25-11-2024 05:52 PM بتوقيت القدس المحتلة

السيد فضل الله في خطبة الجمعة يدعو اللبنانيين للوقوف صفا واحدا

السيد فضل الله في خطبة الجمعة يدعو اللبنانيين للوقوف صفا واحدا

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: تعيش المنطقة العربية والإسلامية صراع نفوذ بين المحاور الدولية، والذي يتمثل عسكرياً في حركة الأساطيل الغربية والأمريكية والروسية، وسياسياً في التدخلات التي تقوم بها هذه المحاور في داخل هذه البلدان مستغلين واقع الضعف الذي يعاني منه هذا العالم، والتناقضات الموجودة فيه والصراعات الداخلية، وسعي كل طرف لاستقواء على الآخر من خلال استخدام هذا المحور الدولي أو ذاك، وبدلاً من أن تعمل الدول العربية والإسلامية من خلال مواقع اللقاء فيها، كالجامعة العربية أو منظمة التعاون الإسلامي على الإسراع في حل الإشكالات والتناقضات فيما بينها، وتعزيز فرص الحوار بينها، ولمنع كل صراع النفوذ هذا، فإنها لا تقوم بمسؤولياتها بل قد تؤكد الانقسام من خلال أسلوبها في التعامل وتزيد من فرص التدخلات على أراضيها...


إننا في ضوء هذا الواقع، يمكن رصد ما يحدث في سوريا، فإنَّه على الرّغم من البعد الدّاخليّ الإصلاحيّ الّذي ظهر في بداية الأحداث وهو ما أكدنا على أهميته والإسراع في إنجازه، فإنَّ ما يجري في هذا البلد يتعدَّى الوضع الدّاخليّ وما يحتاجه الشَّعب فعلاً من إصلاحات، ليدخل في تجاذبات المحاور الدّوليّة الكبرى، والمحاور الإقليميّة الّتي تشتغل كوكيل للآخرين.
وهكذا تبدو سوريا ساحةً مفتوحةً على ما يجري في المنطقة، وعلى الصراع الدولي، حيث يتصادم محوران كبيران تستخدم فيه كلّ أساليب الضّغط الأمنيّ والاقتصاديّ والإعلاميّ والسياسيّ، وإن كانت المسألة في حجمها العسكريّ الكبير لا تزال تنتظر تطوّرات وتفاعلات وظروفاً أخرى، كما أنّ المساومات لا تزال مطروحة على المائدة الدوليّة والإقليميّة، حتى في الوقت الّذي يتحدّث الكثيرون عن اللاعودة، وعن وصول الأمور إلى النّهايات أو ما إلى ذلك...
وفي هذه الأجواء الّتي يسقط فيها الأبرياء، وتسيل فيها دماء الشَّعب السوري، ويشعر فيها العدوّ بكثيرٍ من الارتياح، وخصوصاً عندما يسقط عدد من الطيّارين والفنيّين السّوريّين الّذين كان يمكن أن يكون لهم دور في المواجهة الكبرى لحساب الأمَّة، لا أن يكونوا فريسة التمزّقات الداخليّة...


في هذه الأجواء، تبرز مسؤوليّة الجميع، سواء الّذين يؤثّرون في هذا الوضع أو يتأثّرون به، ليكونوا في موقع النّصيحة أوّلاً، وفي موقع الخطاب العاقل المتوازن الّذي لا يسمح لنيران المشاكل أن تمتدّ إلى الساحات المجاورة، ولا يستخدم اللّغة المذهبيّة أو الطائفيّة ليزيد المسألة اشتعالاً، وليفاقم من حدّة الأمور...
أيّها الأحبَّة، إنَّنا أمام مرحلة جديدة، تبدأ الأمور فيها بالتَّعقيد، سواء من خلال العقوبات، أو من خلال ردود الفعل الّتي قد تظهر في أكثر من ساحة، وصولاً إلى الانعكاسات السلبيّة الّتي لا نعرف إلى أين قد تصل، ولذلك فإنَّ الخطورة تكمن في عدم الانضباط والتصرّف بحكمة أمام ما يحدث، وأمام سعي الكثيرين لكي يتحوّل هذا الموقع أو ذاك إلى بؤرة أمنيّة خصبة، أو بطنٍ رخو يخفّف بمشاكله الأثقال عن المحاور الدّوليّة وعن كيان العدوّ، من خلال الحطب الّذي يوقد في الدّماء البريئة والأرواح الّتي تُزهق بدمٍ بارد...
إنّنا نعيد التأكيد على الجامعة العربيّة ومنظّمة التّعاون الإسلامي، بضرورة العمل الجادّ من أجل إعادة الحوار بين كلّ الفئات في سوريا، لتفادي كلّ العواقب السلبيّة التي تنتج على مستوى العلاقات العربيّة والإسلاميّة، ولإفشال خطط الّذين يرسمون سياساتهم الخارجيّة لفرض واقع جديد في الشّرق الأوسط..


ونحن عندما نلتفت إلى العراق، الّذي بدأت وتيرة التّفجيرات الوحشيّة تتصاعد فيه، تزامناً مع اقتراب موعد انسحاب قوّات الاحتلال الأمريكيّ منه، نعرف أنَّ الرَّسائل السياسيَّة تأتي من خلال الرَّسائل الدّمويَّة الّتي تتعدَّد أشكالها وأنواعها في هذه المرحلة بالذَّات، والّتي يُراد للعراق أن يكون إحدى ساحاتها المتحرِّكة، وخصوصاً في المراحل اللاحقة. ولذلك نؤكّد على العراقيّين من كلّ الأطياف، أن يكونوا الواعين لما يُحاك ضدّ بلدهم، وأن يعرفوا أنّ أمريكا التي عملت على تمزيق بلدهم منذ الغزو إلى الآن، لن تترك لهم بلداً مستقرّاً، بل ساحةً تهتزّ فيها المواقع والأقدام، ليعرفوا كيف يبنون بلدهم وسط كلّ هذا الرّكام من المشاكل الإقليميّة والدّوليّة من حولهم.
كما ندعوهم إلى الحذر من أن تسعى أمريكا للدّخول من الشبّاك العراقيّ، بعد خروجها من الباب، مستفيدةً من الواقع الدّاخليّ والتّناقضات التي اصطنعتها داخل الساحة العراقيّة، ومن الألغام السياسيّة وغير السياسيّة الّتي تركتها، ومن حاجة الشّعب العراقيّ إلى الأمن...
ونحن عندما نرصد كلّ هذه المشاكل، ونتطلّع إلى البحرين، نرى أنَّ الشّعب فيه لا يأخذ حظّه ونصيبه من اهتمامات الجامعة العربيّة ومن منظّمة التّعاون الإسلاميّ، وأنَّ الأوضاع فيه تستمرّ على حالها، حتَّى بعد تقارير لجان التَّحقيق والوعود بتنفيذ توصياتها، بل إنّ الأمور تبقى في إطار تغيير الدّيكور، من دون تغيير جذريّ في التّعامل مع هواجس المواطنين وتطلّعاتهم وحاجاتهم...


وإنّنا في الوقت الّذي ندعو إلى حوارٍ جدّيّ وموضوعيّ بين دولة البحرين والفئات المعارضة، ندعو الشّعب البحرينيّ إلى حوار داخليّ بين فئاته، لإزالة الهواجس بين المذاهب والطّوائف في البلد، وإبعاد ما يجري عن إطاره المذهبيّ، ولإبقائه في إطاره المطلبيّ الّذي يتحرّك لخدمة كلّ الوطن، لا لفئة منهم...
إنّنا أمام هذه الصّورة القاتمة في المشهد العربيّ والإسلاميّ، نتطلّع إلى مصر، وإلى تجربتها الانتخابيّة الجديدة، وما يمكن أن يتمخّض عنها، لأنّ مصر هذه الّتي يعلن العدوّ الصّهيونيّ من خلال صحفه ودراساته الاستراتيجيّة، أنه يخاف من تطوّر الأوضاع فيها، تمثّل ساحة من الساحات الأساسيّة الّتي لها دورها الكبير على مستوى العالم العربيّ والإسلاميّ، ولها تأثيرها في مستقبل هذين العالمين، نظراً إلى موقع مصر وحيويَّة شعبها وتضامنه، ولذلك فإنّنا ننظر بإيجابيّة إلى هذه التّجربة الجديدة الّتي نأمل أن تنتج ممثّلين يعون حاجات الشعب المصريّ، وأن تعيد الاعتبار إلى دور مصر التّاريخيّ الّذي غيّبه النّظام البائد..


إنّنا في الوقت الّذي نتمنّى للشّعب المصريّ أن يؤكّد قوّته ووحدته من خلال تجربته الانتخابيّة الجديدة، نتطلّع إلى دور مصريّ حاسم يحفظ الأمّة، ويمنع العدوّ من استكمال مخطّطاته الاستيطانيّة في فلسطين المحتلّة، ومن ممارساته الإرهابيّة ضدّ الفلسطينيّين، والّتي تتوالى في هذه الأيّام اعتقالاً وسجناً وتجريفاً لبساتين الزّيتون ولكلّ الأرض الفلسطينيّة، وفي الضفّة على وجه الخصوص.
وعندما نأتي إلى لبنان، الّذي يرغي العدوّ ويُزبِد عند بوّابته الجنوبيّة، وعندما نستمع إلى تهديدات القادة الصّهاينة الذين يعلنون استكمال جهوزيّتهم لأيّة حرب مقبلة على لبنان وسوريا وسواهما.. فإنّنا نتطلّع إلى المسؤولين فيه لكي يقوموا بواجباتهم، ويتحمَّلوا مسؤوليَّاتهم في إعداد البلد إعداداً سياسيّاً ووطنيّاً وأمنيّاً واقتصاديّاً، لمواجهة أيّ طارئ وأيّة حماقة قد يرتكبها العدوّ، وأن يعكفوا على دراسة الملفّات كلّها بطريقة موضوعيّة تراعي مصلحة البلد ومصالح المواطنين، وكيفيّة تحقيق سبل الأمان للإنسان الخائف على مصيره ومصير أولاده، وأن تدرس كلّ الملفّات، كملفّ المحكمة الدّوليّة، والملفّات الكبيرة المتّصلة بالنّاس وهمومهم المعيشيّة والأمنيّة بروحٍ مسؤولة، لا أن يبقى الأسلوب في التّعامل السياسيّ هو إلقاء التّهم، أو أن يهدّد هذا الفريق أو ذاك بالهروب من السّاحة إن لم ينفّذ ما يريد، ليترك البلد في الفراغ لمجرّد الاختلاف حول تقويم هذه المسألة أو تلك...


أيّها المسؤولون، إنّ التّلويح بالهروب من المشاكل يمثّل خيانةً للاستقرار الدّاخليّ، وللمسؤوليّة الّتي سبق أن أعلنتم أنّكم أهلٌ لتحمّلها.. ولذلك، فلا خيار لكم، فإمّا أن تقفوا صفّاً واحداً لدرء المخاطر عن لبنان، ولتدرسوا كلّ الملفّات بعين الموضوعيّة والجرأة، حتّى لا يبقى ملفّ غائم، وإمّا أن تتعرّضوا للعنة التاريخ والأمّة والنّاس أجمعين...