05-12-2024 03:19 AM بتوقيت القدس المحتلة

"اسرائيل" والقرارات الدولية.. نموذج لسياسة المعايير المزدوجة على الصعيد الدولي

تبقى القضية الفلسطينية الجرح النازف في ضمير الانسانية الحاضرة والمعاصرة، في زمن تتغنى فيه الشعوب والانظمة السياسية بالدفاع عن حقوق كل المخلوقات والكائنات الحية بما فيهم البشر.

تبقى القضية الفلسطينية الجرح النازف في ضمير الانسانية الحاضرة والمعاصرة والتي تعيدنا الى أزمنة غابرة كان فيها يأكل القوي الضعيف، في زمن تتغنى فيه الشعوب والانظمة السياسية والمؤسسات الحقوقية والانسانية وتلك التابعة للامم المتحدة والغرب المتحضر، بالدفاع عن حقوق كل المخلوقات والكائنات الحية بما فيهم البشر على سطح الكرة الارضية.


ولكن كيف لناشط حقوقي أيا كانت جنسيته وكيف لمؤسسة إنسانية دولية او غير دولية، حكومية او غير حكومية، سياسية او غير سياسية، عربية او أجنبية، ان تحدّثنا عن حقوق تصان لانسان او لمخلوق آخر بينما الفلسطيني يعيش على مرّ عشرات السنين ذل القانون الدولي بيد الاقوياء ويدفع ثمن تحكم بعض الدول والجهات الظاهرة منها والخفية بأروقة الامم المتحدة على اختلاف تفرعاتها ومؤسساتها، وتتحكم بسلطة القرار حسب أهوائها وأطماعها ومصالحها.


فالحديث عن الانتهاكات الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني منذ جريمة تأسيس كيان العدو على أرض فلسطين قد لا يكون محل جدل لكثير من المتغنين بحقوق الانسان، كما ان جريمة إسقاط كيان غريب محل دولة قائمة مع ما يتبعها من إستجلاب مستوطنين من بلدان شتى وتشريد شعب أعزل الى أماكن مختلفة دون رحمة ولا شفقة ولا احترام انسان او حق او شريعة هو قِمة الظلم ورأس الانتهاكات التي قد لا تضاهيها حتى الجرائم الاسرائيلية في فلسطين منذ العام 1948 وحتى اليوم، وإذا أردنا تعداد بعض هذه الجرائم فالمقام يطول فكيف إذا اردنا إحصاءها كلها؟ فقد ينتهي العمر قبل الانتهاء من تعدادها.


لذلك السؤال البديهي الذي يطرح أين كانت الامم المتحدة (وهي التي وجدت بالاساس للحفاظ على السلم والامن الدوليين) حين شُرّدَ الشعب الفلسطيني وسُرقت ارضه وقُضمت حقوقه ولا تزال؟ واين هي مؤسسات العالم الحقوقية مما يجري هناك كل يوم على مدى عشرات السنين؟ وأين الانظمة الغربية والعربية التي ترفع شعارات الحرية والعدالة والحفاظ على حقوق الشعوب وتتدخل كل يوم تحت هذه العناوين في أكثر من مكان من العالم للقول إنها تعمل على الحفاظ على الانسان وحقوقه ايا كان؟

 

هل "إسرائيل" تنفذ القرارات الدولية؟


ولكن بغض النظر عن أصل المشكلة المتمثلة بسيطرة الدول الغربية وخصوصا الولايات المتحدة الاميركية على سلطة القرار في الامم المتحدة، نسأل أين كيان العدو الصهيوني والمسمى "إسرائيل" من القرارات الدولية؟ وهل نفّذ وينفذ هذا الكيان القرارات الخاصة بالشعب الفلسطيني وباللاجئين الفلسطينيين؟ ام انه يضرب بعرض الحائط كل القرارات الدولية كما يفعل مع مع كل الاعراف والقوانين الدولية؟ فهل نفّذ المحتل الصهيوني القرارات الخاصة باللاجئين الفلسطينيين وخصوصا القرار 194 الصادر منذ العام 1948؟ وهل العالم الذي يشن حروبا تحت مسميات حقوق الانسان استطاع حماية الفلسطينيين في الاراضي المحتلة وفي دول الشتات من القتل الاسرائيلي؟ وهل استطاع العالم إجبار كيان العدو على التوقيع على كثير من المعاهدات الدولية التي تساهم في الحفاظ على الامن العالمي كمعاهدات التسليح النووي او المعاهدات المتعلقة بالاسلحة المحظورة دوليا وهل يحترم كيان العدو معاهدات حماية المدنيين في اوقات الحرب والسلم؟

 

زغيب:  سلطات الاحتلال الاسرائيلي تخرق الالتزامات المفروضة عليها بحسب القانون الدولي في الاراضي المحتلة


حول كل تلك التساؤلات توجهنا بالسؤال الى الخبير في القانون الدولي الدكتور رزق زغيب الذي قا إن "الامم المتحدة تعتبر منذ العام 1967 أن قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية هي أراضي محتلة وذلك بموجب قرارات صادرة عن الجمعية العامة للامم المتحدة ومجلس الامن ومحكمة العدل الدولية وإنطلاقا من هذه القرارات تُعتبر السلطات الاسرائيلية في هذه المناطق سلطات إحتلال"، واضاف ان "هذه الاجهزة الثلاثة لاحظت ان سلطات الاحتلال تخرق الالتزامات المفروضة عليها وخصوصا فيما يتعلق بعدم القيام ببناء مستوطنات صهيونية في هذه الاماكن لتغيير معالمها بالاضافة الى سرقة مياه الضفة الغربية وتحويلها لري مناطق داخل اراضي العام 1948 اي داخل الخط الاخضر وما يسميه العدو داخل اسرائيل ناهيك عن بناء الحائط العازل(الذي اعتبرته محكمة العدل الدولية في رأي استشاري لها انه انتهاك لالتزامات سلطات الاحتلال الاسرائيلي لانه يفصل ارض محتلة عن ارض محتلة)".

 


وأشار الدكتور زغيب في حديث لموقع قناة "المنار" الالكتروني الى ان "هناك مسائل تتعلق بالعمليات العسكرية الاسرائيلية منذ العام 1967 وحتى اليوم داخل الاراضي المحتلة"، وأوضح انه "خلال الانتفاضة الفلسطينية الاولى جرى استخدام للعنف يفوق كثيرا مواجهة المدنيين الفلسطنيين العزّل وخلال الانتفاضة الثانية استخدمت وسائل تعذيب وحشية ضد المدنيين وجرى دخول إجرامي الى المخيمات الفلسطينية خصوصا مخيم جنين حيث ارتكبت ابشع الجرائم بداخله مما يشكل انتهاك للقانون الدولي الانساني"، ولفت الى ان "ما جرى خلال الحرب الاسرائيلية ضد قطاع غزة من استخدام لاسلحة محظورة والاعتداء على المدنيين بشكل فاحش وهو ما وثّقه تقرير غولدستون(اللجنة التي تشكلت بقرار من الجمعية العامة للامم المتحدة والمجلس العالمي لحقوق الانسان)".

 

زغيب: الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة يفتح الباب أمام المساءلة الجنائية لاسرائيل وللمسؤولين الصهاينة دوليا


واعتبر زغيب أن "الامور تبقى بخواتيمها السعيدة آملا بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة مما يفتح الباب للمساءلة الجنائية لاسرائيل وللمسؤوليين الصهاينة امام المحكمة الجنائية الدولية(انطلاقا من كل التوثيقات التي حصلت عبر التاريخ منذ احتلال فلسطين وحتى اليوم ومنها تقرير غولدستون)"، واشار الى ان "بعض الدول كبريطانيا واسبانيا اعطت لسلطاتها القضائية صلاحية ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب مما فتح المجال امام ملاحقة مسؤولين صهاينة امام محاكمها كما حصل مع وزيرة خارجية العدو تسيبي ليفني".


وحول القرار الشهير رقم 194، قال زغيب إن "الامم المتحدة اصدرت هذا القرار مع انها لا تعتبر الاراضي داخل العام 1948 اراض محتلة(مع ما يجمله ذلك من هدر لحقوق الشعب الفلسطيني بصورة جلية) ومع ذلك اعطت اللاجئين الفلسطينيين حق الخيار بين العودة الى هذه الاراضي او الحصول على تعويض عن عدم العودة الى بلادهم"، ولفت الى أن "هذا القرار رغم صدوره منذ العام 1948 الا انه لم ينفذ حتى اليوم وذلك نتيجة اخضاعه حتى اليوم للمفاوضات وما يرافقها من تعنت اسرائيلي بشكل دائم"، واشار الى ان "اسرائيل لم تسمح حتى اليوم الا بعودة عدد رمزي من الفلسطينيين لا تتجاوز 100 الف نسمة تحت ستار لمّ شمل العائلات الفلسطينية بينما العدد الاكبر من اللاجئين الفلسطينيين والبالع عددهم 3 ملايين فلسطيني لا يزالون خارج وطنهم"، مضيفا ان "اسرائيل تؤجل البت بهذا الموضوع الى حين عودتهم الى الدولة الفلسطينية المستقلة حين إعلانها!!!!".

 

زغيب: مخالفة إسرائيل للمعاهدات الدولية يوضّح ازدواجية المعايير على الصعيد الدولي


أما حول المعاهدات الدولية والتي تفيد في الحفاظ على الامن والسلم الدوليين وحماية المدنيين، قال الدكتور زغيب إن "الممارسات الاسرائيلية تخالف كل معاهدات جنيف الخاصة بحماية المدنيين وليس أخر هذه الانتهاكات ما حصل خلال الحرب الاسرائيلية على غزة وكذلك الاعتداء الاسرائيلي على اسطول المساعدات الانسانية الذي كان متواجدا خارج المياه الاقليمية لقطاع غزة عندما أُعتدي عليه مما يشكل مخالفة لقواعد القانون الدولي التي ترعى الملاحة البحرية خارج البحر الاقليمي"، وأكد انه "رغم ان اسرائيل تمتلك 200 رأس نووي لم توقع على معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية ومع ذلك لم تتحرك الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالشكل المطلوب والجدي تجاه اسرائيل لاجبارها على الالتزام ببنود هذه المعاهدة بينما نراها(اي الوكالة) متحمسة للتحرك تجاه دول آخرى رغم عدم امتلاكها السلاح وعدم رغبتها بذلك"، مشددا على انه "هنا تبرز أهم تجليات الكيل بمكيالين وسياسة المعايير المزدوجة في تطبيق القانون الدولي".


وختم زغيب بالقول إن "الحماية الدولية للشعب الفلسطيني غير متوفرة حتى اليوم إنطلاقا من ان للقانون الدولي آلياته التي تتحكم بها موازين القوى الخاضعة لارادة ومصالح بعض الدول"، ورأى انه "يمكن تعليق بعض الآمال على امكانية مساءلة اسرائيل دوليا بصورة جنائية فيما لو كتب لفلسطين ان تصبح دول مستقلة فحينها يمكن مساءلة الكيان الاسرائيلي وكذلك محاكمة المسؤولين الصهاينة ايضا"، لافتا الى ان "هذا الامر يعتبر احد اهم الاسباب التي تقف وراء منع قيام دولة فلسطينية مستقلة حتى اليوم وهو ما يفسر كل الجهود الاسرائيلية والغربية لعرقلة هذا الامر في الامم المتحدة وذلك لان اسرائيل تخشى فتح ابواب الملاحقات الجزائية ضد مسؤوليها".

 

ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة 


ولكن التجربة أظهرت والملاحظة عبر التاريخ بيّنت ان الحريات وحقوق الانسان مواد وسلع تباع وتشترى وأوراق تحركها الدول القوية وأذرعها التي تتحرك في العالم كـ"الاخطبوط" حسب مصالحها وغاياتها، فلا قرار دولي اعاد بذاته حقا لمظلوم او دولة معتدى عليها.


وتبقى الشعارات على جمالها وجاذبيتها حبرا على ورق طالما لم تجد طريقها للتنفيذ وطالما لم نشهد صونا لكرامة الانسان وآدميته على امتداد العالم، فالتجربة أظهرت ان ما اخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة لان هذا العالم لا يفهم الا لغة القوة، فالحق لا يحميه الا القوة وفلسطين لا تعيدها الا القوة المتمثلة بخيار المقاومة المسلحة مهما طال الزمن ومها مُنِعَتْ الحقوق عن اصحابها.