رهانات بعض الخارج على نتائج تقلِب الطاولة، في الإنتخابات الإيرانية الأخيرة لأعضاء مجلس خبراء القيادة والبرلمان، لم تستند الى الواقعية، لا بل تنمُّ عن جهلٍ بطبيعة الشعب الإيراني،
أمين أبوراشد
رهانات بعض الخارج على نتائج تقلِب الطاولة، في الإنتخابات الإيرانية الأخيرة لأعضاء مجلس خبراء القيادة والبرلمان، لم تستند الى الواقعية، لا بل تنمُّ عن جهلٍ بطبيعة الشعب الإيراني، خاصة أن المرشحين من كافة الأطياف سواء كانوا "إصلاحيين" أو "محافظين"، أدلوا بتصريحات كافية ووافية قبيل الإنتخابات من أن التنافس في ما بينهم يبقى ضمن الإطار السياسي الداخلي البحت تحت سقف الثورة، وأن وجهات النظر تختلف، ليس في السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولا في السياسات الداخلية العامة، بل في منهجية العمل التطبيقية للنهوض الإقتصادي بعد سنواتٍ من الحصار الظالم وتحقيق إيران إنتصارها النووي وتدفُّق الإستثمارات عليها بشكلٍ فاق التوقُّعات.
تصريحات الناخبين على إختلاف توجُّهاتهم يوم الإقتراع، جاءت منسجمة مع تلك التي أدلى بها المرشَّحون وعكست التنوُّع الديمقراطي الشعبي في المجتمع الإيراني:
طالبٌ جامعيٌ قال: أنا جئت للمشاركة في الإنتخابات، وفاءً لأرواح شهدائنا من علماء الفيزياء النووية الذين اغتالتهم أيادي الغدر الخارجية خلال مسلسل الحصار والضغط والقهر على شعبنا الإيراني في السنوات الماضية، ولولا تضحيات هؤلاء العلماء الشهداء وزملائهم من خيرة أبناء هذا الشعب لما وصلنا الى زمن استعدنا فيه كرامتنا وحريتنا ووزننا بين دول العالم.
معلِّق صحفي قال: هذه الفُسحة من الديموقراطية، وهذا التجييش الذي يهدِف الى أوسع مشاركة لممارسة حقّ الإقتراع في أجواء من حرِّية الخيارات، يؤكدان الثقة المتبادلة بين الشعب والنظام والشعور بالنصر بعد الذي تحقق في المجال النووي، والباقي من مشهدية التنافس الحادّ، هو أمرٌ صحِّي وطبيعي لبلدٍ يفتح صفحة جديدة ناصعة سواء على مستوى الداخل في مقاربة هموم الشعب، أوعلى مستوى الخارج لترسيخ السياسة الخارجية على ضوء الدعم الشعبي الذي تتوقَّعه السلطات الإيرانية لصوابية توجهاتها.
رجُل أعمال إيراني قال: لا خلاف بين الكُتل السياسية على أن الإقتصاد هو الأولوية، بل الإختلاف هو في النظرة الى الدعائم المطلوبة للخُطط الإستثمارية المستقبلية، وفي حين يذهب الإصلاحيون الى ضرورة الإنفتاح الإقتصادي على الغرب، لجذب المزيد من الإستثمارات التجارية وتعزيز العلاقات الثقافية وتبادل الخُبرات العلمية، فإن المُحافظين يعتقدون أن على إيران التي حافظت على صمودها بقدراتها الذاتية منذ بداية الثورة عام 79 يجب أن تستمر في الإعتماد على النفس دون الحاجة الى الغرب.
ثلاث عيِّنات من الداخل الإيراني، يجب أن نُقابلها بثلاثِ عيِّنات من الخارج، الذي يُتابع الإنتخابات الإيرانية منذ الأيام الأولى للتحضيرات وحتى صدور النتائج الأولية، وقد تكون أميركا ومعها الغرب، وإسرائيل، والسعودية، أفضل النماذج عن ما يتوقَّعه الخارج ويتمنَّاه من انتخابات إيران:
محور أميركا، ومعها أوروبا والغرب، يرى في الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني حقيقة الإعتدال الإيراني، والصورة الواقعية التي تعكس رغبة إيران بعد نصرها النووي، في إرساء الإستقرار الإقليمي وإطلاق عجلة التنمية التي يتوقَّعها الشعب الإيراني من حكومته، وهذا المحور مؤمن بقوة إيران في مكافحة الإرهاب، وأنها دون أن تقصد باتت شرطي الخليج الذي يُعتمد عليه، بعد الخيبة التي تمثَّلت بأداء السعودية سواء في العراق أو سوريا، أوالتورُّط في حرب اليمن مما استدعى توصية البرلمان الأوروبي منذ أيام بوجوب وقف تزويدها بالأسلحة.
ويبقى التحفُّظ الأميركي الغربي على إيران لجهة عدائيتها لإسرائيل، وهذا العداء هو من مقدَّسات الثورة الإيرانية ولا تبدِّله انتخاباتٌ ولا أزمنة، علماً بأن أمن إسرائيل لم يعُد أولوية أوروبية بعد أن باتت أوروبا تُعاني الخوف على أمنها من الإرهاب، وباتت الممارسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني مفضوحة للرأي العام الأوروبي.
إسرائيل كانت من أكثر المُبالغين في التعويل على هزيمة المحافظين في هذه الإنتخابات الى حدّ التوقُّع الساذج، والتمنِّي الواهي بنهاية النظام "المتشدِّد" في حال نجاح الإصلاحيين، خاصة بعد الإعلان الإيراني الصريح بدعمٍ ماليٍّ مباشر لمناضلي الإنتفاضة الفلسطينية وعوائل الشهداء، وتقاطعت معها السعودية التي تُناصب العداء للشعب الإيراني وثورته الشعبية منذ سقوط الشاه، الحليف للعرش العائلي السعودي، ودعا المفتي الوهَّابي عبد العزيز آل الشيخ قبل يومٍ واحدٍ من الإنتخابات الشعب الإيراني الى عدم انتخاب متطرِّفين، ويعني بهم الأجنحة المبدئية / المحافظة، وقد يكون من العار أن تُبدي مملكة ديكتاتورية عائلية متطرِّفة، رأيها بدولة ديموقراطية ثورية لمجرَّد أنها ترتعد من كل ما هو خيارات شعبية.
أما وقد انتهت الإنتخابات الإيرانية بتوازن في النتائج، وتنوُّع ضمن مجلس خبراء القيادة والبرلمان، وبانتظار النتائج النهائية، سيما وأن نحو أربعين مقعداً في البرلمان تم ترحيلها الى انتخابات جولة ثانية، يبقى المرشَّحون المستقلُّون، هم من يرجِّحون الكفَّة في التحالفات البرلمانية ضمن اصطفافات الكُتل التي أوصلتها الإنتخابات في أجواء من الحرِّية وبهجة النصر والفخر على المستوى الشعبي.
أمام ما تقدَّم، بإمكان الشعب الإيراني كائناً ما كانت إصطفافاته الإنتخابية، أن يُفاخر بأن الإنتخابات الإيرانية قد بعثت برسالة واضحة من الداخل الإيراني الى الإقليم والعالم، أن الشعب الإيراني هو دائماً تحت سقف ثورته، وإنتماؤه هو فقط للأمة الإيرانية...