بعد يومٍ واحد من إعلان السعودية والبحرين استعدادهما للتدخُّل البري المزعوم ضدَّ داعش في سوريا، أعلنت دولة الإمارات أنها ستشارك في هذه العملية، شرط أن تكون بقيادة مباشرة من الولايات المتحدة
أمين أبوراشد
بعد يومٍ واحد من إعلان السعودية والبحرين استعدادهما للتدخُّل البري المزعوم ضدَّ داعش في سوريا، أعلنت دولة الإمارات أنها ستشارك في هذه العملية، شرط أن تكون بقيادة مباشرة من الولايات المتحدة، وتزامنت هذه التصريحات، مع تصريح قائد الحملة الجوية الفرنسية ضد تنظيم داعش، الأدميرال "رينيه جان كرينولا"، أن التنظيم أصبح في موقع الدفاع، وليس بمقدوره تحقيق النصر في المعارك أو كسب أراضٍ جديدة نتيجة قصف التحالف، في محاولةٍ فرنسية لتجيير الإنتصارات التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه بدعمٍ روسيٍّ حاسم، الى التحالف الغربي، ومحاولة خليجية لقطف ثمار "النصر" ربما للتعويض عن خيبات اليمن.
وإذا كان "إنتصار" التحالف السعودي في اليمن قد أنتج حتى الآن سيطرة كاملة لتنظيميّ القاعدة وداعش على المحافظات الجنوبية، "عدن" و"أبين" و"لحج"، إضافة الى "حضرموت" التي هي أصلاً مركز تنظيم القاعدة، فإن الخسائر التي تُدفع دون طائل في مواجهات "تعز"، تُضاف الى الضربات اليمنية التي تتلقاها السعودية في جنوبها، وبخاصة في نجران وجيزان، تؤكد أن أي تحالفٍ خليجي ضد سوريا بغطاء أميركي أو بدونه، سيكون محرقة لجيوشٍ هي أصلاً مرتزقة من باكستان واليمن وعُمان والهند، سيما وأنها لجأت مؤخراً للإرتزاق من السودان وكولومبيا للتخفيف من معاناة جيوشها على جبهات اليمن.
ووفقاً لما ورد في صحيفة "فاينانشال تايمز"، أن المملكة السعودية تستعد لتغطية العجز في الميزانية الذي بلغ 87 مليار دولار، عبر الإستدانة من السوق الدولية بسبب انخفاض أسعار النفط، وأن الرياض، التي كانت تموِّل إنفاقها من خلال اقتراضٍ يقتصر على استخدام الاحتياطيات المالية المتراكمة، قررت ليس فقط إجراء تخفيض حاد في الإنفاق العام، ولكن أعربت عن استعدادها أيضا لأول مرة في التاريخ أن تأخذ ديناً من السوق الدولية، وذكرت مصادر مالية اسرائيلية لبرنامج"حزام أمن" الذي تبثه إذاعة الجيش الإسرائيلي، أن التقديرات العالمية تشير الى أن استمرار الوضع الحالي لإنخفاض أسعار النفط سيؤدي الى إنهيار بعض الدول وعلى رأسها السعودية، وسيؤدي الى خلق اضطرابات تضعها المؤسسات الأمنية الاسرائيلية والدولية في الحسبان.
والإعلان السعودي عن جاهزية للتدخُّل البرّي في سوريا، مقترناً كالعادة بتبعية بحرينية، جاء الإعلان الإماراتي بمثابة ردّ سلبي غير مباشر عليه، ليشكك علناً بالقدرة القيادية لآل سعود بعد مرارة اليمن، وإذا كانت الإمارات تسعى لدورٍ ما في سوريا تحت جناح أميركي، فإن أميركا باتت تحلِّق في أجواء أخرى وتحديداً فوق ليبيا، لأن التدخُّل الروسي لدعم الحكومة السورية أقصى أميركا و"التحالف الدولي" عن أي دورٍ مباشر أو فاعل، ووزير الخارجية الأميركية جون كيري منشغلٌ بالتحضير لغزو جديد لليبيا، حيث حضر مؤتمراً في روما شارك فيه 23 وزير خارجية للتهيئة لهذا الغزو، على أن يُناقِش إجتماعٌ آخر لوزراء الدفاع تفاصيل الخطة وتهيئة القوات الخاصة والطائرات التي ستنفذ هذه المهمة في غضون أسابيع معدودة، لأن أوروبا ترتعد من ارتدادات ليبيا عليها، نتيجة إنتقال أرتال من داعش وقياداتها الى "سرت" حيث النفط الليبي الذي لا ينضب، ولأن شواطىء ليبيا أقرب لتصدير الإرهاب الى أوروبا من سوريا والعراق.
مأزق مملكة آل سعود الآن، أن التهوُّر الذي يُمارسه الملك الفعلي محمد بن سلمان في اليمن، عبر القصف التدميري العشوائي وبشكلٍ خاص قصف "حصن عفَّاش" التابع لأسرة الرئيس السابق علي عبدالله صالح بضواحي صنعاء، إلى جانب أطلال ما تبقّى له من بيوت هو وجميع أقاربه، والحال نفسه مع زعيم جماعة أنصار الله عبدالملك الحوثي، الذي تتعرض منطقته وكل محافظة صعدة لعشرات الغارات الجوية اليومية، وآلاف القذائف المدفعية التي تهدم البيوت على رؤوس ساكنيها من الأطفال والنساء، وهذه الهستيريا الوهابية ما هي إلَّا ردَّة فعل طبيعية للهزيمة والخيبة في تطويع الشعب اليمني، وفشل سعودي في سوريا والعراق، نتيجة عدم قدرة سعودية على قراءة المستجدات الدولية والإقليمية.
لم تقرأ السعودية سحب أميركا حاملات طائراتها من الخليج، وبطاريات الصواريخ من تركيا، ولم تقرأ توقيع الغرب للإتفاق النووي مع إيران ولا التدخُّل الروسي الحاسم في سوريا، لكن لا بدَّ لها من أن تقرأ التوقيع على إتفاقية دفاع مشترك بين قطر وإيران في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2015، وهذه الإتفاقية / الصفعة جاءت من قطر وليس من إيران، وإقدام قطر على هذه الخطوة هو نتيجة مقاربتها لواقعٍ جديد، وهو أن المملكة تمرُّ بأضعف مرحلة من تاريخ سيطرة آل سعود على نجد والحجاز وإعلان المملكة بشكلها ومساحتها واسمها الحالي.
لم تقرأ السعودية الموقف العُماني الرافض لهيمنتها على دول مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيس هذا المجلس عام 1981، ولم تقرأ الإعتدال الكويتي في ممارسة السياسة الخارجية، وهي إذا كانت تجرُّ خلفها مملكة كرتونية كالبحرين كما الذيل الذليل، فهي أيضاً لا تقرأ تاريخ الحقد القطري عليها، وأهم أسبابه تعود للإمكانيات المالية الهائلة لدى القطرين، وعقدة النقص من ترامي أطراف المملكة، وطموح القطريين للتأثير الدولي والإقليمي الذي يصطدم بشهية الاستحواذ المفتوحة وغرور العظمة اللامتناهي لدى آل سعود، وقد سبق وأكد حقيقة هذا الصراع، وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني، من خلال مقابلة تلفزيونية قبل سنوات مع قناة الجزيرة، "أن قطر دولة صغيرة وغنية، ونظرا لذلك، فإنها محل أطماع وتهديد دائم من قبل السعودية التي تُريد إلتهامها"، وهذا ما دفع بقطر إلى التحالف مع أميركا والإرتماء في أحضانها وفتح الأراضي القطرية لها، وقاعدة "السيلية" التي تُعتبر أكبر قاعدة عسكرية أميركية خارج أميركا خير شاهدٍ على الإرتماء القطري في الأحضان الأميركية.
أمام محنة الكبوات التي تُعاني منها السعودية في العراق وسوريا واليمن، وأمام "الإنطلاقة النهضوية النووية" لإيران ما بعد الإتفاق النووي على المستويات الداخلية والخارجية، وأمام عصيان دول الخليج للأوامر الملكية السعودية، وتلكؤ دول "التحالفات الورقية" عن دعم مواقف المملكة المرتعدة من ارتداد الإرهاب الى نَحرِها، فإن سُلالة آل سعود مدعوَّة لإعادة انتشار سياسي وعسكري ومالي قبل الإنهيار الكامل، الذي بات حتمياً لإنهيار الإرهاب الذي "صُنع في السعودية" ويتمّ تمويله سعودياً وخليجياً منذ تأسيس مدارس طالبان في أفغانستان وحتى اليوم، وهذا الإنهيار نتيجته على عروش الطغيان واحدة، وعلى رؤوس الإرهاب واحدة، سواء بدأ بالرأس الوهابي السعودي أم بدأ بالذيل البحريني...