الأكيد أن الحكومة السعودية تعمل بشكل حثيث منذ مطلع الثمانينيات، على تهميش جميع الثقافات والعادات في الجزيرة العربية وفرض ثقافة وعادات منطقة نجد التي تنحدر منها الأسرة الحاكمة، والمؤسف أنها نجحت في ذلك بشكل كبير.
لا تجد الحكومة السعودية حرجاً من إنفاق مئات الملايين من الدولارات لترميم المواقع الأثرية الخاصة بالعائلة الحاكمة، في الوقت الذي اختارت بناء حمامات في موقع منزل السيدة خديجة أول زوجات النبي محمد في مكة.
* حسين عبدالله/ جريدة الأخبار
من الواضح أن الحكومة السعودية تتعمد تدمير الآثار الإسلامية في مكة والمدينة، وبالفعل منذ عام 1985 وحتى الآن دمرت أكثر من 90 في المئة من هذه الآثار وفقاً لتقرير نشرته مجلة «التايمز» في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014.
بل بلغت الجرأة بجهة حكومية في 2014 إلى تقديم دراسة من ستين صفحة تقترح نقل قبر النبي محمد من موقعه الحالي كما كشفت وسائل إعلام سعودية، بل كان ضمن خطط توسعة الحرم المدني تغيير مكان منبر الرسول في المسجد النبوي للمرة الأولى في التاريخ، وهو الأمر الذي أدى إلى احتجاجات واسعة بين علماء الدين في العالم الإسلامي ما دفع الملك الراحل عبدالله إلى تغيير خطة التوسعة.
وتتعمد الحكومة السعودية تدمير الآثار الإسلامية وآثار الرسول «بحجة أن لا يعبدها الناس من دون الله» كما تقول المؤسسة الدينية الرسمية، حتى أن موضع مولد النبي محمد بُنيت عليه مكتبة.
لكن المتابع للشأن السعودي، يلاحظ أن تدمير الحكومة السعودية للآثار لا يشمل تلك الخاصة بالعائلة الحاكمة، فعاصمتها الأولى الدرعية المجاورة للرياض، بقيت على حالها تقريباً كما كانت قبل ثلاثة قرون، وأُنفق مئات الملايين من الدولارات لترميمها، وبذلت الرياض جهوداً استثنائية حتى وضعت «الدرعية» ضمن لائحة التراث العالمي لدى منظمة اليونسكو عام 2010.
علاوة على هذا، تُقام المعارض الخاصة بملوك السعودية الراحلين التي تكلف أموالاً طائلة، وتحوي هذه المعارض جميع مقتنياتهم من صور وسيارات وحتى ملابس، وسط ترحيب من المؤسسة الدينية التي هي نفسها تطالب بتدمير الآثار الإسلامية. في المقابل تتعمد الحكومة تدمير الآثار الأخرى، أو على الأقل عدم السماح للسعوديين بزيارتها مثل مدائن صالح في غرب شمال البلاد التي عمرها 2500 عام، كما أن الآثار والتماثيل الفرعونية الموجودة في أقصى غرب شمال المملكة لم تعرض مطلقاً داخل السعودية، في وقت أقيمت لها معارض في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة!.
ولم يتوقف الأمر على الآثار، بل يُلاحظ أن الحكومة السعودية تعمل منذ عقود على تدمير جميع الثقافات والعادات المحلية في أنحاء الجزيرة العربية، وتفرض بقوة الثقافة والعادات تلك الخاصة بمنطقة نجد التي تنحدر منها العائلة الحاكمة.
فالزي الرسمي للدولة هو الشماغ الأحمر والثوب الأبيض بالنسبة إلى الرجال والعباءة السوداء للنساء وهو زي أهل نجد، لكن الحكومة فرضته مع مرور السنوات، بطرق شتى، على الغالبية الساحقة من السكان إن في المناطق الغربية والشرقية والجنوبية من البلاد.
فالصور في الهويات الوطنية أو جوازات السفر يجب أن نكون بالزي النجدي، ولا يسمح القانون لمن لا يرتدي هذا الزي من السعوديين بدخول الدوائر الحكومية حتى للمراجعة!. وفيما لا ترتدي المرأة في الجنوب ومناطق أخرى العباءة أو النقاب، لكن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الشرطة الدينية) تجبر النساء في تلك المناطق على ارتدائهما، في وقت يُقابل الزي غير النجدي بالازدراء في وسائل الإعلام المدعومة من الدولة حتى أصبح من يرتديه شاذاً.
رضّ «ثقافة وعادات واحدة» على شعب يسكن أرضاً تتجاوز مساحتها مساحة دول أوروبا الغربية مجتمعة، يتزامن مع ما يتعلمه الطلاب السعوديون في المدارس، من أن أجدادهم كانوا يقتلون بعضهم بعضاً ويعبدون الأوثان، لكن هذا كله تغير بعد حكم آل سعود الذين نشروا الإسلام الحق والأمن في الجزيرة العربية.
الأكيد أن الحكومة السعودية تعمل بشكل حثيث منذ مطلع الثمانينيات، على تهميش جميع الثقافات والعادات في الجزيرة العربية وفرض ثقافة وعادات منطقة نجد التي تنحدر منها الأسرة الحاكمة، والمؤسف أنها نجحت في ذلك بشكل كبير، لكن ما يبعث على الاستغراب، كما قال تقرير لقناة ABC الإسترالية في أكتوبر/ تشرين الاول 2014، إنه في الوقت الوقت الذي يخرج عشرات الآلاف من مواطني الدول الإسلامية احتجاجاً على إسرائيل بسبب حفرياتها تحت المسجد الأقصى، لم يخرج متظاهر واحد احتجاجاً على تدمير 90 في المئة من آثار النبي محمد.
لذلك لم يكن مستغرباً على المراقبين بأن جرائم «داعش» ضد الآثار والثقافة ليست وليدة اللحظة إنما هي استمرار وامتداد لسياسة تدمير كل ما هو حضاري وجميل والتي سنته السعودية في حربها ضد التراث الاسلامي والانساني.
* المدير التنفيذي لمنظمة «أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان في البحرين»
(من الاشخاص الذين سحبت جنسيتهم البحرينية بسبب نشاطه الحقوقي)