحا لعقد أي جلسة لمجلس النواب او للحكومة اللبنانية.
فـ"بورصة التوافق" هي التي تتحكم بكل شيء في لبنان، وبعد ذلك يأتي الحديث عن الدستور والقوانين، لأن غياب التوافق يعطل كل الأنظمة بحسب النظرية اللبنانية السائدة، وتحت مسميات مختلفة بحسب ما تتطلبها الحاجة لكل فريق، فهناك من يتذرع بالميثاقية والدستورية والبعض يتمسك بالديمقراطية التوافقية وهناك من يتغنى بالوسطية والحيادية وغيرها الكثير من المصطلحات التي يعتبر أصحابها أنها تحقق الصالح العام.
الاستحقاقات الدستورية.. وميزان الربح والخسائر
فهل هذا التوافق الغائب في كثير من المحطات الدستورية والانتخابية والديمقراطية في لبنان، سيحضر "ضيفا" مرحبا به في الانتخابات البلدية والاختيارية المقررة في الربيع المقبل؟ وسيفرض نفسه بقوة في إعادة بعضا من الحياة الديمقراطية الى الساحة اللبنانية عبر بوابة البلديات والمخاتير؟ أم أن الامر لا يعدو كونه حفلة من حفلات المزايدات السياسية اللبنانية التي تعود وتغيب في كل مرة يراجع البعض حساباته في ميزان الربح والخسارة؟
والسؤال الأبرز يبقى هل الاسباب التي منعت حصول الانتخابات النيابية والانتخابات الرئاسية في الماضي انتفت اليوم حتى رغب الجميع بإجراء الانتخابات البلدية؟ ام ان هذه الاسباب الامنية والسياسية ستحضر من جديد وتمنع اللبنانيين من ممارسة حقوقهم بانتخاب ممثيليهم المحليين أيضا؟ وماذا سيكون عليه الوضع فيما لو لم تجرِ هذه الانتخابات؟ هل سيتم التمديد للمجالس البلدية والاختيارية؟ ومن هو صاحب الصلاحية في ذلك؟
حول كل ذلك تشير مصادر سياسية مطلعة الى ان "الاجواء العامة في لبنان توحي ان الجميع يتجه نحو السير بإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية"، وتلفت الى ان "كل ذلك يبقى في إطار الكلام في الاعلام قبل ان يقرر فعليا كل فريق ماذا يريد"، وتوضح انه "في السابق قبيل قرب مواعيد الاستحقاقات الدستورية كان الجميع يقول انه يؤيد اجراء كل الاستحقاقات في مواعيدها كما يحصل اليوم ولكن عند ساعة الحقيقة ينكث البعض بوعودهم لحسابات سياسية هنا وهناك".
وتعتبر المصادر انه "بالنسبة للانتخابات البلدية قد تكون الحسابات فيها مختلفة نوعا عن الانتخابات الرئاسية او النيابية، ما قد يبشر بارتفاع أسهم إجرائها بعكس الحال في غيرها من الاستحقاقات الدستورية"، وتضيف انه "في الساحة المسيحية مثلا في ظل التقارب الحاصل بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر يمكن الحديث عن إمكانية عالية في السير باجراء الانتخابات البلدية لا سيما في ظل عدم رفض حزب الكتائب وتيار المردة هذه الانتخابات أصلا".
وترى المصادر ان "الوضع يبدو اكثر سهولة لدى المكون الشيعي في ظل التحالف الصلب بين حزب الله وحركة أمل"، وتشير الى ان "ما يدلل على ذلك هو كلام رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي أعلن مؤخرا ان الثنائي الشيعي بات في حكم المتحضر فعليا لهذه الانتخابات فيما لو حصلت"، وتضيف ان "الوضع في القرى الدرزية المختلفة يبدو ايضا مستقرا ويبشر بتوافق على اجراء الانتخابات في ظل الستاتيكو القائم بين مختلف الاطراف الدرزية لا سيما بين الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديمقراطي اللبناني".
هل يعاني "تيار المستقبل" في الانتخابات البلدية؟
وتؤكد المصادر ان "الوضع الاكثر صعوبة لدى الاطراف السياسية المختلفة في لبنان هو وضع تيار المستقبل الذي قد يعاني فعليا في موضوع الانتخابات البلدية في ظل ابتعاد العديد من الحلفاء عنه واتساع التيارات المعارضة له داخل الشارع السني في لبنان، ما يرجح خسارته في الكثير من البلديات التي كان له فيها السيطرة المطلقة سابقا"، وتضيف "يجب انتظار قادم الايام لمعرفة الموقف الحقيقي لتيار المستقبل من هذه الانتخابات، ولمعرفة هل هو ملتزم ما يعلنه في وسائل الاعلام حقا ام انه ينتظر بعض الاحصاءات والحسابات السياسية في مختلف المدن والقرى قبل ان يتخذ موقفه النهائي من هذه الانتخابات انطلاقا من مؤشرات الربح والخسارة وما قد يحققه التيار من نتائج في هذه الانتخابات".
وبالنسبة للعوائق التي قد تمنع إجراء الانتخابات البلدية، ترى المصادر انه "إذا وجدت الارادة السياسية فإن كل الامور الاخرى يمكن التغلب عليها"، وتضيف "الدليل على ذلك ان الجميع يقر ضمنا او صراحة بالقدرة على اجراء الانتخابات البلدية بينما في السابق كانت معظم الاطراف تقول إنه لا يمكن اجراء الانتخابات النيابية لدواع امنية"، وتساءل "ما الذي تغير على ارض الواقع لاجراء هذه الانتخابات بينما في السابق كانت تؤجل الاستحقاقات؟".
وتعتبر المصادر ان "عدم اجراء الاستحقاقات الدستورية سابقا بقرار سياسي لا يبرر للبعض المطالبة بتأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية، فأن تصل متاخراً خير من ان لا تصل ابداً، وتشدد المصادر على "أهمية إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في موعدها"، محذرة من "مغبة تأجيلها تحت أي ذريعة كانت حفاظا على مبدأ تداول السلطة كي لا تصبح الديمقراطية سرابا والدستور حبرا على ورق".