بكلمات تعجز الدموع عن مقاومتها، وقفت والدة الشهيد علي الربح، احد الشهداء الثلاثة الذين تم اعدامهم ضمن جريمة الإعدام الجماعي الذي طال الشيخ نمر النمر، تحدثكم عن ابنها
بكلمات تعجز الدموع عن مقاومتها، وقفت والدة الشهيد علي الربح، احد الشهداء الثلاثة الذين تم اعدامهم ضمن جريمة الإعدام الجماعي الذي طال الشيخ نمر النمر، تحدثكم عن ابنها... الوالدة المفجوعة الفخورة بما ناله ابنها من شهادته ارتفعت به إلى منزلة السعداء.. موقع المنار ينقل ما كتبته أم الشهيد:
السلام على من غسله دمه، ونسج الريح أكفانه، والتراب الذاري كافوره، والقنا الخطي نعشه،وفي قلب من والاه قبره.
السلام على الجسم السليب، السلام على الشيب الخضيب، السلام على المحزوز رأسه من القفا، السلام على مسلوب العمامة والرداء السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أنصار الحسين..
أربعون يوماً مرّت ثقيلة بحزنها وألمها على قلوبنا المحترقة وأرواحنا التي بدأت تتهاوى بعد رحيلك .. لا شيء يثبت، و قلوبنا تٵبى التصديق! و مازلنا بالٳنتظار..
"علي" يا شمعة العمر المطفأة و زهرة الحياة الذابلة أيها القلب الحنون هل أنت هنا؟ هل تسمعني؟ أريد أن أخبرك عن تلك الصورة التي رأيتها يوماً في عالم الرؤيا... هي صورةٌ و لكن حين أرى ٳبتسامتك فيها، إبتسم وتدخلُ السعادة ٳلى قلبي الذي مزقه الحنين و أوجعه الفراق...
" علي " أخبرني هل لك أن تستذكر معي شيئاً من آخر لقاء بيننا؟ بعد تصديق ذلك الحكم المشؤوم؟ هل تذكر حين ضممتك بكل قوةٍ ٳلى صدري و قلت لك، كيف هو بطلي؟ أجبتني وٳبتسامتك تسابق حروفك "بطلُكِ صمود" أُماه لا تخافي "عَليُكِ" بخير. حينها سألتك: هل أنت خائف يا علي ؟ أجبتني لا يا أمي لم أفعل شيئاً لأخاف. أفرحَتني كثيراً معنوياتك العالية و اطمئن قلبي. حينها سألتك: علي، ماذا تتمنى يا ولدي؟ قلتَ لي: ماذا تتمنين أنتِ ٳلى "علي" يا أمي؟ أجبتكَ سريعاً و بٳبتسامة كٳبتسامتك العذبة أتمنى لك الراحة و السعادة يا ولدي .. ضحكتَ حينها وقلت لي دعاؤك لي بالسعادة يا أمي .. فأجبتك: دعائي لك لا ينقطع حتى ٳنقطاع الأنفاس.
حبيبي " علي " في ذلك اليوم المشؤوم قد كتب الله لك السعادة، ولم تكن كأي سعادة، يا ولدي بل هي سعادة سرمدية لا تزول أبداً. في ذلك اليوم لم تذبح أنت يأ علي بل ذُبحنا نحن فيه، نحن من تقطعت قلوبنا، و نحن من نزفت أرواحنا بالوجع، نحن من قاسينا مرارة الفقد والحنين، ونحن من سُلبت منا الحياة. غدَوت أنت بالجنان منعمٌ يا علي .. أمّا نحن فغدونا بكل مرارة ووجع مع تلك الجمرة المتقدة تحرقنا كيفما تشاء، و نترقب القادم بكل وجل..
"علي" حين رآك أخاك في المنام كنت سعيداً و الفرحة تغمر قلبك. رآك تبتسم و تمسك قرآناً كبيراً بيديك و تضمه إلى صدرك و كأنّك تخبره بأنك امتلكت ما حُرمت منه سابقاً. بادر إلى سؤالك بفرحة كبيرة: ألم تُقتل يا أخي؟ فأخبرته بٳبتسامة: لا أنا هنا موجود و لم أُقتل.
و كذلك رآك والدك وأيضاً سألك: "ألم تقتل يا علي مع الشيخ الجليل و بقية الشباب؟ أجبته بٳبتسامة أيضاً، وقلتَ لا نحن لم نقتل بل نحن هنا، موجودون معكم... و ما زلت تبتسم.
نعم يا ولدي هي السعادة وعقولنا فرحة بما آتاك الله من كرامة،وسعداء من أجل سعادتك يا علي، نشعر بالفخر والعزة والشرف بأن من الله علينا بك ٳبناً قد اصطفاه الله من السعداء، هو شرف لا يضاهيه شرف.
ولكن ما حال قلوبنا المروّعة؟ هل سيفارقها الحزن والألم والدمعة؟ نحن من أنجبنا وربينا وسهرنا.. نحن من عانينا مرارة هذه الدنيا لأجل أبنائنا.. هل يُعقل أن ننسى؟ هل يعقل ألا نبكي ألماً وحسرة على فراقه و أي فراق كان!
آهٍ عليك يا علي.. أبعدوك عنا ظلماً بسجن انفرادي منعوا عنك ما كنت تسلي نفسك به في وحدتك كتاب الله القرآن الكريم. منعوا عنك الطعام الجيد، فلا تجد ما تأكل وتشرب.. منعوا عنك العلاج و الدواء.. منعوا عنك الملابس فلم تملك سوى ماترتديه تقوم بغسله و لبسه.. كل ذلك في كفة وبالأخرى تلك الوحدة القاسية والظلام الموحش، وتلك السلاسل العفنة التي نحتت آثارها على يديك ورجليك، وذلك الٳنتظار القاتل.. و بكل ذلك لم يكتفوا يا علي! بل فصلوا رأسك عن جسدك ليرضوا غرائزهم المتعطشه لدماء الأبرياء.
" علي " يا قطيع الرأس ظلماً أخبرني كيف تم الٵمر؟ و ما الذي أخبروك به وقتها؟ هل أخبروك بأنه الٳفراج و الحرية؟ أم أرعبتهم قوتك وصمودك و تمسكك بالحق فأخبروك أنه قد حان وقت الٳنتقام؟
آه يا علي، ويلٌ لمن روّع قلبك و آلم روحك البريئة... ويلٌ لمن أمر ونطق ظلماً، و كل الويل لمن رفع سيفاً ليفصل رأسك عن جسدك الصغير المعذب، ألا يكفيهم عذابات أربع سنوات بلا رحمه، ألا لعنة الله على القوم الكافرين.
صبرك وصمودك لأربع سنوات قد قضيتها قائماً صائماً قارئاً للقرآن بالرغم من صغر سنك. ما زادك ٳلا ٳيماناً و ثباتاً ويقيناً.. نعم ذلك الٵمر قد قهر عدوك اللئيم، وأشعل بقلبه ناراً لا تطفئ ٳلا بالقضاء على ذلك الٳيمان بسلب تلك الروح البريئة. و لكن هيهات لها أن تنطفئ. هي بقتلك و قتل تلك الثلة المؤمنة معك قد بدأت بالٳشتعال و ستحرقهم في كل لحظة آلاف المرات.. دماؤكم الطاهرة ستلاحقهم ليوم الحساب و عند الله تجتمع الخصوم! هناك في محكمة العدل الٳلهي لن تجد للظلم مكان و الله أعدل الأعدلين.. ستأخذ حقوقك المسلوبة من كل ظالم متجبر قد طالك بظلمه وبأي شكلٍ كان..
"علي" يا ريحانة العمر المقتطفة، يا بسمة الروح الغائبة.. يا بلسماً كان يوماً يداويني، يا روحاً قد سلبت قهرآ من بين أضلعي، يا نبض قلبي يا علي.. ليومنا هذا وبعد أربعون يوماً من تلك الجريمة البشعة، مازالت قلوبنا تٵبى تصديق رحيلك عنا و تتساءل هل حقاً عنا رحلت؟ هو كابوس مريع سنفيق منه يوماً؟ آه يا علي يا كل الحياة.. ننتظرك بِـٵمل يتجدد في كل ثلاثاء لعل وعسى أن نسمع رنين ذلك الهاتف وتكون أنت المتصل.. أربعون يوماً لم يسكن روعنا، أربعون يوماً لم تهدأ أنّاتنا، أربعون يوماً ولم نرى دليلاً قاطعاً يؤكد لنا رحيلك غير خبرٍ مزعوم لا غير!
أربعون يوماً و نحن ننتظرُ بٵمل، وإن كان ذلك صحيحاً هل لي بأن أتساءل يا "علي".. آه يا ولدي ماذا عساي أن أقول؟ كثيرةٌ هي الأسئلة في خاطري.. آه يا حبيبي كم هي مؤلمة لقلبي و روحي. آه يا علي.. هل آلموك يا ولدي !
علي .. أين رأسك المقطوع ظلماً هل احتضنته بذراعيك إلى صدرك يا ولدي أم سقط بأيدي الظالمين؟
علي.. هل لك أن تخبرني أين جسدك المسجى؟ وأين قبرك المغيّب؟
آه آه يا علي .. لا أعلم هل جف فيض النحر اللذي غُسل به جسدك الطاهر أم لازال يجري ليسقي أرضاً قد حوته بالعزة و الكرامة؟
آه آه يا ولدي.. كم تمنيت لو استطعت أن أقدم نحري فداء، لترحل أمك و يبقى علي... سفكوا دمك، وأخفوا قبرك ظلماً.. لكنني وبنفس راضية بقضاء الله سأردد: يا رب ٳن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى!
.. همسه للجميع:
إبني علي قد اتخذ قراراً بدّل حياته كلياً، حيث استبدل حياة الذل مع الظالمين بالسعادة الأبدية .. تجرع الظلم بغصّات الوجع .. صبر و صبر و صبر .. حتى نال ما تمناه لمدة أربع سنوات وأكثر، قبل عام تقريباً تم العرض على ٳبني علي التعاون مقابل الٳفراج عنه!
عُرض عليه أن ينضم لقافلة المندسين فيعود حراً طليقاً، لكن كرامته أبت عيش الذل و الهوان واختارت ذلك القيد العفن و ذلك الحكم الجائر، لا .. بل ٳختار و بكامل ٳرادته معشوقته التي طالما تغنى بها.. أبت كرآمته ٳلا أن ينضم لقآفلة الأحرار، نعم ٳختار شقاء السجن وجور الظالمين على حرية ذليلة.. كم أنت عزيز و عظيم يا بطلي الشهيد .. فهنيئاً هنيئاً لك يا ولدي ما قدمت لدنياك و ما اخترت لآخرتك، فقد فزت والله فوزاً عظيماً.
كلمة أخيرة كررتها مراراً: إبني الشهيد لم يجرح و لم يقتل وٳنما جرمه الوحيد خروجه السلمي للمطالبة بحقوق مشروعه فكان حد السيف بٳنتظاره!
قال تعالى ( وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين) و نحن بٳنتظار ذلك العدل الٳلهي.. و نسأل الله العلي القدير أن يكون ذلك قريباً وأن يمدنا بصبر مولاتنا زينب(ع)... و الحمدلله الذي عند الٳبتلاء أفرغ علينا صبراً جميلاً و أكرمنا بكرامة لا ينالها ٳلا السعداء...