نالت الزميلة في موقع المنار الالكتروني زينب صالح الطحان شهادة الدكتوراه من المعهد العالي للدكتوراه للآداب والعلوم الإنسانية من الجامعة اللبنانية في اختصاص اللغة العربية وآدابها. وحصلت على علامة 87 من مئة بتقدير جيد جداً.
نالت الزميلة في موقع المنار الالكتروني زينب صالح الطحان شهادة الدكتوراه من المعهد العالي للدكتوراه للآداب والعلوم الإنسانية من الجامعة اللبنانية في اختصاص اللغة العربية وآدابها. وحصلت على علامة 87 من مئة بتقدير جيد جداً.
وحملت أطروحة الزميلة الطحان عنوان "تحولات سردية في نماذج من الرواية اللبنانية (إلياس خوري؛ علوية صبح؛ ربيع جابر 2000-2010)، والتي طرحت علاقة التحولات السردية في الرواية اللبنانية في العقدين الأخيرين بفكر ما بعد الحداثة وفلسفتها التفكيكية الما بعد بنيوية.
وعالجت مقولة "موت الواقع" الذي يحمله منظّرو فكر ما بعد الحداثة وأدبها الروائي، والذي يتمظهر في الروايات الثلاث المختارة لهذه الأطروحة، بحيث رأت أنها تشكّل خطاً بدأ ينحو بدأب لرسم مقولة ثقافية مغايرة عن تاريخ المنطقة العربية لا لتمارس تمرداً تسوّغه روح التغيير لصياغة عالم عربي ينتهج التطور بقدر ما تمارس حفراً لثقافة انقلابية تردم الإيديولوجيات الكبرى وسردياتها التاريخية والاجتماعية والفكرية والتربوية.
تؤكد الروايات الثلاث المختارة، في هذه الأطروحة، تشظّي الكتابة الروائية وتهجين لغتها ونقد المحرمات على قاعدة كسر القوالب الأساسية لمدماك الإيديولوجيا الدينية بشكل مغاير عما أنجزته الرواية الحديثة أو التجريبيبة بقدر ما يعني الاختلاف من استثمار لمنجزات هاتين اللحظتين ومن تجاوزهما، وهذا ما سمي منذ عقدين أو ثلاثة بالمنعطف الروائي العربي الجديد عموماً، في الكثير مما كتبه آخرون، وبخاصة من الأصوات الجديدة. وفي اللحظة ذاتها تداخلت فيها الأجناس الأدبية الروائية، استجابةً لضرورة التعبير بالأسلوب المناسب وبطرق جديدة عن قيم جديدة، مرتبطة بالتحوّلات الاجتماعية الكبرى. تؤكد هذه الرواية اللبنانية الجديدة أن العالم نفسه لم يعد متجانساً، وأن الأشياء والعلاقات أصبحت عرضة للانتهاك والتغيّر. ومن هنا فإن هؤلاء الروائيين أخذوا على عاتقهم صوغ عناصر هذا الواقع الجديد، "بصورة تقدّم تخلخل الركائز المنطقية لهذا الواقع عبر إعادة إنتاج عدم التناسب، وانهيار القيم وهزيمة الإنسان في مجتمعات التخلف.
فمع "إلياس خوري"، الذي يعتدّ به ركناً داعماً أدبياً في حمل القضية الفلسطينية وذاكرتها التاريخية ينحو في روايته هنا، في هذه الدراسة، في اتجاه يخلخل فيه هذا المسلك الثقافي، الذي كان يحفّز روح المقاومة والتحدي إذ به يدخله في عالم مبعثر ويشتغل على تذكية الأوهام العربية بالحرية وغياب قيم التنوير وإعادة رسم خريطة للمكان والذاكرة الفلسطينية المعطوبة أصلاً ضمن نتاج العالم المعولم، أو ما بعد الحداثي، في خلق فراغ إيديولوجي لمعنى المقاومة بالتجاور مع غياب أي أمل بمشروع وطني للتحرر.
مع "ربيع جابر" يأخذ القراء إلى خلق سيرورة تاريخية متخيّلة لأميركا التي نصبت عمادها الجغرافي على عظام أهل البلاد الأصليين بدفنهم أحياء بأنها أرض جلبت للعالم حضارته الخلاّقة، واستوعبت مهاجري المشرق العربي في القرن التاسع عشر في أبهى صورة. بنت لهم هويات جديدة استعاضوا بها من غير ندم عن هوياتهم الأصلية في شبكية غريبة عن مبدأ الصراع الإنساني الذي لا يزال يجاهد حتى اليوم في صنع هويته الخاصة. وتُحسب هذه الرؤية الأدبية من مآثر آداب ما بعد الكولونيالية ليبقى الحديث عن تعدّد الهويات المهّمشة أمراً مائزاً تتطلبه الثقافة الغربية اليوم والتي يروّجها فكر ما بعد الحداثة.
أما "علويّة صبح" تفاجئنا برؤية نسوية غاضبة تفجّر معها العقد النفسية والاجتماعية التي تحملها المرأة العربية في صراعها مع السلطة الأبوية أو الذكورية، سواء في نقدها للثقافة الأبوية أو اقتراحها رؤية أنثوية للعالم العربي، ومن ثمّ احتفاؤها بالجسد الأنثوي، لتتشابك كل هذه المكونات لا لتبلور مفهوم الرواية النسوية التي أصبحت ظاهرة لا يمكن إغفالها في خارطة الرواية العربية وإنما لتسجّل سجالات جديدة منقطعة عن سياقها التاريخي لتحمّل مسؤولية فشل المشروع التنويري الحداثي العربي للرجل وحده في مقولة نسوية عجزت عن تفكيك النظام الأبوي مقابل "سعار جنسي"، كان شعاراً روائياً لتحرر المرأة العربية، وهو الشعار العالي النبرة الذي حمله "ميشال فوكو" في رؤاه الما بعد حداثية.
وأشادت اللجنة المناقشة المؤلفة من الدكاترة علي زيتون، علي حجازي، سالم المعوش، خضر نبها، فاتن المر، بالقيمة النقدية لهذه الأطروحة وفرادتها إذ إنها قد تكون الأولى التي تتعرض لدراسة التحولات الجديدة في الرواية اللبنانية، رغم ما أدلوا به من ملاحظات عامة حول الأطروحة.
من هنا توخت الطالبة زينب الطحان أن تكون دراستها الباب الذي يفتح النقاش النقدي الجدي نحو رؤية أكثر وضوحاً نظراً لخطورة الدور الذي تمارسه الرواية في استنهاض وعي الشعوب، فهي شكل ثقافي اشتمالي تدميجي شبه موسوعي – كما يقول إدوارد سعيد- حين كشف عن وجه الإشاقة بين وجه الاستعمار والرواية الأوروبية التي حملت معول الدفاع عنه. ففي حين نرجو من روايتنا اللبنانية أن تقودنا لاستشراف رؤية نقدية للحاضر بغية استفزاز القارئ لإعادة قراءة الواقع نراها تجرّنا إلى متاهات أكثر سوداوية، وهي في هذا كلّه تتغاضى عن خط عريض من النهج المقاوم الثقافي الذي بدأت تباشيره مع المقاومة الفلسطينية ومن ثمّ اللبنانية وما حققتاه اليوم من انجازات يعتدّ بها للتأسيس نحو صنع مستقبل تتغير فيه كل المعايير. لذا فالحقيقة الخطيرة التي لا يمكن إنكارها هي أن التفكيك الما بعد البنيوي بدأ ينجح، وبسرعة ملحوظة، في تحقيق شعبية غير مسبوقة في تاريخ حركة النقد العربي.