خص العالم المرأة بالثامن من آذار في كل عام للإحتفاء بما أنجزته على الصعيد الإقتصادي والسياسي والإجتماعي غاضاً الطرف عن تلك الجديرة بالإجلال والتقدير.
بتول وهبي
خص العالم المرأة بالثامن من آذار في كل عام للإحتفاء بما أنجزته على الصعيد الإقتصادي والسياسي والإجتماعي غاضاً الطرف عن تلك الجديرة بالإجلال والتقدير. المرأة التي تحملت وطأة الحرب وأهوالها، المرأة التي ناضلت وتعذبت واستشهدت وربّت تحت نير الاحتلال.
ألا تستحق هذه المرأة التي أرضعت صغارها حليب الثورة وحثتهم على الصمود والوقوف بوجه الإحتلال بوقفة من العالم؟ ألا تستحق أن تمتد لها يد العون لتنجو من مستنقع الخيبات اليومية؟ ألا تستحق "خطوات حثيثة" من المنظمات العالمية لحماية حقوقها الأساسية وصون كرامتها؟
بينما تناضل المرأة في العالم من أجل الحصول على كامل حقوقها ومساواتها بالرجل، تحلم المرأة الفلسطينية في تحصيل أدنى حق يمكن للمرء تخيله، "الحرية"، كيف لا والمرأة الفلسطينية تعيش حياتها مع الموت بكل أشكاله الإسرائيلية.
قدمت المرأة الفلسطينية المعلمة والمربية والمنظمة التي قادت خلايا تنظيمية، وشاركت في العديد من العمليات النوعية ضد الإحتلال الإسرائيلي كدلال المغربي وليلى خالد والكثير من العمليات الإستشهادية أمثال عطاف عليان (الإستشهادية الأولى) و أحلام التميمي ووفاء إدريس وغيرهن، كما وقادت عدة عمليات تكللت بالنجاح أمثال شادية أبو غزالة.
كما وقدّمت المرأة الفلسطينية الأسيرة الصامدة، فبالرغم من الإعتداءات والوحشية تبقى الأسيرة الفلسطينية صابرة محتسبة تنظر بعين الأمل إلى اليوم الذي تتلحف فيه نسائم الحرية وتخرج فيه من الزنزانة "القبر"، على حد تعبير إحدى الأسيرات المحررات.
"في حين كانت أمل جمعة تعاني من مرض سرطان الرحم وكانت ترفض إدارة السجن أن تعالجها أو تعالج أي مريضة أخرى كانت أخرى تتوجع من ألم فراقها عن أهلها الذين لم ترَهم ولم تسمع صوتهم لستّ سنوات، وكانت تلك التي تتمنى أن تحصل على أدنى حق يمكن لأي امرأة أن تصبو إليه، أن تصير أمّاً وتسمع كلمة "ماما’"، هذا ما قالته لموقع قناة "المنار" الالكتروني الأسيرة صمود كراجة التي تحررت في صفقة التبادل الأخيرة مقابل الجندي الصهيوني جلعاد شاليط في الثامن عشر من تشرين الأول.
ينهمك العالم بنحت تماثيل لرؤساء وملوك بينما من يستحق أن يُنحت له تمثال بحق هو "المرأة الفلسطينية" التي تجدها في كل المجالات. تقول صمود: "تجدها في المجال السياسي وتجدها الموظفة وأم الشهيد والجريح والأسير، هي من ضحت وعانت وتألمت فتستحق بذلك تمثالاً يُخلد ذكراها".
وكراجة، التي كانت محكومة لمدة عشرين سنة بتهمة طعن جندي إسرائيلي على حاجز قلنديا، أمضت منهم سنتين فقط، تذكر أنها تحتاج إلى سنتين لتتحدث عن المعاناة والأحداث التي عايشتها وسمعت عنها داخل القضبان، وتعتب على الوسائل الإعلامية "التي تنهمك بنشر الأخبار الثانوية" قائلةً "إن الأسيرة تفتقد إلى الإعلام فهي تستحق أن يتم ذكرها ليسمع العالم عنها".
وتسرد الأسيرة المحررة عن حادثة لم ولن تنساها، "عندما كان الجنود الصهاينة يقتادونني بعد أن أبرحوني ضربا وفي حين كنت مغمضة العينين مكبلة اليدين حاولت أن أنظر من خلف العصبة وإذ بيألمح قبة الصخرة".
"نورها أوقف الزمن عندي، نسيت أهلي، نسيت نفسي وأوجاعي، نسيت حتى أني معتقلة وانتابني شعور غريب"، والجدير بالذكر أن مسجد الأقصى يبعد مسافة ربع ساعة عن قريتها صفا، قضاء رام الله، لكنها لم تره منذ أن كانت في عمر السابعة إلا عبر شاشة التلفزوين.
وبغصة تقول بلهجتها الفلسطينية "عندما كنت أعبر بالباص من الشمال إلى الجنوب (من الدامون المحتلة الى عوفر) كنت أنظر بحسرة الى أرضنا المسلوبة المشجرة وأحدث نفسي وأقول أكيد إحنا اللي زرعنا هذه الشجرات مش همّ. وعند رؤيتي لمستوطن صهيوني يرتدي الطليت، وهو نوع من الأردية ذات الهُدّاب عند المتدينين اليهود، أتساءل: كيف يتمختر هذا المحتل على أرضنا بكل وقاحة، ثم أتخيل أجدادي بقمبازهم وهم يزرعون هذه الأرض، يخنقك هذا الشعور وكأنك أنت الظالم وهم المظلومون".
حتى بعد تحريرها، استدعى الموساد صمود وغيرها من الأسرى المحررين في صفقة التبادل الأخيرة للتحقيق معهم فهددوها وتوعدوها بأن تعود الى الزنزانة ولا تخرج منها أبداً هذه المرة إذا ما قامت بأي حركة أو نشاط غير مألوف.
هي حياة المرأة الفلسطينية المريرة التي لو عاشتها أي امرأة أخرى لتمنّت أن تموت ألف مرة على أن تعاني ما تعانيه وتعايش ما تعايشه من ظلم وقساوة. إنها قساوة الدهر التي يستحيل فيه الظالم مظلوماً، والمظلوم ظالماً.
هي صمود وغيرها صامدات لم نسمع عنهن، وتبقى المرأة الفلسطينية تاريخ نضال يستحق التخليد.