في اليوم الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية، يأخذنا الدكتور محسن صالح في كتابه الجديد، القضية الفلسطينية خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة، في رحلة تاريخية يجعلنا نطل معه على الأحداث الكبرى والمؤمرات
في اليوم الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية، يأخذنا الدكتور محسن صالح في كتابه الجديد، "القضية الفلسطينية خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة"، صادر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، في رحلة تاريخية يجعلنا نطل معه على الأحداث الكبرى والمؤمرات العالمية على فلسطين العربية والإسلامية لنتذكرها، في هذه الذكرى، ولتبقى راسخة أمامنا لنتعلم من دروس التاريخ، ولنخبر أجيالنا الناشئة حقائق مروعة شتت الشعب الفلسطيني، في المقابل يروي سيرة المقاومة التي وقفت في وجه المشروع الصهيوني الإمبريالي العالمي، وما تزال تتابع نضالها حتى اليوم. هذا الكتاب يخاطب أيضا أولئك الذين يبحثون عن الحقيقة وعن رؤية صحيحة لمسار مأساة فلسطين وقضيتها. حول هذه القضية وما جاء في هذا الكتاب، كان لنا لقاء ممتع، مع المؤلف الدكتور محسن صالح.
وعي مبكر لأبناء فلسطين بخطورة المشروع الصهيوني :
1. تقول في الكتاب أن اليهود ثاروا خلال الفترة الممتدة 66- 70 م في القدس لكن القائد العسكري الروماني تيتوس أخمد ثورتهم ودمر الهيكل. عن أي هيكل تتحدث هنا وكيف نوائم بين هذا الهيكل وهيكل سليمان الذي نقول إنه "مزعوم"؟.
د. صالح: سليمان عليه السلام كان نبياً وكان حكمه في فلسطين تطبيقاً للتوحيد وتمثيلاً لأهل الإيمان، والمسلمون هم امتداد لحكم التوحيد في فلسطين، بعد أن حرف بنو إسرائيل دينهم وقتلوا أنبيائهم ولم يعودوا أهلاً لحمل الرسالة وفق فهم المسلمين الشرعي. والبناء أو المعبد الذي أقامه سليمان عليه السلام كان معلماً للتوحيد وأهل الإيمان. ولا يوجد من الناحية التاريخية ما يمنع أن اليهود أقاموا لأنفسهم حكماً في فلسطين أو بنوا هيكلاً. ولكن لم يثبت أن الهيكل كان مكان المسجد الأقصى. أما بالنسبة لحكم بني إسرائيل فهم كغيرهم من الأقوام التي مرَّت في تاريخ فلسطين حيث مرَّ عليها نحو 13 إمبراطورية وحكماً مختلفاً. ولكن المهم أن أهل فلسطين ظلوا في أرضهم ملتصقين بها طوال الـ 4500 سنة الماضية، وإن تعدَّد المحتلون والحكام. ثم إن أهل فلسطين أنفسهم الذين يعودون لأصول كنعانية هم الذين أسلموا، في الوقت الذي عاشت فيه فلسطين تحت حكم الإسلام وسماحته واستيعابه للآخرين أطول فترة في تاريخ فلسطين.
2. مع بداية تمظهر الاستيطان الصهيوني في فلسطين أبان الحكم العثماني، كان هناك نشاط مبكر لأبناء فلسطين، ولكنك لا تذكره في الكتاب إلا لماما سريعاً، فكيف تجلى وعي الفلسطينيين للصراع في تلك الحقبة التاريخية؟.
د. صالح: كان هناك وعي مبكر لدى أبناء فلسطين بخطورة المشروع الصهيوني وتعود أشكال المقاومة الأولى إلى سنة 1886. وسعى أبناء فلسطين لدى السلطات العثمانية لمواجهة الهجرة اليهودية، حيث قامت هذه السلطات باتخاذ عدد من الإجراءات منها إلحاق سنجق القدس مباشرة بالباب العالي في إسطنبول، ومنع استقرار اليهود المهاجرين في فلسطين وضبط تصاريح الزيارة... وقام العلماء والمفكرون وكتّاب الصحف بالتوعية بمخاطر المشروع الصهيوني منذ مطلع القرن العشرين؛ ومن أبرزهم مفتي القدس محمد طاهر الحسيني، والشيخ سليمان التاجي الفاروقي، وكان لجريدة الكرمل التي أسسها نجيب نصار سنة 1908 دور مهم أيضاً. ومع الاحتلال البريطاني لفلسطين كان العداء للمشروع الصهيوني شاملاً وواسعاً في كافة أنحاء فلسطين.
3. لماذا جاء هذا الكتاب بشكل سردي مكثف للأحداث، إلى من هو موجه تحديدا؟!.
د.صالح: استخدم الكتاب أسلوب العرض التاريخي باعتبار ذلك تسلسلاً منطقياً للتطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية. وهو لم يكتفِ بمجرد سرد الأحداث وإنما كان يعرض الصورة العامة ويحلل العناصر المتداخلة في صناعة المفاصل التاريخية ويوضح الأسباب التي أدت إليها والنتائج التي ترتبت عليها؛ مع الحرص على الكتابة بلغة سهلة، بحيث يكون الكتاب موجهاً إلى كافة الفئات العمرية وكافة فئات المهتمين بالقضية الفلسطينية، وأولئك الذين لا يجدون وقتاً طويلاً للدخول في التفصيلات المتعلقة بالقضية.
ثورة البراق فتحت الباب على الجهاد المسلح :
4. قال الحاج أمين الحسيني بعد انتهاء المواجهة السلمية للعرب ضد المشروع الصهيوني المدعوم بريطانيا :"كنا ما نزال حتى سنة 1932 على شيء من الأمل، ولكنه زال مع الزمن، كل عذابنا.. كل الامنا كانت تعدّ بعناية، لم يكن أمامنا غير الشهادة"، لماذا تأخر رموز الحركة الوطنية الفلسطينية في إعلان الجهاد المسلح؟.
د. صالح: العمل الجهادي الفلسطيني المقاوم كان عملاً مبكراً مترافقاً مع بدايات الاحتلال البريطاني سنة 1918، إذ بعد الاحتلال بقليل شكّل الفلسطينيون منظمة "الفدائية" التي تبنت المقاومة السرية المسلحة. وكانت هناك ثورات القدس 1920 ويافا 1921، والبراق 1929. غير أن القيادة السياسية الفلسطينية في الفترة 1918-1929 كانت ما تزال تعوّل على الضغط السياسي لإقناع بريطانيا بالعدول عن وعد بلفور؛ حيث كانت بريطانيا قد قدَّمت في البداية وعوداً كاذبة للعرب بالتحرر والاستقلال، كما لم يكن الفلسطينيون قد استكملوا حالة تعبوية وجاهزية عالية تمكنهم من مواجهة الإمبراطورية البريطانية في ذلك الوقت، بالإضافة إلى أن المشروع الصهيوني كان ما يزال في بداياته الأولى ولم تتكشف مخاطره العملية الكبيرة خصوصاً فيما يتعلق بالهجرة والسيطرة على الأراضي؛ حيث كان الفلسطينيون يمثّلون 92% من السكان ويملكون 98% من الأرض. ولكن بعد ثورة البراق ازدادت الاتجاهات نحو العمل الجهادي المسلح قوة وانتشاراً.
الحكومات العربية لم تكن جدية في عملية الصراع :
5. وكأن الزمن يعيد نفسه عندما نقرأ في كتابك أن الحكومة المصرية في العام 1950 وضعت يدها على قطاع غزة ومنعت الحاج أمين الحسيني، رئيس الهيئة العربية العليا من العيش والعمل السياسي في الضفة الغربية أو القطاع، وبقي في مصر مع حصار مفروض عليه، لماذا لعبت الحكومة المصرية هذا الدور في تلك الحقبة الزمنية؟.
د.صالح: الحكومة المصرية وضعت يدها على قطاع غزة بعد حرب 1948، أما الأردن فسيطر على الضفة الغربية. والحكم المصري كان ما يزال تحت حكم الملك فاروق المعروف بفساده وصلاته بالإنجليز، وهو نفسه الذي طارد الإخوان المسلمين في تلك الفترة واغتال زعيمهم حسن البنا خصوصاً بعد مشاركتهم البطولية في حرب فلسطين. ولم تكن الحكومات العربية ولا الأجنبية راغبة في تولي شخصية معروفة بوطنيتها وإخلاصها وعدائها للإنجليز مثل الحاج أمين الحسيني لقيادة الشعب الفلسطيني وحكم ما تبقى من فلسطين.
6. أفردت في الكتاب فصلا خاصا عن بروز التيار الإسلامي الفلسطيني، فماذا قدّم هذا التيار للقضية الفلسطينينة وما هي التغييرات التي أحدثها في العالم العربي والإسلامي؟.
د. صالح: التيار الإسلامي الفلسطيني هو تيار أصيل في مقاومة المشروع الصهيوني سواء في أثناء الاحتلال البريطاني أو بعد إنشاء الكيان الصهيوني. ويتجلى ذلك في دوره في إنشاء جمعية الفدائية سنة 1919 وفي ثورات 1920 و1929 وفي دوره البارز في الثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1939، وفي حرب فلسطين 1948. كما يتجلى في زعماء المقاومة وأبطالها وحركاتها كالحاج أمين الحسيني، وحركة الجهادية بقيادة الشيخ عز الدين القسام، ومنظمة الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني، وحركة الإخوان المسلمين، وحركة الجهاد الإسلامي وحركة حماس. وطوال تسعين عاماً كان التيار الإسلامي يُعبّر عن هوية فلسطين الإسلامية، ويدافع عنها ويقود جماهير المقاومة ضدّ العدو الصهيوني، ويربط الأمة بفلسطين ويجعلها مركز اهتمامها.
اتفاق أوسلو كارثة سياسية في التاريخ الفلسطيني :
7. قال المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد بعد اتفاق أوسلو "إن عرفات ورّط شعبه بمصيدة لا مخرج منها"، إلى أي مدى أثر هذا الاتفاق على الحركة الفلسطينية المقاومة في مسار قضية فلسطين؟.
د. صالح: اتفاق أوسلو كان كارثة سياسية في التاريخ الفلسطيني الحديث والمعاصر. ففضلاً عن اعترافه بحق الكيان الصهيوني بـ 77% من أرض فلسطين؛ فإنه لم ينجح في حسم أي من القضايا الجوهرية المتعلقة بمصير القدس ومصير اللاجئين الفلسطينيين ومصير المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ومصير إقامة الدولة الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير. وأدى هذا الاتفاق إلى إنشاء سلطة حكم ذاتي تحولت عملياً إلى كيان وظيفي يخدم أغراض الاحتلال، ولا يملك إمكانات التطور لبناء دولة فلسطينية مستقلة؛ حيث لا يوجد أفق لانتهاء الاحتلال ووقف الاستيطان؛ في الوقت الذي تقوم فيه السلطة في رام الله بمطاردة قوى المقاومة بالتنسيق الأمني مع السلطات الإسرائيلية.
وعد إلهي بالنصر حتمية تاريخية :
8. بعد ما استجمعته من قراءة للتاريخ العربي خلال قضية فلسطين كيف ترى مستقبل هذه القضية في ظل التطورات الراهنة؟.
د. صالح: المشروع الصهيوني ليس له مستقبل على أرض فلسطين من ناحية استراتيجية. فلن تبقى الأمة ضعيفة إلى الأبد ولن يبقى العرب والمسلمون ضعافاً إلى الأبد وما صمود المقاومة في حرب تموز 2006 وحرب غزة 2008-2009 والتحولات في المنطقة العربية إلا مؤشرات على أزمة المشروع الصهيوني. ونحن مطمئنون بإذن الله لتحرير فلسطين في المستقبل، فهذا وعد الله سبحانه، وهذا مقتضى الحق والعدل، وهذا منطق التاريخ، ولن يضيع حقٌ وراءه مطالب. المهم ألا نفقد ثقتنا بالله وألا نفقد الأمل، وأن نواصل العمل الجاد مهما كانت التحديات والصعاب.